ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    العدوان الصهيوني على غزة : استمرار الإبادة الوحشية خصوصا في الشمال "إهانة للإنسانية وللقوانين الدولية"    مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الجوائز الأدبية العربية .. أي جدوى وأية مصداقية؟
نشر في النصر يوم 18 - 02 - 2013

كيف هو واقع وحال الجوائز العربية عموما، خاصة وأن اللغط الذي يواكبها ويدور حولها وفي فلكها لا ينتهي؟، ماذا عن مصداقيتها، وقيمتها على المستوى المعنوي والأدبي والمادي، ما دور المحكمين فيها، وهل اهتزاز مصداقيتها يعود بالأساس إلى لِجان التحكيم؟. أيضا، ماذا عن طريقة التقدم للجوائز إجمالا، وهل تَرشح الكاتب لجائزة ما يعد انتقاصا من كرامة الكاتب أو كرامة الأدب؟، أيهما أفضل للكاتب أن يُرشح عمله بنفسه أو الاعتماد على ترشيحات الهيئات والمؤسسات الثقافية ودور النشر؟. هل من جدوى لهذه الجوائز وهل من دور لها في تحفيز وتنشيط الحركة الإبداعية وهل تنتصر للكاتب ولفعل الكتابة؟. ومن جهة أخرى هل هي ترف كما يقول البعض، أم تثمين لجهد وتقدير للإبداع والمبدعين؟. حول هذه الأسئلة المشغولة بضجيج الجوائز، يتحدث بعض الكُتاب والنُقاد الجزائريين والعرب.
إستطلاع/ نوّارة لحرش
* أمير تاج السر/ روائي سوداني
أرى دائما أعمالا جليلة تستبعد، وأخرى أقل شأنا، تربح الجوائز
أعتبر أن الجوائز العربية التي انتشرت أخيرا، ظاهرة إيجابية في مجملها، فمجرد أن تكون ثمة جائزة للأدب، في زمن انحسر فيه الاهتمام بالإبداع، فهذا مكسب بلا شك، وطبيعي أن يكثر اللغط حولها، لأن أي جائزة فيها رابح وخاسر. بالنسبة لمصداقيتها، من عدمها، فهذا أمر لا أستطيع الجزم به، ولكني كقارئ للأدب ومتابع دقيق وكاتب، أرى دائما أعمالا جليلة تستبعد، وأخرى أقل شأنا، تربح الجوائز. ما أستطيع قوله هنا، هو أن الأمر يعتمد كلية على لجان التحكيم التي تقرر، ورأيي الشخصي، هو أن الأمر خاضع لتذوق المحكم الشخصي، وقربه أو بعده من الكتابة الحديثة أو التجريب، وبالتالي يختار أعمالا تذوقها على حساب أعمال لم يألفها. بالنسبة للترشيح، فهذا ليس بيد الكاتب، هناك جوائز تشترط أن يتم الترشيح عن طريق مؤسسات، أو هيئات ثقافية، هناك جوائز تشترط أن يتم الترشيح من الناشر، مثل الجائزة العالمية للرواية العربية- البوكر، وثالثة تترك الأمر مفتوحا. والكاتب هنا يتبع النظام، ولن تنتقص مكانته إذا قدم عمله بنفسه لجائزة لا تشترط مؤسسة أو هيئة، لكني أعتقد أن الأعمال التي تقدمها المؤسسات، تحظى بتقدير أفضل. نعم الجوائز لها دور كبير في تنشيط الكتابة الإبداعية، سوى سلبا أو إيجابا، وقد لاحظنا ازدياد الأعمال التي تقدم لجائزة البوكر سنويا، وفيها أعمال لا ترقى للمستوى بلا شك، وخاض ناشروها مغامرة تقديمها. هذا أمر سلبي، أن تنشط الكتابة الكمية، وليست النوعية، لكنه أيضا يساعد على اكتشاف بعض المواهب الجديدة. ورأيي في مسألة القيمة المادية والمعنوية، إنها ستكون حتما كذلك، لو ذهبت لمن يستحقونها.
