كاتب ياسين .. جدل مثير و تجاذب بين الشرق و الغرب عاد كاتب ياسين إلى قلب الحدث الثقافي و الأدبي و الصراعات التاريخية و الإيديولوجية بين الشرق و الغرب بعد 25 سنة على رحيله تاركا وراءه رصيدا تحول مع مرور الزمن إلى مادة بحث و دراسات أكاديمية معقدة مازالت تثري رصيد المكتبات الجامعية و مراكز البحث عبر العالم و تثير خلافات حادة و نقاشات ساخنة بين الباحثين في الأدب و التاريخ و حتى في السياسية و الدين حيث لم يترك كاتب ياسين مجالا إلا و غاص فيه بقوة و ترك فيه أثرا. أعد الملف: فريد غربية و قد دار جدل كبير في الملتقى الدولي الخامس كاتب ياسين المنعقد بقالمة و كاد الملتقى أن يخرج عن إطاره الفكري مرات عديدة بعد ظهور خلافات حادة بين فريقين من الباحثين و كبار الأكاديميين المشاركين في الملتقى،فريق غربي يقول بأن كاتب ياسين ملك للغرب و أوروبا على وجه الخصوص بلغته و فكره و إيديولوجيته و حتى بصداقته المتينة مع كبار المفكرين منهم من عاش معهم كألبير كامي و جاكلين أرنوت و منهم من تأثر بفكرهم و سلك طريقهم إلى العالمية بنجاح كبير لم يتحقق للكثيرين من الأدباء و المفكرين العرب سواء الذين كتبوا بالعربية أو الفرنسية في زمن كاتب ياسين و بعده و ربما قبله أيضا ، و فريق آخر يضم نخبة من الباحثين العرب من تونس و الجزائر و لبنان بدا هو الآخر منقسما بين معجب و مشيد بفكر الأديب العربي و مدافعا عن أفكاره و معتقداته و موطنه الأصلي الجزائر و المغرب العربي و الوطن العربي بأكمله و بين مطالب بالإبقاء على هويته و فكره ضمن إطاره الطبيعي الذي نشأ فيه فكر متحرر و رفض للواقع المرتدي و مواقف شجاعة و إبداع فاق جغرافيا الوطن العربي. و يرفض هذا الفريق الذي يقوده الباحث التونسي منصور مهني و اللبنانية ديما حمدان بأنه من غير الممكن ترجمة أعمال كاتب ياسين إلى اللغة العربية ترجمة سطحية متسرعة تفقدها معناها الصحيح معتبرا إبداعات كاتب ياسين غاية في الصعوبة و التعقيد و لا يمن فهمها إلى باللغة التي كتبت بها حيث وجهت انتقادات حادة لبعض الترجمات التي قام بها كتاب تونسيون و جزائريون و مصريون و سوريون حاولوا ترجمة رواية نجمة لكنهم لم ينجحوا حسب ما ذهب إليه منصور مهني الباحث المتخصص في أدب كاتب ياسين. و برز باحثون متشددون بعضهم طالب صراحة بالإبقاء على كاتب ياسين الجزائري العربي المسلم الذي دافع عن شعبه و ناهض الاستعمار و الفكر المتحجر و يعد سعد برغل من تونس ابرز المدافعين عن هذا التوجه و متشددون آخرون تقودهم الباحثة الفرنسية «تاتسيمانا كيشيتس» التي رسمت صورة سوداء للوضع في الجزائر سواء خلال الثورة أو بعدها: أمية ، صراعات سياسية ، خلافات مع فرنسا و ركود ثقافي و فكري عوامل دفعت بكاتب ياسين إلى الثورة على كل شيء. و قد وصف بعض المشاركين الجزائريين و حتى التونسيين موقف الباحثة الفرنسية بالمثير للجدل و المجانب للحقيقة غير أنها قالت بان ما كتبته هو الحقيقة كما جاءت على لسان كاتب ياسين نفسه. و اختار بعض الباحثين النأي بالنفس عن الصراعات الفكرية و السياسية و العقائدية المتعلقة بأعمال كاتب ياسين و اختار مجال النقد و الأدب