رضوان قربوعة .. خطاط يتلذذ بنسخ أسماء المقبلين على الزواج بالخروب استثمر رضوان قربوعة موهبته و مهارته في فن الخط و الزخرفة العربية في عمله كمكلّف بعقود الزواج، معيدا بذلك مكانة الخط الجميل إلى سجلات و عقود مصلحة الحالة المدنية ببلدية الخروب أين يتفنن في نسخ أسماء و ألقاب المقبلين على عقد القران، تحت دهشة و إعجاب كل من يحالفه الحظ في الفوز ببصمته الفنية على دفتره العائلي أو على سجل البلدية. و قد ورث الخطاط الشاب (39سنة ) حب أحد أروع أنواع الفنون العربية عن جدّه الراحل حميدة قربوعة المتخصص في الخط المغربي و الذي أبدع في نسخ القرآن الكريم بمصحف لا زالت العائلة تحتفظ به حتى اليوم، فراح يصقل موهبته مازجا بين الرسم و الخط، حيث التحق بمدرسة الفنون الجميلة في بداية تسعينات القرن الماضي ، أين تمكن من اكتساب مهارات و تقنيات جديدة مكنته فيما بعد من تجسيد إبداعاته على أرض الواقع، فكانت جدران و فناءات المؤسسات التربوية فضاء حرا لتحفه الجامعة بين سحر طيف الألوان و جماليات الحرف العربي بما يحمله من عمق و معنى و إرث يمد الفنان بالفخر و الاعتزاز. رضوان الذي عمل في بداية حياته المهنية كمعلم لمادة الرسم بمدرسة الوفاء الابتدائية استطاع في مدة لم تتجاوز الأربع سنوات من ترك بصمته بعدة مؤسسات تربوية، تفنن في تزيين أقسامها و تجسيد جداريات لاقت إعجاب و تشجيع التلاميذ، المعلمين و المسؤولين مما جعل طلبيات زملائه الراغبين في الاستفادة من لمساته الفنية تتهاطل عليه لا سيّما بالمؤسسات المجاورة لمدرستهم. لكن حياة المعلّم لم تستمر طويلا لأن رضوان قرّر خوض تجربة مهنية جديدة بعيدا عن التعليم بعد نجاحه في مسابقة توظيف التحق بفضلها ببلدية الخروب أين استغل موهبته في تحسين صورة الكتابة بسجلات و وثائق الحالة المدنية التي كانت مثار انتقاد و مصدر استياء الكثير من المواطنين بعد ما تسببت فيه ركاكة خط بعض أعوان الحالة المدنية من أخطاء و مشاكل اضطرت الكثيرين إلى اللجوء إلى القضاء لتصحيح ألقابهم و أسمائهم.بصمة الفنان الخطاط بعمله الجديد حملتها الدفاتر العائلية للمتزوجين الجدد و سجلات عقود الزواج التي يتفنن رضوان في رسم الأسماء المقيّدة فيها و الحرص على إبراز الجانب الجمالي لكل حرف فيها.و قال الفنان أن خطه و تفننه في نسخ الأسماء و الألقاب جعله يعيش مواقف لا تنسى كالتقائه بالراحل عيد الحميد مهري الذي ألح على استخراج نسخة ثالثة لشهادة ميلاده الأصلية بعد إعجابه بخطه و هو الذي كان قد طلب نسختين فقط آسرا حسبه بأن النسخة الثالثة سيحتفظ بها للذكرى. كما استرجع موقفا آخر قال أنه أثر فيه كثيرا و حفّزه على مواصلة عمله بنفس العزيمة رغم ما يتطلبه من جهد مضاعف، هو إلحاح أجنبية ارتبطت بجزائري ببلدية الخروب على رؤيته من أجل ترّجيه لإعادة نسخ شهادة شرفية كانت قد استلمتها مباشرة بعد عقد قرانها بمصلحتهم، لكنها فقدتها في حريق نشب ببيتها و التهمت النيران كل شيء فيه، فعادت إلى الجزائر بحثا عن نسخة جديدة بنفس خط الخطاط الماهر لما تشكله تلك الشهادة من مكانة و قيمة معنوية . و استرسل محدثنا متمنيا العودة إلى المبادرة التي تميّزت بها بلدية الخروب و الخاصة بمنح العرسان الجدد شهادة رمزية لذكرى عقد قرانهم.