* رشا الأمير/ روائية وناشرة لبنانية
الجوائز شركات إشهار ضخمة
أتعرفين؟، أنا مع إسعاد الناس، كلّ الناس إن بالذهب أو بالغار. الجوائز تؤمّن الغار والذهب لأصحابها وأنا معها ولو لم تصب دومًا. أحبّ الغونكور والنوبل وسعفة كان الذهبيّة والأوسكار والمعلّقات وكلّ ما يعطي للفن قيمتيه الماديّة والمعنويّة. بسبب ما أسالته جائزة الغونكور هذا العام من حبرٍ تحمّست وقرأت الكورسيكي جيروم فيراري. بسبب النوبل إكتشفت ذات يوم الكاتب الجنوب أفريقي كويتزي. الجوائز شركات إشهار ضخمة، ومؤسّسات تعمل ليل نهار، لها وجهات نظرٍ تخصّها وهي بلا شكّ تؤثّر على سوق القراءة والسينما والعمارة والصحافة والموضة ومن المستحيل اليوم والعالم على ما هو عليه تسجيل أيّ احتجاج على خياراتها. يبقى أنّ لمواطني هذا العالم الواسع حريّة خياراتهم حيال الذهب والغار وكلّ ما يدور حولهم. الجوائز التي تستحقّ هذا الاسم تهتمّ بتلميع صورها، تهتم بالعلن، أي أنّها تنوب عن شركات الترويج. جائزة الروايّة العربيّة وهي تلميذة في مدارس الماركتينغ البريطانيّة سارت يوم تأسست على خطى أساتذتها. (دفعت كي تأخذ فرانشايز الاسم الغربي. دفعت للمستشارين. دعت صحافيين بريطانيين وعرب لتغطيتها إلخ.) بيد أنّها اليوم في تقهقر لضعف ألمّ في إمكانيّاتها. الترويج مهنة، مهنة معروفة ولها ثمن. ألم تسمعي عن شركات ضخمة تلمّع صور هذا الديكتاتور أو ذاك؟. ألم تسمعي أن زمن البراءة قد ولّى؟. أكيد ما يكتب في الإعلام يؤثّر على الناس وكلّنا من الناس ومن حشريّتهم ونريد أن نعرف بنفسنا كيف حكمت لجنة الحكم. يوم وصلت صديقتي العراقيّة إنعام كجه جي إلى اللائحة القصيرة تحمّست لقراءة كلّ من نافسها. الحياة منافسة بنّاءة أيضًا. وقبل إشهار النتائج كنت وإنعام في مصر بمناسبة توقيع كتابها في مكتبات الديوان وكتب خانة ومكتبة الجامعة الأميركيّة، هناك التقينا بيوسف زيدان وهنّأناه سلفًا، فالمحكمّة اللبنانيّة، الناقدة الدكتورة يمنى العيد كانت قد أبلغتنا عدم تعاطفها مع كِتاب إنعام.
* سعيد بوطاجين/ كاتب وناقد ومترجم جزائري
لست مع فكرة ترشيح الكاتب نفسه
لا أرى، من الناحية الموضوعية، أيّ ضرر في تخصيص جوائز تحفّز الكتابة والبحث، وعلينا التمييز بين الذين يقضون حياتهم في خدمة الأمّة وأولئك الذين يقضون حياتهم وحياة الآخرين في النميمة وصناعة الفراغ والشر. المسألة محسومة من هذه الناحية. وليس من باب الحكمة التسوية بين هذا وذاك تفاديا لتشجيع الكسل أو جعله قيمة إنسانية راقية. الجائزة لا تتعدّى، في جوهرها، حدود الثناء على الجهد المبذول من قِبل المبدعين والمفكرين والباحثين، على أنواعهم وتبايناتهم. لذا قد تكون ضرورية إن استندت إلى الأخلاق. أقصد ها هنا الواقفين خلف الجائزة وخلف لجان التحكيم. أمّا في الحالة العربية فمن المهمّ التنويه بما يشبه استثمار الأموال الكبيرة في صناعة العقل العربي وتطوير قدراته المعرفية. وقد كانت خلف بعض هذه الجوائز شخصيات ومؤسسات