المقارن للحديث عن الجانب الفني و اللغوي للأديب الذي صار ظاهرة مثيرة و عاد بقوة إلى كبرى الجامعات و مراكز البحث العالمية و أصبحت روائع نجمة والمضلع الكوكبي و الجثة المطوقة و مسحوق الذكاء و الأجداد يزدادون شراسة مجالا خصبا للدراسات و البحوث الأكاديمية الراقية. الباحثة الفرنسية "تاتسيانا كيشيتس شاليي" الجزائر المستقلة أجلت حلم ياسين أحدثت الباحثة الفرنسية «تاتسيانا كيتيش شاليي» ضجة كبيرة في الملتقى الدولي الخامس حول كاتب ياسين بقالمة عندما تحدثت بجرأة كبيرة عن الأديب و عن المستعمرة الفرنسية القديمة و الجزائر المستقلة و تساءلت أمام المشاركين في الملتقى «هل تم الحديث بصراحة عن مقاربة تاريخية و لو بسيطة لأعمال كاتب ياسين ؟. كيف يمكن الفصل بين العلاقة التاريخية للمؤلفات و كاتب ياسين الذي كان يتغذي من التاريخ و يبحث عن الخلاص لأمته ؟». و قالت الباحثة بأن الحديث عن كاتب ياسين يقودنا في كل مرة للحديث عن التاريخ و النضال و الحرب و الحركة الوطنية الجزائرية و جبهة التحرير و العدو الفرنسي و الثورة و الثوار لأن كاتب ياسين كان في قلب الحدث الحقيقي و نقل صورة حية و واقعية للأحداث بداية من ماي45 إلى مرحلة الكفاح المسلح ضد المعمرين و سنوات الاستقلال الأولى و ما بعدها. و حسب الباحثة فإن كاتب ياسين كان له أصدقاء فرنسيون أوفياء خلال الثورة بينهم «جون ماري بوغلين» الذي ظل ملازما لكاتب ياسين حتى وفاته و أن الحركة الوطنية الجزائرية ولدت بفرنسا و أن الثورة كانت تتزود بالمال من الجزائريين في المهجر وقد كان هناك أصدقاء فرنسيون كثر للجزائريين خلال الثورة و مع هذا مازال الحديث عن عدو الأمس قائما إلى اليوم رغم أن كاتب ياسين لم يكن يؤمن بالمصطلحات الغامضة. و تطرقت الباحثة إلى الظروف التي نشأ فيها كاتب ياسين من مرحلة الطفولة إلى غاية رحيله و قالت «كانت ظروفا صعبة و معقدة للغاية حيث نشأ الكاتب في وسط تسوده الأمية و شارك في مظاهرات 8 ماي 45 و دخل السجن من أجل أمته و وطنه و صار مناضلا رغما عنه صار في قلب الحدث و قاده الحماس إلى دخول النشاط السياسي مع حزب الشعب ثم الحزب الشيوعي لكنه أصيب بالإحباط بعد ذلك و اختار المنفى». بقي كاتب ياسين يرقب مسيرة المناضلين عن بعد و يترقب ميلاد الجزائر الحرة و ميلاد الإنسان الجديد و بعد صمت اختار كاتب ياسين المسرح لتوعية الشعب و حثه على الدفاع عن حقوقه و رفض كل الإيديولوجيات التي ستقوده إلى الفوضى و التخلف و كان ياسين شاهدا عل أحداث منطقة القبائل بعد الاستقلال و الصراعات بين الماركسيين و الحركات الإسلامية و قال عبارته الشهيرة «ليس العرق و الجنس و ليس الدين من يبني الشعوب». و رسمت الباحثة صورة سوداء للوضع في الجزائر بعد الاستقلال معتمدة على تفسيرات لبعض تصريحات و مؤلفات كاتب ياسين بينها نجمة التي قالت بأنه وصفها بالمرأة الشريرة التي ولدت من غزاة احتلوا الجزائر البربرية الامازيغية. و حسب المتحدثة فإن كاتب ياسين لم يكن لا عربيا و لا مسلما بل كان جزائريا فقط خاض صراعات مريرة منع أنظمة الحكم واستعمل المسرح كوسيلة للنضال و توعية الشعوب و ظل معارضا شرسا بعد