عمي «علي دربالي» و رحلة عذاب بين الأمراض المهنية والحقوق المهضومة لم يكن عمي علي دربالي صاحب ال 56 عاما يظن أن الحياة التي ابتسمت له عندما كان شابا في مقتبل العمر - وهو يظفر بمنصب عمل في مؤسسة اقتصادية عمومية ويشرع بعدها في تكوين عش الزوجية - تدير ظهرها له يوما وتنقلب سنوات الفرح وحب الحياة لديه إلى سنوات المرض والخوف من المجهول . لقد أحب عمله واجتهد وتفانى في أداء المهام الموكلة له رغم صعوبتها. عمل بصبر وإتقان وسط ظروف مهنية مزرية لم ترحم مع مر السنوات جسده النحيف ، بعدما تسببت في إصابته بأمراض مهنية مزمنة اضطرته إلى طلب التقاعد المسبق،وهو التقاعد الذي لم يكن أبدا مريحا لكونه يخشى من أن يقضي بقية العمر في التنقل بين بسكرة والعاصمة أين يجري فحوصات ومتابعات دورية لمرضي السكر وإلتهاب الكبد. ولد عمي علي سنة 1957 وسط عائلة متواضعة، ولم يكن نصيبه من التعليم وافرا حيث توقف به قطار الدراسة في محطة السنة الثالثة متوسط التي أحالته على الحياة العملية باكرا. أين اشتغل في البداية مساعدا لوالده الذي كان يملك محلا للخضر والفواكه بالسوق المركزي وسط المدينة. ولأن البلاد في مرحلة شبابه كانت تعرف مرحلة نمو اقتصادي عرف افتتاح العديد من المؤسسات الاقتصادية حالفه الحظ سنة 1987 في الحصول على منصب عمل في مركب الكوابل ببسكرة ، أين تم توظيفه في منصب قائد جسر متحرك (grotier ) وأسندت له مهمة رفع بكرات الكوابل الكهربائية أثناء الشحن . غير أن ظروف العمل لم تكن تتلاءم مع العمل المطلوب ودرجة خطورته ، حيث كان يعمل بدون وسائل وأدوات آمنة بداية من اللباس المهني والقفازات والخوذات التي تقي الرأس من المخاطر المحتملة والكثيرة الوقوع بالموقع الذي كان يشغله، والذي لا تتوفر به كما قال أبسط إجراءات السلامة. وإضافة إلى ذلك كان رفقة زملائه من عمال المصنع يعملون وسط جو متلوث بسبب استخدامهم لمياه ملوثة وراكدة لا يتم تغييرها إلا مرة كل 4 أشهر كما قال عوض تغييرها دوريا كلما تغير لونها ، بالإضافة إلى كثرة الشرارات الكهربائية في محيط المركب والتي تنتج في العادة عن عمليات التجارب. و لم تدم أيام الهناء والفرحة بمنصب العمل طويلا مع عمي علي ، حيث بدأ يشعر بأعراض المرض خلال فترات العمل ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة العذاب مع المرض حيث يتذكر أنه خلال سنة2006 أحس بغثيان ودوار أثناء العمل ، مما تطلب نقله إلى طبيب المصنع الذي بقي يتابع حالته ، وأوصى في تقريره بضرورة تحويله للعمل بوحدة أخرى ، وبالفعل تم تحويله للعمل في حقل التجارب الذي لم يكن أفضل حال من مكان عمله السابق حيث كان معرضا بصفة مباشرة لخطر الموت بسبب الشرارات الكهربائية. و في تلك الفترة بدأ العلاج لدى العديد من الأطباء الخواص وطبيب العمل وسارع إلى تقديم طلبات لتغييره نحو منصب أقل خطورة ولا يتسبب له في تفاقم المرض غير أن كل طلباته تلك كما قال قوبلت بالرفض من طرف الإدارة رغم موافقة المدير التقني وطبيب المصنع عليها (تحوز النصر نسخا من تلك الطلبات). ولما تفاقم وضعه الصحي سنة 2009 أعاد إرسال طلبات جديدة لمسؤوليه بهدف تحويله للعمل في منصب أقل خطورة غير أن طلباته قوبلت بالرفض مرة أخرى ..في 2010 نصحه الأطباء في بسكرة بضرورة التنقل للعاصمة للكشف عن مرضه ، وهو ما كان حيث تنقل في أفريل من نفس السنة وعلى مصاريفه الخاصة إلى مستشفى مصطفى باشا الذي مكث به 3 ثلاثة أشهر كاملة اضطرت ابنه الذي كان مرافقا له أن ينقطع عن الدراسة وهو ما آلمه كثيرا . وكم كانت الصدمة قاسية على عمي علي عندما كشفت الفحوصات الطبية المعمقة التي أجراها بالعاصمة عن إصابته بمرضي التهاب الكبد والسكر وكلاهما من الأمراض المزمنة. بعد عودته من رحلته العلاجية اضطر إلى طلب التقاعد المسبق الذي حصل عليه بعد 23 سنة من العمل الشاق و المضني ،غير أن استفادته من التقاعد المسبق ضيّعت حقوقه في الحصول على تقاعد مريح حيث لم تسمح له الإجراءات الإدارية المعمول بها إلا بالحصول على أجرة شهرية زهيدة لا تتجاوز 17 ألف دينار وحصل على منحة تقاعد قدرت ب 400 ألف دينار عوض 800 ألف دينار التي كان سيحصل عليها كمنحة تقاعد لو أتم كامل سنوات الخدمة المطلوبة ، كما أنه كان سيستفيد من أجرة تقاعد ب40 ألف دينار شهريا عوض 17 ألف دينار التي حصل عليها. وهي المنح التي يعتبرها حقوقا مهضومة لطالما طالب إدارة المركب بمنحها له بعد الاعتراف بتسبب العمل في الأمراض المهنية التي يعاني منها ، غير أن الإدارة كما قال لم تعترف له بهذه الحقوق رغم مطالبته بها في العديد من المرات ورغم ما يحوز عليه من ملف طبي يثبت تسبب العمل بالمركب في إصابته بتلك الأمراض. و طيلة سنتي 2011 و2012 وهو يخضع لعلاج مكثف حيث يقوم بمعدل كل شهرين بالتنقل إلى مستشفى مايو بالعاصمة لإجراء فحوصات والمتابعة الطبية ، و كل هذه التنقلات دائما من مصروفه الخاص رغم أنه رب أسرة ويعيل 7 بنات وولد عمره 15 سنة ،ولا يزال إلى حد الآن يواصل رحلاته العلاجية حيث مكث مؤخرا 20 يوما بالمستشفى في العاصمة . وبخصوص الأدوية قال أنه يتناول باستمرار بالإضافة إلى الأنسولين ثلاثة أدوية خاصة بمرض التهاب الكبد ،وهي أدوية من النادر أن يعثر عليها في الصيدليات خاصة دواء urzelvan الذي يضطر لجلبه من فرنسا. وإزاء هذه الوضعية المزرية التي يعيشها يأمل عمي علي من إدارة مركب الكوابل أن تعيد النظر في قضيته و ترأف لحالته من الجانب الإنساني وتعيد له حقوقه المهضومة كما قال حتى يتمكن من قضاء ما تبقى من سنوات عمره مرتاحا و دون حاجة إلى أن يمد يده للناس.