كنت و لا أزال سفيرة الأغنية السطايفية نقلتها أغنية "ياطيارة طيري بيا" إلى عالم الشهرة ، وهي تجوب عواصم العالم ، وتغني للجالية العربية في المهجر عن الحنين إلى الوطن. إنها الفنانة يمينة زبري المشهورة باسم الغالية التي نجحت في إخراج الأغنية السطايفية من المحلية ، بعد رحلة طويلة محفوفة بالعراقيل ، في مجتمع يحرم الغناء على المرأة،حيث تلقى اليوم كل الاحترام والتقدير من الجميع ، بمن فيهم الذين كانوا ضد مغامرتها .النصر التقت بها على هامش تكريمها في الطبعة الأخيرة من مهرجان الأغنية السطايفية ، فكان لنا معها هذا الحوار الذي تحدثت فيه عن بدايتها الفنية وعن واقع الأغنية السطايفية وغيرها من الاعترافات التي خصت بها قراء الجريدة. المطربة الغالية صوت نسوي انفرد لمدة طويلة بآداء الأغنية السطايفية وأوصلها لكل أصقاع الدنيا، لو نرجع للبداية ماذا تقولين سيدتي ؟. و الله لو أردت القول بمعنى الكلام عن كل شيء و كل التفاصيل ، فإن الحكاية أطول مما تتصور، لأنني في الحقيقة عانيت من كل الأمور، و على كل الجبهات،لأن الغناء في تلك الفترة كان ممنوعا إن لم يكن محرما على المرأة،و بالتالي فإن أصعب الأمور كانت البداية أو الانطلاقة. و بعد أن تأكد الكثيرون من قابليتي لتأدية الأغنية السطايفية بأبعادها الموروثة و التاريخية، و التي كانت تعتمد على الحكي ، أي أن الأغنية كانت عبارة عن قصة ،و هذا طبعا عكس غناء هذا الزمن ، وكان حتميا و ضروريا إن اتخذ حينها قرارا كبيرا و شجاعا ، لأن اختياري للغناء يعني الكثير بالنسبة لي ، و بالنسبة للعائلة التي كنت انتظر أن يكون لها موقفا مغايرا و رافضا لاختياري. المهم أن الأمور كانت أصعب مما كنت أتصور ، و بالتالي البداية كانت شاقة ،غير أنني لم ايئس و لم أفشل بدخولي للعاصمة و أنا لم ابلغ بعد سن العشرين ، ما جعلني دائمة اليقظة حول كل الأمور ، و أحسب ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوة،إلى أن وصلت للأسرة الفنية بالعاصمة التي تبنتني كطابع جديد يمكن أن يثري الساحة الفنية العاصمية التي كانت مولعة بالشعبي و الحوزي وغيرها من الطبوع القريبة منها. نبقى في نفس الفترة تقريبا و بالتحديد وصولك للعاصمة ودخولك عالم الفن دون ثقافة موسيقية أو علاقات مرتبة و مهيأة لقبولك في الوسط الفني العاصمي أو بشكل آخر ظروف مساعدة على ظهورك ؟. سبق و أن قلت أن البداية صعبة للغاية. فبعد أن تجاوزت المشاكل و العراقيل الأولى ، ووصلت العاصمة بحثا عن فرصة للغناء ،لأثبت مؤهلاتي الصوتية بالدرجة الأولى ،لأنني في المرحلة الثانية فهمت أن الأمر أكثر من امتلاك صوت ، و لكن هناك مكملات و مؤهلات أخرى ضرورية لظهور أي صوت . و بدأت بالتالي رحلة ثانية ، و هي البحث عن فرقة موسيقية أو مدرسة لأتعلم مبادئ الموسيقى ، و على قلتها في تلك الفترة ، غير أنها كانت قريبة من الاحتراف في عملها لامتلاكها أدوات ووسائل كثيرة ووجود أسماء كبيرة على رأس هذه الفرق . ووجدت أن أفضل وسيلة هي التقرب من المطربة فضيلة الدزيرية ، التي كانت قد تجاوزت الكثير من المراحل ، و أصبحت اسما معروفا في الساحة الفنية وتملك رصيدا من الاحترام و التقدير عند مشايخ الأغنية العاصمية ، ما منحني فرصة كبيرة للاستماع و التعلم ، وفهم الكثير من الأمور التي كانت غامضة بالنسبة لي موسيقيا ، ما جعلني رغم اختلاف الطابع السطايفي و العاصمي أتوصل لأشياء كثيرة استفدت منها لاحقا . بعد الانطلاقة حققت أغنية : " يا طيارة طيري بيا " و التي لحنها لك زوجك نجاحا باهرا حملك بعيدا و فتح لك الطريق نحو تكريس اسم المطربة الغالية وإخراج الأغنية السطايفية من المحلية ؟. أعترف بأن الفضل يعود لهذه الأغنية التي هزت مشاعر الجزائريين ، من شرقها إلى غربها و من جنوبها إلى شمالها ، و سجلت مبيعات كبيرة في تلك الفترة ، و فتحت لي أيضا أبواب الإذاعة و التلفزيون ، و غيرها من الوسائل الإعلامية الضرورية لكل فنان .