الاستقلال و عوقب بمنعه من الظهور في وسائل الإعلام الجزائرية و خضعت مؤلفاته للرقابة و الحظر و رغم كل هذا واصل مسيرة الإبداع و مخاطبة الشعوب مباشرة عن طريق المسرح و كان يقول بان المسرح خلق ليشاهد بالعين المجردة و ليس ليقرأ و يحفظ في الأدراج. و خلصت الباحثة إلى القول بان معاني الثورة و الاستقلال عند كاتب ياسين مختلفة كثيرا عن ما نراه نحن و يراه كثيرون غيرنا كان يبحث عن الحرية و التسامح و التطور و الإنسان الجديد الحر كان يرفض الظلم و النفاق و التسلط و قهر الشعوب و سلب إرادتها بالقوة أو عن طريق المعتقدات و الإيديولوجيات. أستاذة الآداب و الحضارة الفرنسية بجامعة السوربون "فريديريك أوفارت" كان يناضل من أجل تحرير الإنسانية من نفوذ العنصرية الغربية قالت الباحثة و أستاذة الآداب و الحضارة الفرنسية بجامعة السوربون «فريديريك أوفارت» بأن كاتب ياسين قد أبدع و تميز في رائعة «الجثة المطوقة» التي تتحدث عن مأساة الشعب الجزائري خلال أحداث 8 ماي 1945 و تكشف الوجه الحقيقي للاستعمار. و أضافت الباحثة في مداخلة قدمتها أمام الملتقى الدولي حول كاتب ياسين بقالمة يوم الخميس تحت عنوان «الجثة المطوقة ، الكارثة و الزمن القادم» بان النص الإبداعي الخارق قصة حقيقية دارت أحداثها المأساوية في شارع بمدينة سطيف آو قسنطينة و ربما قالمة لا أحد يعرف بالتحديد كل ما هو واضح و مؤكدة بأن الكاتب عاش المأساة بكل أبعادها و أسقط كل فصولها الدرامية على النص الإبداعي الراقي الذي جسد فيه كل معاني النضال و الحرية و ثنائية الزمان و المكان و نظرية الأضداد اللغوية و تطويع الكلمات و التلاعب بها. و تساءلت فريديريك أوفارت «اليوم وبعد مرور 50 سنة على ميلاد الجزائر الحرة يجب أن نتساءل و نبحث عن شكل النضال الفكري الذي اختاره كاتب ياسين و تأثر به و سلكه و فتحه في النهاية ، لم يكن يدافع عن الجزائر فقط بل كان يناضل بقوة لتحرير الإنسانية من النفوذ العنصري الغربي». و غاصت الباحثة في فكر ياسين معتبرة إبداعاته ثورة في شكلها المجرد العاري و هي أيضا حركة الحياة المتجددة داخل قالب متفجر و قالت بأن الرجل كان أشبه بالكائن البشري غير القابل للترويض و الامتثال الكامل للقوانين و الاعتبارات الرسمية، هذا النوع من الإنسان ميال إلى تحمل الجذب و الشد عندما تدفعه إرادته و حياته إلى تدمير السلطة القائمة. و حسب فريديريك أوفارت فإن «الجثة المطوقة» نص إبداعي يجسد روح البطل لخضر لحظة المرور من الحياة إلى الموت و يجسد أيضا الجزء الشيطاني اللعين عند الكاتب و خبرته الذاتية. و أبرزت المتدخلة أوجه الشبه بين المفكر «جورج باطاي» في فلسفة الحياة و الاضطهاد و الوجود و بين كاتب ياسين في الجثة المطوقة و قالت بان نظرية التفاهم و التواصل المولدة للمعرفة و المنفعة الاقتصادية عند باطاي ، يقابلها عند ياسين المحيط و اللغة كعوامل مولدة للمعرفة الأدبية و الإبداعية. و ترى الباحثة بأنه لا يمكن قراءة كاتب ياسين قراءة صحية دون معرفة محيطه و سيرته الذاتية و دوافع استعماله لغة العدو و تصالحه معها موضحة بان الأديب جسد شكلا متفردا من أشكال التفاهم و التصالح مع