الجزائر تعيش نهضة خطية وزخرفية يتحدث الأستاذ بجامعة ورقلة والخطاط عيسى بودودة في هذا الحوار للنصر عن واقع الخط العربي بالجزائر وسبب اهتمام الخطاطين الجزائريين بالخط المشرقي على حساب الخط المغربي إلى جانب المعوقات والمشاكل التي يعاني منها الخطاطون ببلادنا والرسالة التي يمكن أن يقدمها الخطاط من خلال هذا الفن. ما هو واقع الخط العربي بالجزائر ؟ -اضطر عدد محدود من الخطاطين في السنوات السابقة للذهاب إلى المشرق العربي وهذا ما حدث مع الجيل الأول من أمثال الأستاذ شريفي ، و اسكندر و بومالة وغيرهم من الخطاطين الذين التحقوا بمركز تحسين الخطوط بالقاهرة بعد الاستقلال ودرسوا الخط عند عودتهم .وقد استفاد الجيل الحالي من تجربة هؤلاء الأساتذة وأضيفت إلى ذلك المعارف التي أحاطتها الوسائط الإعلامية ووسائل الاتصال الحديثة والمهرجانات الوطنية التي أقيمت على المستوى الوطني والمهرجانات الدولية التي نظمتها وزارة الثقافة بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية وتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بحيث احتكت هذه المواهب الشابة بالتجارب الدولية الرائدة بكل من تركيا ، إيران والمشرق العربي وبدأت النتائج تحصد في المسابقات الدولية بحيث نجد في كل مسابقة يحضر إسم أو إسمين من الجزائر . الاهتمام منصب على الزخرفة قبل الخط ..ما تبرير ذلك ؟ -السبب في ذلك تاريخي وأظن أن الأمر منطقي لأن الجزائر كانت حاضرة بقوة جدا في الزخرفة من خلال الإخوة راسم عمر ، علي ومحمد الذين كانوا يمثلون مدرسة رائدة على المستوى العالمي وكانت الجزائر حاضرة في المرتبة الثالثة بعد تركيا وإيران في قضية قوة المنمنمات والزخرفة الإسلامية لكن بعد الاستقلال بدأ يتراجع هذا الفن بصورة ليست مثل الماضي لأن الكفة بدأت تميل نوعا ما نحو الخط رغم أن الخط كما قلت بدأ ببدايات متعثرة وضعيفة جدا رغم الجهود التي بذلها الأساتذة الذين سبق وأن أشرت لهم ، لكن اليوم يمكن القول أن هناك نهضة خطية وزخرفية وإن كانت تتفاوت هذه النسبة التي ترجح الكفة إلى الخط نسبيا وذلك من خلال المهارات الشبابية تحديدا في فن الخط على حساب فن الزخرفة . الخطاطون الجزائريون يهتمون بالخط المشرقي أكثر من اهتمامهم بالخط المغربي، ما هو السبب في ذلك، وكيف يمكن تغيير ذلك؟ - ربما يرتبط ذلك بالمسابقة الدولية الرائدة في هذا المجال التي تجرى بمركز إيريسكا باسطنبول حيث جاء تصنيف الخط المغربي في ذيل القائمة ، وكأنه ضمن الخطوط الثانوية ،وينظر إليه على أنه غير أساسي بالنسبة للأتراك والعراقيين. والخطاطين الجزائريين لما اتصلوا بهذه المسابقة ودخلوا المنافسة أولوا اهتمامهم نحو الخطوط التي صنفت ضمن المراتب الأولى وتحديدا خط الثلث ، خط النسخ ،و خط التعليق هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن قلة الاهتمام بالخط المغربي في الجزائر مرتبط كذلك للأسف الشديد بعدم وجود مسابقة وطنية خاصة بالخط المغربي وحتى المسابقات التي تجرى ببسكرة والأغواط والمدية والتي تلقى كل الشكر منا تفتح الباب لجميع الخطوط بما فيها المشرقية ، رغم أنها وسيلة مهمة يمكن أن ترفع من قيمة الخط المغربي وتجعل الخطاطين يعودون إليه ، لأن التحفيز جانب مهم جدا خاصة إذا تعلق الأمر بتنظيم مسابقة وهذا ما يؤدي إلى رفع المستوى في فترة زمنية وجيزة . ما هي العوائق التي يواجهها الخطاطون بالجزائر ؟ - يكاد يجمع الخطاطون أن أهم العوائق ترتكز في غياب الأدوات الاحترافية مثل الحبر التقليدي المصنوع يدويا والورق المسطول المصنوع أيضا يدويا والمعالج بطريقة تقليدية لأن هذه المواد تأخذ وقتا طويلا في تحضيرها وحتى وإن توفرت فلا توجد سوى بالمشرق وبأثمان باهظة جدا لذلك يصعب على جيل الشباب الحصول على هذه الأدوات التي لها دورا كبيرا جدا في تقديم اللوحة الخطية الحديثة التي تتميز بالأناقة في أدائها وبالجودة في الأدوات المستعملة فيها . يلاحظ أن الخطاطين يهتمون بالقرآن والسنة كثيرا في هذا الفن ، هل من إبداع جديد خارج هذا الإطار ؟ - نعم هناك إنجازات حديثة في فن الخط ويعرف عند بعض النقاد بالحروفية وبدأت تظهر بعض الأسماء القوية في هذا المجال ، وربما كان آخرها الخطاط عبد القادر داودي الذي تحصل على جائزة في مسابقة البردة بالإمارات قبل أيام قليلة فقط وكذلك الخطاط القدير قريشي الذي تحصل على الجائزة الأولى بالمملكة البريطانية في مسابقة الفن الإسلامي وهي عبارة عن تجارب تشكيلية تستلهم الحرف العربي كعنصر جمالي وكعنصر جرافيكي بدون اللجوء إلى معناه اللغوي وإنما يستمدون فقط البنية الجمالية للحرف في صيغة تشكيلية ربما لكي تطفو الصيغة العربية المشرقية على أعمالهم . بالإضافة إلى بعض التجارب لمحاولة تحديث أساليب الخط المغربي وإحياء أساليب تعاني من الاندثار وكل هذه المجهودات يمكن تصنيفها ضمن العملية الإبداعية لكن تتفاوت نسب الإبداع بينها وهناك عمليات أبداعية مرموقة جدا . ما هي الرسالة التي يمكن أن يقدمها الخطاط من خلال هذا الفن ؟ * - يمكن للفنان أن يقدم عدة رسائل وعلى عدة مستويات وأول شيء يمكن أن يقوم به هو إحياء بعض الأخلاق التي ضاعت في الأمة العربية والإسلامية مثل خلق الإتقان وخلق الصدق في الوظيفة إلى جانب التأمل لأن الفنان لا ينتج عملية حتى يتأمل والتأمل هو عبادة غابت عن المسلمين وعلى الفنان التأمل في واقعه ومحيطه الاجتماعي وفي حياته المعاشة وكذا محيطه الطبيعي ثم ينتج عملا فنيا بجانبه أو المرجو منه معالجة قضية اجتماعية أو مشكلا معينا ، وكل هذه القضايا يمكن أن يعالجها الخطاط إلى جانب دوره في التنسيق بين البعد البنيوي للوحة ومغزاها أو المضمون الذي يؤديه النص المكتوب وكذلك المعنى الجمالي الذي من فوائده خلق الذوق ترأس حاليا جمعية الخطاطين بولاية الأغواط ، ما هي نشاطاتها ؟ - أول نشاط قامت به تنظيم ملتقى وطني لأمهر الخطاطين الجزائريين واقتصرنا على 15 اسما تحصلوا على جوائز دولية إلى جانب الأسماء التي تحصلت على المراتب الأولى في المسابقات الوطنية حيث حاولنا أن نرتقي بهذه النخبة التي حصلت على جوائز كبيرة ، كما نظمنا معرضا لهذه النخبة من الخطاطين الذي شمل مداخلات و ورشات في ملتقى نظم بجامعة الأغواط ولقي إقبالا كبيرا من الطلبة و الجمهور والأساتذة ، كما شمل النشاط ورشات تكوينية للأطفال صغار السن على مستوى دار الثقافة بالأغواط.