و أصبحت بعد نجاح هذه الأغنية مطلوبة بكثرة في المناسبات الرسمية ، ما مككني لا حقا من زيارة الكثير من الدول العربية و الأوربية .و قد مثلت أحسن تمثيل بلادي و كنت في كل هذه الزيارات سفيرة للأغنية السطايفية ، رغم وجود الكثير من الأسماء الكبيرة التي هاجرت الوطن ،مثل عميد الأغنية السطايفية محمد بن شنات الذي كان في فرنسا،و له الكثير من الأغاني الناجحة التي أعدتها أنا شخصيا ، نظرا لقيمتها الفنية و الإبداعية ،و أيضا غيره من الفنانين ،إلا أنني كنت أكثر انتشارا منهم لكوني مثلت الجزائر في كل المحافل الدولية الخاصة بالتبادلات الثقافية أو المهرجانات الفولكلورية العالمية. الآن كيف ترى الغالية الأغنية السطايفية خاصة بعد أن أصبح لها مهرجان خاص ؟. المشكلة ليست في المهرجان فنحن قديما كنا نقدم الجديد و الجيد من أجل الفن لا غير ، أما اليوم فان المداخيل و أيضا الشهرة أصبحا أكثر هواجس الجيل الحالي.و أعتقد جازمة أن الوقت قد حان بعد كل هذه التجارب على الأغنية السطايفية أن تعود لأصالتها و روحها الأولى ،لأن الآلات التي يقولون عنها حديثة لم تضف شيئا للأغنية السطايفية، و عليه فإن العودة للأصل سيحافظ على طابعها ، وإن كنت لا أعارض هؤلاء الشباب الذين لهم طموحات و أحلام أخرى غير التي كنا نحن نسعى لتحقيقها . وقد تابعت باهتمام كبير فعاليات هذا المهرجان الذي سمعت فيه أصواتا جيدة ،إلا أنها تبقى بحاجة للعودة للأصل ،مع تحديث ما أمكن تحديثه تماشيا مع العصر و ما يطلبه مستمع اليوم. ماذا يعني لك هذا التكريم بعد مسيرة فنية خاصة و متميزة على أكثر من صعيد ؟. / لقد حضرت بالفعل تلبية لدعوة محافظة المهرجان ،و رغبة مني أيضا لمتابعة الأصوات الجديدة ، خاصة أن المسابقة من المفروض أن تدفع الهواة للإبداع من أجل التميز و الظهور بمستوى مغاير عن الآخرين.بينما يبقى هذا التكريم و من سطيف بالذات و من مهرجان الأغنية السطايفية خاصا جدا ،لأن الكثيرين يجهلون أنني ابنة المنطقة ، لأنني يوم رحلت خرجت من هنا ، و ها أنا اليوم أعود للمكان الأول . و بين الذكريات الجميلة و الأخرى سأحتفظ أكثر بصورة هذا التكريم الذي أعادني لدائرة الضوء ، و مكنني من الإحساس بأنني قدمت شيئا و لم أكن أغني فقط ،و هو ما جعلني أكثر سعادة بهذه الوقفة التكريمية. هل تعتقدين مثل الكثيرين بأن الأغنية السطايفية اليوم بحاجة لمدرسة أو أكاديمية من أجل اعادة الاعتبار لها من خلال تسليح الجيل القادم بمستويات موسيقية و معرفية ، لتحقيق شروط الترقية الفعلية للأغنية السطايفية ؟. نعم أعتقد هذا لأن المعرفة ضرورية اليوم في كل المجالات ، و الأغنية السطايفية بحاجة لقفزة للخروج من هذه القوقعة أو العودة للمستوى الأول ، لأنها تملك الكثير من مقومات الانتصار ، غير أنها لم تبرح مكانها منذ وفاة المرحوم نور الدين السطايفي الذي أعطى فعلا دفعا كبيرا للأغنية السطايفية ، و الذي عرف بعد أن امتلك المعرفة اللازمة من النجاح . وهذه الأكاديمية أو المدرسة ضرورية اليوم و أن تكون أيضا مدعمة لتحقيق شرط البحث و التعمق و الخروج بنظرة و دراسة كافية و شاملة عن واقع و مستقبل الأغنية السطايفية و سبل ترقيتها.