الآخر و كان «يكتب في فم الذئب» كما كان يقول هو نفسه في إشارة إلى مهاجمة العدو بلغته مستعملا ذكاء خارقا ربما يكون قد جنبه بعضا من المتاعب و الضغوطات الممارسة على المثقفين الجزائريين آنذاك ، كان سيبح بين لغتين العربية لغة الطفولة و الفرنسية لغة المستعمر التي انتزعها منه بقوة و جعلها ملكا له و وسيلة لتجسيد تفاهم شعري و إبداعي قاده إلى الانصهار الشكلي مع المعمر حسب ما ذهبت إليه الباحثة متحدثة عن أشكال أخرى من أشكال تعايش ياسين مع كل ما يحيط به و تجسد ذلك في رائعة الجثة المطوقة أين برز التعايش مع المأساة و الكارثة و الحب في ثلاثية لخضر نجمة و الجزائر. و قالت فريديريك أوفارت بأن ملحمة الجثة المطوقة جسدت النظرية الفلسفية القائلة بأنه لكي يحدث التواصل على الكائن البشري أن يتخلى عن جزء منه لكي يتمكن من الانفتاح و الانصهار مع الآخر ، و جسد ياسين أشكالا أخرى من أشكال التعايش و الاتفاقات المادية و الروحية تعايش بين الألم و الموت في دراما مأساوية تقتضي موت البطل و هو أقصى أشكال الخسارة في نهاية المشهد المثير. الموت كان أكبر خطر يواجه الثائرين في 8 ماي 45 ، المستعمر دمر البشر و الأرض في الجزائر ، خلال الاحتلال كان العنف سائدا و التضحية قادت الأمة الجزائرية إلى العالم المقدس و كانت مشاهد النصر و الاحتفال حاضرة أيضا ، لخضر كان يضحك و هو يحتضر كان يحتفل بانتفاضة 8 ماي 45 ، كانت الموت عنده عرسا ، هو ضحية مقدسة قدم نفسه كنفقة دموية حتى يستمر نضال الطبقات و النخب. و أنهت الباحثة مداخلتها بالقول «إن الدراما الكاتبية تثبت الأحداث في قالب أسطوري خرافي لا متناهي وتكسر الجمود و تلقي به إلى المستقبل و تحيل الجمهور المتلقي إلى فضاء مجهول يجب أن يأخذه الإنسان بعين الاعتبار حتى يعيش حسب إمكاناته و محيطه لأن المجهول ضروري للحياة». الباحث البولوني "باوليتش رودريغاز" كاتب ياسين و شارل دو كوستار وجهان لعملة واحدة قال الباحث البولوني «باوليتش رودريغاز» بأن كتب ياسين قد تأثر بفكر و سيرة الصحفي و الأديب البلجيكي «شارل دو كوستار» الذي عاش بين 1827 و 1879 و مارس مهنة الصحافة و التأليف و كتب القصص الأسطورية المشوقة باللغة الفرنسية في بيئة شبيهة تماما بالبيئة التي عاش فيها كاتب ياسين ، ثورة على الظلم و فكر ديمقراطي متحرر و كتابة أدبية و شعرية و صحفية متميزة. و أضاف «باوليتش رودريغاز» بان «دو كوستار» كتب عن الريف و الفقراء و وظف شخصيات مثيرة في القصة الأسطورية و الرواية كما فعل كاتب ياسين في نجمة و قال بأن الرجلين كانا يناضلان بفكرهما و يرفضان واقعا غير مرغوب فيه بالنسبة لكل واحد منهما رغم البعد الزمني بين المرحلتين اللتين عاش فيها كل منهما. و حسب المتدخل فإن رموز المقاومة كانت حاضرة في كتابات «دو كوستار» تماما كما في نجمة التي قال بأنها نص إبداعي مميز يتحدث عن القيم الإنسانية الحرية و المقاومة و الحب و المأساة أيضا. «إن أدب كاتب ياسين أدب ثوري تحرري رافض للواقع المتردي إنه أدب رافض للاستعمار و استعباد البشر في مكان على وجه الأرض ، إن كاتب ياسين لم يكن متأثرا بكوستار فقط بل تأثر أيضا ب «بيتر