مرضى يرقدون في سلالم العمارات للتسجيل في قوائم الكشف تحولت زيارة الطبيب المختص في السنوات الأخيرة بعد الانتشار الواسع للأمراض المزمنة وتراجع الإقبال علي عيادات الطب العام إلى رحلة عذاب عوض زيارة تخفف الآلام يحسب لها ألف حساب ، بسبب تمسك هذه العيادات بالطريقة التقليدية في تحديد مواعيد الفحص والمراقبة ، وذلك بالحضور الشخصي للمريض أو من ينوب عنه في الساعات الأولى للصباح تصل إلى حد الوصول قبل آذان الفجر الأول لتسجيل إسمه في قائمة كشف الطبيب اليومية في ظروف أقل ما توصف فيه أنها غير إنسانية ولا حضارية في ظل التقدم الكبير الذي شهده العالم في مجال الاتصال ووسائله. هذه الحالة جعلت تجمع أشخاص غرباء في مداخل العمارات المتواجد فيها عيادات أطباء الاختصاص تثير غضب وحنق وسخط وتذمر سكانها بما يحدثه هؤلاء الغرباء من ضوضاء في ساعات يحلو فيها النعاس لجيرانهم الذين أكثرهم تضررا سكان الطوابق السفلية مما جعل بعض الأطباء يلفتون نظر زبائنهم إلي عدم إزعاج الجيران. و قد اشترط أحد الأطباء في الخروب وجود المرضى في طابور لأنه لا يعترف بالقائمة التي يفتحها أول الوافدين أمام باب العيادة ويسلمها للممرض عند افتتاح بابها كما هو مكتوب في لافتة وجدناها تنبه إلى ذلك. طوابير ومشاحنات مع الجيران هذا العقاب إن صح التعبير بلغة التدريب العسكرية يخضع له كل المرضى بما فيهم الزبائن الذين لهم مواعيد مسبقة لأنها تحدد اليوم ولا تحدد الدور لولوج غرفة الفحص ، وهي عملية قد تدوم اليوم كله في حال تأخر الطبيب عن الشروع في الفحص مبكرا ، مما يزيد من غضب المرضى وارتفاع ضغطهم ومعدل السكري لدى من يعانون من المرضين من كثرة الحركة والدخول والخروج والضجيج في عمارات بعض الأحياء الموصوفة بالهادئة . كما هو الشأن في حي 20 أوت وال 5جويلية وبعض أحياء الخروب والذي عادة ما ترفق بلوائح للحد من حركة المنزعجين تذكر المرضى ومرفقيهم بحظر الحركة التي تزعج الجيران وعدم الجلوس مقابل الشقق السفلية على الرصيف على الرغم من أنه مساحة عمومية، وذلك عندما يفضل المرافقون الانتظار خارج أجواء العيادة في سياراتهم أين تقع الكثير من المشاحنات مع الجيران وقد يثار الصياح والغضب في حال تسرب أحدهم ممن لديه حظوة لدى ممرض العيادة ، ممن لم تلسع أجسامهم جليد قسنطينة هذه الأيام. هذه الوضعية كثيرا ما تسببت في تفاقم أمرض الزبائن الباحثين عن الشفاء ، والذين أصبحوا يستعدون لهذا اليوم غير العادي في حياتهم ويخشونه أشد الخشية ، هذا ما وقفنا عليه مؤخرا أمام بعض عيادات الأمراض المزمنة التي تضاعف الطلب على خدماتها لاتساع رقعتها وارتفاع ضحايا الضغط الدموي والشرياني والسكري والكلي وغيرها من الأمراض المزمنة الناجمة عن العشرية السوداء وتغير نمط الحياة والقلق الذي يلازم الجزائريين خاصة فترة بداية التسعينيات. نقلت إلى المستشفى بعد يوم كامل في انتظار دورها أمام عمارة تهشم زجاج مصابيح إنارتها العمومية التي تضيء مداخلها وقفت أعمدة وسط الظلام كأوتاد الصفصاف كشف الشتاء سترها ، وقفت أعمدة أخرى وسط الصقيع لا تكاد تتبين هاماتها إلا بالتقرب منها ، وسيارتين مركونتين قي نفس المكان لا يتبين شبح من داخلهما ، وآخر جالس في أول سلم العمارة المظلم بدوره يرتدي قشابية قمحية يظهر لونها انعكاس ضوء السيارات التي تمر مسرعة في الشارع المجاور ، وجلس آخر يحمل ورقة في يده يطلب من كل من رسم اسمه عليها ليثبت دوره في الكشف لأنه أول من حضر وتعود على ذلك كل ثلاثة أشهر منذ 25 سنة ، هو عمر المرض الذي سكنه ولم يستطع التخلص منه ، يخفف آلامه بالأدوية ولم تشفع له تلك السنون بأن يمر للفحص دون هذا الصراط ،على الرغم من أنه حدد يوم العلاج مسبقا. تنقلنا بين الكثير من العمارات التي تحمل لافتات إشهار عن العيادات في مختلف التخصصات ، فكان الوضع نفسه في مداخلها والاختلاف الوحيد بينها في وضع قائمة أو الوقوف في الطابور ، أو أن يتذكر كل وافد الوجوه التي سبقته في انتظار قدوم الممرض ليصطفوا لتسجيل أسمائهم