حيادية، وهي كثيرة. لا يمكن الحديث دائما عن منطلق مشبوه وغايات غير منزّهة. ثمّة بعض الفهم الجيّد للجائزة ومقاصدها، والأمثلة كثيرة. كما لا يمكن إدانة جائزة أو أشخاص دون سابق معرفة بالسياقات والخلفيات والواقع. هذا أمر به مغالاة في سفسفة النوايا الغيرية التي قد تكون نعمة على العقل. بيد أنّي لست مع فكرة ترشيح الكاتب نفسه، في حالة الكتابات الأدبية بملء أوراق تحطّ من قيمته ومن كرامة الأدب بشكل عام. هذه المهمة من مهام الدول والحكومات والوزارات والمؤسسات والجمعيات ودور النشر المختلفة التي تقدّر الجهد المبذول. ومن المفترض أن يكون المعني ذا صيت يجنّبه ما له علاقة بالتنازلات المجانية لفائدة البيروقراطية والنقد الذي يتحيّن مثل هذه الفرص. طبعا. من الغباء أن نثق ثقة كلية في المنطلقات والأهداف. هناك دائما أخطاء تحصل في التقدير، وفي اختيار الأسماء. الأمر لا يتعلق بالجوائز العربية فحسب، بل بالجوائز الأوربية والعالمية على حدّ سواء. ومنها جائزة نوبل للسلام التي تمّ تقنينها وتسييسها إلى أن غدت أحيانا ضدّ قناعات نوبل نفسه. ربّما كان على المشرفين تحييد توجهات اللجان المختلفة وعدم تقنين "المسابقة"، أو تنميطها تأسيسا على معايير بحاجة إلى مساءلة من حيث إنّها ليست سوية دائما، وليست منحازة دوما. المسألة إذا في رهانات هذه الجائزة التي يجب إبعادها عن المراكز البعيدة عن المراقبة الفعلية، وهذا باستحداث جوائز مختلفة في البلاد العربية، دون حصرها في جهة من الجهات، مهما كانت طبيعة الجهة لأنّها قد تنزاح عن القياس السليم وعن القرارات السليمة. لكنّ هذا الكلام ليس مقياسا أو معيارا بالنظر إلى ما يبذل من جهد هنا وهناك من أجل ترقية البحث والإبداع. وعلينا أن نثني على أصحاب هذه الأفكار لأنّهم، ومهما كان الأمر، أحسن من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا يسهمون بأموالهم المشبوهة في طبع كتاب واحد. أعتقد أنّ الجائزة أمر جيّد ما لم تستثمر لأغراض أخرى، وخاصة ما يخدم الأشخاص والسياسات الضيقة. وقد يحصل ذلك في ظلّ هيمنة بعض المراكز والمؤسسات ودور النشر النافذة.
* سعد القرش/ روائي مصري
البوكر هي الأكثر إثارة للجدل وهي تجازي منظميها ومموليها وليس الفائزين بها
من الأكرم للكاتب وللكِتابة أن تتولى مؤسسة (لتكن دار النشر مثلا) ترشيح العمل لجائزة ما، وقد انتبهت بعض دور النشر لهذا الأمر، وسعت إلى تقاسم الجائزة المفترضة مع المؤلف قبل طبع الكِتاب، وكأن هوس القيمة المادية للجائزة أصاب هؤلاء الناشرين. لي ثلاث تجارب مع ثلاث جوائز، اثنتان منها تقدم الناشر للجائزة: في المرة الأولى وصلت روايتي (أول النهار) للقائمة القصيرة لجائزة البوكر في دورتها الأولى. وفي المرة الثانية كانت الجائزة مصرية، ولا أعرف أن الناشر قدم روايتي (أول النهار، أيضا!)