كلود» أحد أدباء إقليم الكيبيك الذي نشأ بمنطقة المغرب العربي زمن الاحتلال الفرنسي ، هناك عوامل اجتماعية و سياسية و ثقافية جعلت كاتب ياسين يتأثر بأدباء و مفكرين غربيين كتبوا باللغة الفرنسية». و أشار الباحث إلى الثقافات البلجيكية المتعددة و المتباينة من إقليم إلى آخر حسب الموقع الجغرافي بين عدة دو ل بينها فرنسا و هولندا المستعمر القديم و هو ما انعكس على فكر الأديب دو كوستار و جعله مليئا بالإثارة و التنوع و الشمولية تماما كما هو الحال مع كاتب ياسين الذي عاش في بيئة ثقافية و سياسية و تاريخية متنوعة و متباينة من إقليم إلى آخر هناك لغة أمازيغية و عربية كلاسيكية و عربية محلية و هناك لغة فرنسية اختارها ياسين كوسيلة للتعلم و الإبداع. و تحدث الباحث أيضا على سياسة التعريب في الجزائر و تأثيرها على كاتب ياسين و قال بأن أدبه لم يصل إلى كل الجزائريين بسبب التعريب و أن بعض الكاتب الجزائريين الذين حاولوا السير على نهجه لم يتمكنوا من ذالك خاصة الأعمال التي ظهرت بعد ما وصفه الباحث «بالانفتاح الليبرالي الذي أعقب أحداث 1988 و الحرب الأهلية و انعكاساتها على الجزائر» أدى إلى ظهور روايات بوليسية لياسمينة خضرة وبوعلام صنصال تتحدث عن واقع الجزائر خلال الأزمة الأمنية غير أن هذه الأعمال لم ترق إلى مستوى فكر و إبداع كاتب ياسين. و انتهى الباحث البولوني إلى أنه و مهما افترضنا بأن كاتب ياسين قد تأثر بكتاب غربيين سبقوه مثل دو كوستار و شارل بون و غيرهم فلإنه يبقى مميزا و مبدعا استطاع المزج بين عدة لغات في نص واحد و أحسن الربط بين القصة و الرواية و المونولوغ الداخلي و العادات المنطوقة و الشعر و هذا كله موجود في نص واحد هو نجمة التي جسدت نظرية الباحث الروسي"غاتشاف" الخاصة بالمرور من الأدب الكلاسيكي إلى أدب الحروف و الكلمات الجميلة و التي تنتج في النهاية أدبا قريبا من الزمن و التاريخ و لا يمكن فصله عن الإيديولوجية و الفكر و العادات و التاريخ. الأستاذة دليلة مكي من جامعة باجي مختار بعنابة مسحوق الذكاء أحدثت ثورة في النص المسرحي وصفت الأستاذة دليلة مكي من جامعة باجي مختار بعنابة ما قام به كاتب ياسين في مجال المسرح الشعبي بالثورة و التحول الجذري في كاتبة النصوص المسرحية ذات الخصوصية المتنوعة و الأشكال المتعددة. و أضافت دليلة مكي في مداخلة قدمتها في اليوم الثاني من الملتقى الدولي حول كاتب ياسين المنعقد بقالمة بأن تنوع النصوص و الأشكال الفنية يعود إلى شخصية كاتب ياسين في حد ذاته فلسفته في لحياة ميراثه الثقافي و الفكري تمرده و ثورته على الواقع بسخرية و تهكم لاذع ، معتبرة النصوص المسرحية الأولى لكاتب ياسين كبداية مشروع كبير أسس في ما بعد للمسرح الشعبي. و حسب المتحدثة فإن أول عمل مسرحي تهكمي ساخر لكاتب ياسين كان بعنوان مسحوق الذكاء المنشور سنة 1959 ضمن المجموعة المسرحية دائرة القصاص مشيرة إلى أن استعمال الكاتب لعبارة مسحوق الذكاء كان بمثابة دليل واضح على ميلاد مسرح كاتبي ثوري متمرد شديد السخرية و التهكم و قالت بان كاتب ياسين نشر مقالا بجريدة الجزائر الجمهورية يتحدث عن توجهات المسرح الشعبي