في القائمة التي يعدها بنفسه منعا للغش ، ثم تبدأ المرحلة الثانية داخل غرفتي الانتظار الخاصة بالجنسين. بعض الحاضرين في أول الطابور كانوا من ولايات مجاورة تدل على ذلك لوحات ترقيم سياراتهم لأن يوم زيارة الطبيب يحتاج إلي تحضير مسبق وتدريب نفسي على الصبر وتفرغ من كل الواجبات والالتزامات لأن يومه لا يمكنه التصرف فيه ، فشأنه في يد الطبيب. ونحن في صف الانتظار تناهى إلى مسامعنا حديث خافت دار بين سيدتين ، همست الأولى التي كانت في العقد الرابع من العمر قائلة لقد نهضت قبل الآن بساعتين وحضرت فطور الأولاد وثيابهم وطعامهم و وأوصيت أختي أو أمي التي تسكن قريبا مني أن تمر على البيت ظهرا لأن زوجها لا يعود وقت الغذاء للإطمئنان على الأبناء لأن وقت المرور عند الطبيب الذي موعده اليوم لا يمكن تحديده ، وقد تعودت كل ثلاثة أشهر لما يحين وقت المراقبة الطبية أن أستعد لذلك بأيام قبلها ، فيما قالت الثانية أنها تعتمد في هذا اليوم على حماتها التي يحضرها ابنها من بيتها مساء لمرافقة الأطفال في البيت كلما حان ، وتوقفت عن الكلام وأحد المرضى يهلل لوصول الطبيب ،ومن حسن الحظ في ذلك اليوم أنه قدم للعيادة قبل ممرضه وبدأ الفحص باكرا اعتمادا على القائمة التي أعدها المرضى. ومن غريب ما سمعنا عن معاناة المرضى في هذه المرافق أن مريضة كرست يومها لزيارة طبيبها من الفجر في فصل الشتاء إلى أن وصلها الدور والشمس بدأت ترسل أشعتها الصفراء إيذانا بقرب غروبها ، وما كادت تصل بيتها في حافلات النقل العمومي حتى بلغ منها الإعياء والتعب مبلغا لا يمكن مقاومته ، وبمجرد ولوجها بيت أهلها حتى سقطت فاقدة للوعي ، فحضرت الحماية المدنية وتم نقلها علي جنا السرعة إلى مستشفى المدينةالجديدة علي منجلي. و تزداد معاناة المرضى في بعض العيادات التي لا تتوفر علي دورات مياه، وقد حكي لنا أحدهم أنه أخذ أمه إلى أحد أطباء المختصين وأرادت دخولها فاستحال ذلك مما دفعه إلى دق أبواب جيران الطبيب. تخلف المرضى عن الحضور في الموعد فرض هذه المعاملة طبيب مختص في جراحة الأسنان قال أن المواعيد لا يمكن التقيد بساعتها لأن اضطرابات تيار الكهرباء وحركة المرور وزمن الفحص الذي يتفاوت بين مريض وآخر ، ظروف لا يمكن معها التقيد بزمن . فيما قالت ممرضة تشرف على تنظيم مواعيد طبيب تشتغل في عيادته مند سنوات أن الكثير من المرضى لا يقبلون بموعد على بعد شهر أو شهرين ، وبعضهم يحدد الموعد ويخلفه ، وآخرون يريدون الفحص في نفس اليوم ، وفي حال تحديد المواعيد باليوم حسبها فإن تحديد وقت الفحص من الصعب التحكم فيه بالنسبة للمريض الذي تعيقه بدوره وسائل النقل وظروفه الخاصة على التقيد بالموعد المحدد ، مما يجل الطبيب هو الذي ينتظر المرضى ،وهذا ما يجعلهم كما قالت يطلبون من زبائنهم القدوم باكرا لتحديد الدور في طابور الفحص ، وأن العديد من المرضى يريدون كلهم المرور أمام الأخصائي بمجرد ولوج العيادة بحجة أن لهم مواعيد هامة في انتظارهم . وأن زيادة الطلب على خدمات طب الاختصاص المحدود عددهم أمام تنامي الأمراض المزمنة ، يجعل العمل بالمواعيد والحضور الشخصي لتحديد الدور أكثر من ضروري ،لأنه من المستحيل تلبية وتغطية الطلب المتنامي ، وعلى المرضى تحمل تعب اليوم كل ثلاثة أشهر قالت إحداهن تعمل علي تنظيم مواعيد أخصائي طب الأسنان والذي يبدأ عمله من الحادية عشر نهارا إلي ما بعد صلاة العشاء بعد أن تعود هي إلي بيتها حتى يتمكن من تلبية خدمات زبائنه.هذه الوضعية لم تمنع من وجود أحد الأطباء في إحدى بلديات الولاية تحدد عيادته المختصة مواعيدها عن طريق الأنترنت حسبما علمنا من أحد المرضى. ومن جانبنا حاولنا الإتصال برئيس مجلس أخلاقيات الطب لولاية قسنطينة الذي لم يرد علي العديد من محاولات محاورته عن طريق هاتفه لمعرفة رأيه في الظاهرة التي زادت من معاناة المرضى داخل عيادات المختصين دون جدوى ، ليبقى استغلال وسائل الاتصال الحديثة وحده كفيل بالتخفيف من حدة الظاهرة التي تفاقمت وحولت زيارة الشفاء إلى يوم شقاء.