، وفي حفل تسليم الجوائز فاجأني عضو بلجنة التحكيم بتقديم اعتذار، ولم أكن قد وجهت له لوما ولا سألت عن حيثيات منح الجائزة لكاتب متوسط القيمة لم تتطور أدواته بعد 40 عاما من الكتابة. قال لي إنه تحمس لروايتي وقال لهم إنها الأجدر بالجائزة، وقالت عضوة باللجنة (وهي صديقة أثق برأيها وضميرها) إن رواية (الخالدية) هي الأفضل. فقلت له: ليت (الخالدية) فازت، فهي مهمة والبساطي يستحق بجدارة! فأوضح لي أن رئيس اللجنة، وكم أفسد من الجوائز العربية أصر على الرواية التي أعلن فوزها، وقال لهم "سعد القرش لسه صغير في السن"، وكأن الجائزة منحة مادية أو إعانة مرض أو صدقة!. التجربة الثالثة، تقدمت فيها بنفسي إلى الجائزة بناء على نصيحة صديق، ولم يستغرق الأمر أكثر من 30 ثانية لإرسال المخطوطة إلى عنوان بريد إلكتروني، ونسيت الأمر، وكانت (أول النهار) أيضا، ثم فوجئت بفوزها بالمركز الأول في مسابقة الطيب صالح في دورتها الأولى (2011)، وكانت الفرحة كبرى لأنني لا أعرف أحدا من أعضاء اللجنة (لعلهم سوادنيون ومغاربة وليسوا مصريين لحسن الحظ!)، وسعدت بها جدا لأنها تحمل اسم الطيب صالح، ولأنها سددت بعض ديوني. جائزة البوكر هي الأكثر إثارة للجدل سنويا، نظرا لأن عائدها الإعلامي والثقافي كبير، وهي تحقق لمنظميها ومانحي قيمتها المالية من الوجاهة أكثر مما تحقق للفائزين بها من المجد. قبل عامين قرأت رواية مهمة جدا لصديقة مصرية، وقال لي الناشر إنه قدمها للجائزة، ولكن القائمة الطويلة خلت منها، ثم سألت عضوة بلجنة التحكيم فيما بعد عن الرواية، ولم يكن عندها فكرة عن الرواية أو الكاتبة، وهذا يشير ربما إلى وجود لجنة تصفي الأعمال وتستبعد البعض منها، ثم تقدم للجنة التحكيم المعلنة قوائم قصيرة (30 رواية مثلا)، وتستطيع إدارة الجائزة أو أمانتها العامة أن توجه الأعمال الفائزة كما تشاء باختيار لجنة تحكيم ذات ذائقة معينة، كما حدث هذا العام باختيار أستاذ اقتصاد مصري سبق أن انتقد تدريس (موسم الهجرة إلى الشمال) في الجامعة الأمريكية لأسباب أخلاقية، وهو ينحاز لأعمال تقليدية، بعيدا عن المستوى الجمالي، وهكذا صعدت للقائمة القصيرة روايات لا تمثل ما بلغته الرواية العربية.
* حبيب مونسي/ ناقد وكاتب جزائري
بعض الجوائز تفرض على الأدب المرشح لها توجهات معينة
ينقسم الملاحظون إزاء مسألة الجوائز الأدبية إلى قسمين: قسم ينظر إليها في إطارها العام، من حيث كونها عملية تشجيعية تستهدف تكريم المجتهد المبدع، وتدفع به إلى الاستزادة، وتحفز الباقين على المضي في طريق التميز والبروز. وقسم ينظر إليها باعتبارها من البدع التي استحدثت لأغراض مبيتة تخفيها الهيئة التي تتولى التكريم وترصد له أغلفة مالية معتبرة. فليس من باب المجاملة أنها تدفع بذلك القدر من المال فقط خدمة للأدب والفن، وتشجيعا للإبداع. وإنما الغرض الكامن وراء نفقاتها أن يكون الأدب المرشح للجائزة أدبا يصب في توجهاتها العامة وأهدافها الخاصة. وقد بتنا اليوم نعلم جيدا أن أطرافا دولية تتابع النشاط الفكري والأدبي في الأمم المستهدفة، وتعمد على استقطاب الطاقات المفكرة وتوجيهها من خلال الهدايا والأعطيات