و انتشرت شهرة الخطاط الشاب بمدينته، و تضاعف الطلب على خدماته، حيث يترجاه المواطنون للإشراف على نسخ دفاترهم العائلية لإعجابهم بطريقته الخاصة.و عن فنه يقول رضوان أنه يفضل خط الرقعة لمرونة وقابلية رسم حروفه بكل سهولة و احتوائه على جماليات ذاتية لا يجدها في باقي الأنواع، مؤكدا بأنه يستوحي تصاميمه من التحف العربية الإسلامية فيما يخص رسوماته الزخرفية التي جادت بها مخيلته الفنية و استغلها في تزيين واجهات بعض المساجد منها مسجد الخلفاء بالخروب.و يعتمد الفنان على الطريقة التقليدية في تصميم و رسم تحفه التي تؤكد الهوية الإسلامية، مؤكدا عدم لجوئه كغيره للحاسوب لتجسيد تصاميمه في مجال الخط العربي، خشية أن تفقد روحها الجمالية و بعدها الروحي، لكنه يحاول قدر الإمكان إخراج الحرف من تقليديته بمزجه بالرسم بشكل يجذب الاهتمام و يثير الإعجاب لتميّز بصمته في هذا المجال الذي لا زال ينتظر من يساعده لإبراز قدراته المختزنة على نطاق واسع و خارج محيطه الضيق بولايته، مشيرا إلى أن أكثر المعارض التي شارك فيها و رأت لوحاته خلالها النور، كانت في التظاهرات الثقافية التي تنظمها الكشافة الإسلامية التي كبر فيها و تعلّق بالإبداع بورشة فوج الحياة التي تعمق بفضلها في البحث في فضاء الخط العربي لكن ابتعاده عن النشاط الكشفي لانشغالاته المهنية و العائلية أبعدته عن هذا الفضاء المشجع على الإبداع ليعوّضه بورشة محتشمة داخل بيته المتواضع أين يحاول التواصل مع فن عشقه حتى النخاع فجعل منه نقطة بداية لكل مشروع يفكر فيه، حيث جرّب بفضله الديكور الداخلي للمنازل و المحلات و فرض اسمه بين الحرفيين و الفنانين المختصين في هذا المجال، و التي حفزته على إعداد كراسة خاصة عن الزخرفة سعيا للحفاظ و التعريف بهذا الفن المهدد بالاختفاء ببلادنا لتراجع عدد الخطاطين من سنة إلى أخرى و لجوء الفنانين الجدد إلى الأجهزة الالكترونية لنسخ التصاميم المقلدة دون إبداعها. و طالب بضرورة توظيف الخط العربي في المنهاج التعليمي لتشجيع الأجيال على الحفاظ عليه.و ذكر رضوان قربوعة الذي ارتبط اسمه بلافتات البلدية باعتباره منجز أكثرها و كذا شواهد القبور التي يحمل الكثير منها بصمته كما قال، بأن إعجابه بأعمال محمد راسم شجعه على تعلم فن المنمنمات على أستاذ من زيغود يوسف و هو اليوم يحاول بدوره تلقين ذلك للمواهب و الراغبين في تعلّم الفنون التي تعكس الهوية الإسلامية.و تحدث الفنان بإسهاب عن مواطن جمال مختلف أنواع الخط العربي كالكوفي، النسخ و الرقعة...و غيرها من الأنواع التي لا زال يواصل البحث و التعمق فيها و استغلالها بما يتماشى و التصاميم العصرية سواء في اللوحات الفنية، جداريات أو حتى فن الخياطة و التطريز التي لا يبخل على محترفيها بتصاميمه المتميّزة.