قصائد الحضرة.. تراث أصيل مهدّد بالإندثار تتجه قصائد الحضرة التي يتغنى بها المريدون بالزوايا، لما يدقون أبواب عالم الروح متجرّدين من المادة خلال إقامة المبيتات و خلال الجلسات التي يقيمونها في لقاءاتهم الدورية أو السنوية، نحو الزوال جرّاء عزوف أبناء العائلات التي تشرف على الزوايا عن حمل المشعل وحفظ هذا التراث بعد أن اتجهت في معظمها نحو تحفيظ القرآن الكريم للصغار. و من هذه القصائد نذكر على سبيل المثال قصيدة الغوثية و المرزوقية والتوّسل بأسماء الله الحسنى إضافة إلى صلوات بن مشيش، التي أكد الأستاذ عبد الباقي مرابط من زاوية عين بأن عدد الذين يحفظون هذا التراث أصبح يعد على أصابع اليد الواحدة وهو ما يهدّده بالزوال ويحرم الأجيال القادمة من فكر كان سائدا في فترة من تاريخه الثقافي بغض النظر عن الآراء التي تناولته بين مؤيد ومعارض كما قال. و في ذات السياق قال الأستاذ العراقي عبد السلام بيدوي يوسف الجنابي/جامعة السليمانية ببغداد / الذي شارك مؤخرا بالملتقى الدولي،" طرق الإيمان ،التصوف وفقه التحرر" بأن الشباب الذي يعيش المخترعات ويعيش الاكتشافات المتسارعة في قرن أصبحت فيه الطفرات العلمية واسعة جدا و غيرها من العوامل، جعلته يعيش عصر التحرّر والتمرّد على القيم والتقاليد والأعراف والدين الذي هو المصدر الأهم في التربية الحديثة في مجتمعنا الإسلامي و علّق "التصوف قادر على تربية الشباب تربية روحانية قادرة على سد منافذ فساد الأخلاق والقيم، بعيدا عن التعصب والتشدد والإفراط والتفريط في جو من الوسطية كما يطمح إليه مجتمعنا العربي والإسلامي بالحفاظ على هذا التراث الذي نحن بصدد مناقشته في هذا المؤتمر الدولي". ومن جهة أخرى أكدت الباحثة الجزائرية ممي دليلة،المختصة في الحضرة وقصائد الحضرة / المعهد والوطني للتاريخ وعلم الإنسان وعصور ما قبل التاريخ فرع عين مليلة/ بأن قصائد الحضرة في طريق الزوال على الرغم من الجهود المبذولة في بعض المناطق مثل ما هو عليه الحال في زاوية سيدي خالد بولاية بسكرة التي عرفت خلال السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا من حيث البنية الأساسية والطرق المؤدية إليها وأصبحت تحتضن بجوارها سوقا أسبوعيا ضخما إضافة إلى اهتمام إعلامي أكثر منه تربوي حسبها، غير أن كل هذا لم يمنع من وجود بعض الجهود العاملة على حفظ هذا التراث في شكل فرق للغناء بسيدي خالد وهذا في إطار جمعوي يحفظ المدائح الخاصة بالحضرات من أجل إحياء موسم سيدي خالد على حد تقديرها،مضيفة بأن ثمة أيضا الغناء النسوي الذي يعني بمدح الولي الصالح و الذي يصل إلى حد التوّسل لطلب الغوث، و غالبا ما يقام في شكل حلقة خلال زيارة الأضرحة والمزارات والزوايا، إلا أن الاهتمام بهذه المناسبة تحوّل إلى طابع تجاري وسوق كبرى، رغم الجهود المبذولة من طرف الجمعيات. ومن جانبه قال الأستاذ جعفر علوي موسى الخفاجي من جامعة بابل بالعراق بأن قضية خمول الناس وقلة اهتمامهم بالطرق الصوفية، يعاتب عليه سادة الطرق الصوفية أنفسهم لأن من مسئوليتهم بعث الحياة في المؤسسات الصوفية وتوجيه الناس إلى حقيقة ما أراده الصوفية الكبار من أمثال عبد القادر الجيلالي وأحمد الرفاعي وحفيدهم المجاهد عبد القادر الجزائري الذي "لو طالعنا كتابه 'المواقف' لوجدناه ملما بكافة النظرات الصوفية" قال محدثنا مؤكدا بأنه لا يجب الاكتفاء بالشعائر والطقوس التي لا بد من تأصيلها لتكون أكثر تأثيرا في الناس و تكسبهم القوة الفكرية والعقلية بل لا بد من الاهتمام بجانب قواها الروحية الكامنة التي من شأنها مساعدتهم على مواجهة تيارات العنف والتفكير. و علّق "عليهم أن يبعثوا حركة تجديد و استقطاب بالاستعانة بالخبرات" معتبرا الملتقى الدولي الذي احتضنته قسنطينة و شارك فيه باحثون من أكثر من 30 دولة، بداية طيّبة لهذه الحركة التجديدية "لمسنا صدق نية الحكومة الجزائرية في دعم توجهات الصوفية التي هي من صلب التكوين". وفي ظل قلة اهتمام المريدين و ورثة الطرق الصوفية في الزوايا بهذا التراث تقع المسئولية كاملة على عاتق الباحثين والمختصين للحفاظ على هذا التراث الذي يسير نحو الزوال والاندثار في عصر العولمة وتصادم الحاضرات حفاظا على كيان المجتمع العربي والإسلامي من توّسع الانقسام وتاريخ يشهد أن الزوايا وبطرقها التقليدية استطاعت أن تحافظ على الهوية الجزائرية طيلة 132 سنة من الاستعمار الفرنسي.