والمزايا، وغيرها من الرشاوى المبطنة بالتكريمات وغيرها. على أن تسير هذه الطاقات المفكرة والمبدعة في الاتجاه الذي تريده هذه الدوائر الدولية وتراه خادما لسياساتها في المنطقة. من ثمة ترى هذا وذلك من المفكرين والمبدعين يتنقل بين العواصم محاضرا، ناشرا، محاورا، ينشر وجهة رأي ويدافع عنها، ويصنع لها الأتباع ويمهد لها القابليات. وقد يمتد الأمر أبعد من ذلك إلى إنشاء صحف، ومجلات، وقنوات تلفزيونية.. وهذا شأن لم يعد سرا.. بل كشفت بعض الدراسات المتأخرة أن مثل هذا النشاط قديم في ساحات دول العالم الثالث، وخاصة بعد انحصار موجات الاستعمار الاستيطاني. وأن كثيرا من التوجهات الفكرية، والفنية، والشكلية، التي تحملها الفنون اليوم، هي من صنيع هذه الأطراف التي غدت فاعلة في صفوف المثقفين عشرات من السنوات، كان لها فيها التمكين والتمويل الذي أسعفها لخلق مثل تلك التوجهات في الفن وغيره من مجالات الثقافة. نحن إذًا أمام معضلة لا يفكها إلا الفنان نفسه. فإذا رأى أنه لا يليق به أن يسجل في قوائم الترشيح وأن ينتظر من لجنة لا يعرف عنها مقاصدها، ولا معاييرها، ولا توجهاتها، أن تنصفه، فهذا لعمري حط من شأنه، وشأن فنه، وشأن رسالته. فالفنان لا يسجل نفسه، ولا عمله في القوائم، وإنما المعمول به في بابه، أن ترشح دوائر معينة عمله بعد استشارته، فيكون بذلك في منأى عن قيمة الحكم الذي سيلحق عمله، بغض النظر عن قيمة الحكم ومصدره. ورأيي أن يَعرِض الكُتاب عن مثل هذا الصنيع، وأن يترفعوا عنه، وأن يرفعوا من شأن أعمالهم، لأنها لم تُكتب للتباري والتنافس، وإنما كُتبت لأداء رسالة الأدب والفن. فإن شاءت أطراف بعد ذلك تكريم العمل قبل العامل فلها أن تفعل، ولكن خارج دائرة التنافس بالقائمة، كما يحدث الآن، وتعلن القوائم على الملأ، ثم تبدأ التصفيات، وكأننا أمام تهريج جماهيري تشطب فيه أسماء وتستبقى أخرى، لا لشيء إلا للفرجة وحسب. أما إذا وقفت دار نشر وراء العملية، فالصفقة الكسبية مفضوحة من أساسها، لأن الناس سيقبلون على الرواية الفائزة ليعرفوا فحواها، ولينظروا في الذي جعلها محط قبول وفوز. ثم تدبر لها الأمسيات للتوقيع والإشهار، مما يدر أرباحا طائلة على الدار ومن يدور في فلكها.
* جبور الدويهي/ روائي لبناني
لها دور جيد في "تسويق" الأدب لكنها ليست محكمة أدبية بامتياز
أعتقد أن للجوائز الأدبية دور جيد في "تسويق" الأدب ومحاولة إيجاد سلم تراتبي ولو آني كي يتمكن القاريء من توجيه اهتمامه إلى عناوين وكُتاب محددين. لكن ما لا يريد النُقاد والكُتاب أنفسهم الإعتراف به هو أن هذه الجوائز ليست محكمة أدبية بامتياز فتاريخ الجوائز في الغرب مليء بالمفارقات والتناقضات والإهمالات، لكن الجوائز استمرت والانتقادات استمرت. الأخطاء التقديرية قد تكون كبيرة كما حصل هذا العام مع القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لكن في الإجمال الجوائز جزء من "المشهد" الأدبي، كما النقاد والناشرين والقراء والكُتاب.
* إبراهيم الحجري/ ناقد وروائي مغربي
الجوائز لا تخلق كُتابا كبارا
يعتبر، في اعتقادي، تنظيم الجوائز الأدبية من التقاليد المحمودة والمبادرات الجيدة من بعض الجهات سواء كانت حكومية أو قطاعية أو خاصة ببعض مؤسسات المجتمع المدني، وهو تقليد يجب أن نثمنه نحن ككُتاب ومبدعين، لما له من دور كبير في التحفيز والتشجيع والدفع بالكاتب والمبدع عموما إلى ارتكاب المزيد من الخطايا، ولعل اللغط الدائر حول الجوائز الأدبية يعود بالأساس إلى طبيعة الجائزة أو المسابقة في حد ذاتها، ما دامت ستقصي أطرافا عديدة وستتوج أفرادا بعينهم، والأكيد أن الأمر سيترك صدى سيئا وإحساسا بالنقص لدى الآخرين المشاركين، مما يولد عزوفا كبيرا لدى البعض عن المشاركة في الجوائز حتى لا يوضعوا في حرج خاصة بالنسبة لمن لديهم إحساس مفرط بالتضخم والأنا والتميز، وإلا فأمر فوز البعض وإخفاق البعض الآخر يعد أمرا طبيعيا بالنسبة لي، مثلما يحصل الأمر في جميع المسابقات الأخرى التي تخص الفنون والرياضة والغناء والطرب وغير ذلك. ولهذا يجب أن تكون الجوائز الأدبية مفتوحة للجميع، وأن يتقدم إليها من يهمه الأمر، حتى لا يحس بالحرج. وأن تلغى مسألة ترشيح الهيئات والمؤسسات لبعض الأسماء دون العودة إليهم. وسيكون في الأمر تحقيق لتكافؤ الفرص والانزياح عن المغالطات. وإذا كانت بعض الجوائز الإقليمية أو الجهوية أو الوطنية الخاصة ببلد معين ما تزال تعاني مشاكل عدة مادية ومعنوية مما يجعلها أحيانا عرضة للاستهجان والقيل والقال، فإن جوائز أخرى تغلبت على هاته الصعوبات بفضل ما يرصد لها من إمكانيات متاحة مما جعلها تراكم إشعاعها من دورة إلى دورة ومن جيل إلى جيل. خاصة تلك الجوائز ذات الصبغة العربية والدولية مثل جائزة الشيخ زايد وجائزة الشارقة للإبداع العربي وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي وجازة دبي وجائزة الطيب صالح وجائزة البوكر للرواية العربية وجائزة البابطين وجائزة أبي القاسم الشابي وجائزة مفدي زكريا.. فهاته جوائز لها صيتها العربي والعالمي، ولها إمكانيات تتزايد يوما عن يوم، ومنظموها اكتسبوا تجربة متزايدة وحنكة على مستوى التنظيم وانتقاء لجان التحكيم من ذوي الاختصاص والتأهيل المناسب، ومراحل التصفيات ووضع معايير دقيقة تحتكم إليها اللجان ومنح هاته اللجان مدة زمنية كافية لتقويم العمل. وإذا كانت أحيانا تقع بعض الأمور التي يتحدث عنها الإعلام تسيء هاته المبادرات وتطعن في مصداقيتها لدى الكُتاب والرأي العام، فإن التعميم مجحف في كثير من الأحيان، ويجب التريث قبل إطلاق الأحكام بشكل متسرع. إن الأساسي في هاته المبادرات ليس التفضيل بين الكُتاب أو الأعمال الأدبية وتبيان الجيد من الرديء فيها، بل الأهم هو خلق حراك حول هاته الأعمال وسجال بينها، ولفت انتباه العموم إلى ظاهرة فن الكتابة، مثلما تُصرف الملايير حول الفن التافه وثقافة التمييع وهز البطن وغير ذلك مما لا يفيد الهوية الثقافية في شيء. العكس هو الذي يجب أن يكون، وهو أن تميز الكتابة عن باقي الفنون ويكثر عدد تداول الكتاب والإبداع، وعدد التظاهرات، وعدد الجوائز، ويخصص لها الإعلام نصيبا كبيرا للترويج والاحتفاء. الأمر المحزن هو أننا بدل أن نشجع المبادرات ونطلب بالمزيد فنحن نسعى إلى هدم الموجود. عموما نشكر المبادرات التي تقوم بها هاته الجهات لحفز الإبداع والكتابة، وندعو الجهات التي تحتفل بالفن الساقط وتخصص له الملايير للترويج إلى أن تخصص جزءا من هذا المال للفن الراقي التي تعد الكتابة جزءا منه. وأن ينخرط الكتاب في خلق هذا الحراك لتشجيع الكتابة كفعل وكقيمة وتكريسها لدى العامة والخاصة، ورفع الحيف الإعلامي حول ظاهرة الكتابة والكتاب. علما بأن الجوائز لا تخلق كُتابا كبارا ولا تؤزم وضعا ثقافيا ولا تنتج نصوصا كبرى، ولكنها تسعى لحفز معنويات الكُتاب، وخلق حوار حول الظواهر النصية والتعريف بجيل الكُتاب ورفع الوضع والاعتبار لفعل الكتابة داخل المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.