النقدي و قد كتب هذا المقال 9 سنوات قبل نشر مسرحية مسحوق الذكاء. و في 8 فيفري 1950 كان كاتب ياسين على موعد مع عمل إبداعي مسرحي مميز عندما عمل على مسرحية مريض الوهم للكوميدي الفرنسي الشهير موليير و كتب ياسين عن موليير و ترجم بعضا من مسرحية مريض الوهم إلى اللغة العربية و قدمها للجمهور الجزائري و من هنا بدا التأسيس الفعلي للمسرح الشعبي عند كاتب ياسين. و ترى أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة عنابة دليلة مكي بان كاتب ياسين قد استلهم من أفكار موليير صاحب المسرح التهكمي الساخر و أسقطها على الواقع الجزائري داعيا رجال المسرح الجزائري إلى العمل أكثر و الذهاب بعيدا في الإبداع و استهداف أكبر عدد ممكن من المتتبعين و المهتمين بالأعمال الدرامية و الكوميدية الهادفة. كان كاتب ياسين يرى أمامه عددا هائلا من الجمهور العريض و لابد أن يتحدث إليه و يتواصل معه عن طريق المسرح و تجربته في هذا المجال. و برع ياسين في تقديم أعماله المسرحية من حيث الاختيار الجيد للمواضيع و الكلمات و تقنيات العرض الشيق كما في مسرحية مسحوق الذكاء التي جمعت بين الثقافات الشعبية الجزائرية المتعددة. و قد أحسن كاتب ياسين اختيار الممثلين و إقحامهم في العرض الشيق حتى يكون مسحوق الذكاء مثالا حيا للمسرح الشعبي الجزائري تمام كما كان مسرح موليير التهكمي المثير لسخط الكنيسة و الطبقة البورجوازية. و ذهبت الباحثة إلى القول بأن مسرحية مسحوق الذكاء كانت ثورة شعرية تغوص في أعماق المادة الصلبة و تحولاتها الكيميائية و هذه إحدى عبقريات كاتب ياسين الذي ينتقل بسهولة من المسرح إلى الشعر و المادة و التفاعلات و العلاقات الإنسانية المتشعبة. و قد استعمل كاتب ياسين كلمة تشبه معنى التحولات و التفاعلات الكيميائية بين المعادن و يقصد هنا تفاعلات و خصائص تجمع بين الإنسان و الضمير و المادة و تشبه في النهاية سحابة دخان تؤثر في شيء مادي قابل للتحول. و برع كاتب ياسين في الانتقال بشخصيات المسرحية من التحولات المادية المجردة إلى تحولات فكرية حقيقية تقود في النهاية إلى ثورة و تمرد جماعي على واقع اجتماعي و اقتصادي و سياسي متردي. و في نهاية مداخلتها تحدثت دليلة مكي عن المقاربة الفلسفية لمعنى الثورة في مسرح كاتب ياسين و قالت بأن هذه المقاربة تعتمد على إرث شعبي متشبع بقيم الحرية ضمن مجال زمني تتحرك عجلته باستمرار و لا شيء يبقى ثابتا فيه و أن الأضداد تتلاقى في النهاية. "كلوي موني" من جامعة بوردو الفرنسية كاتب ياسين شاعر مبدع علمته الثورة و السجن.. كسر الطابوهات و قال ما لم يقله غيره قالت الباحثة الفرنسية «موني كلوي» بأن كاتب ياسين دخل عالم السجون و انغمس في الثورة و النضال في سن مبكرة بداية بأحداث 8 ماي 45 التي كان لها تأثير كبير على حياته و مسيرته الإبداعية وليدة الظلم و العذاب و الموت و العقاب ، من هنا شق كاتب ياسين طريقه إلى العالمية و تحول إلى كاتب متمرد مثير وناطق باسم شعبه المحتل. و أضافت «موني كلوي» بأن كاتب ياسين اكتسب الإرادة داخل السجن ، إرادة قوية دفعته لان يكون كاتبا عالميا و شجاعا يقول ما لا يستطيع الآخرون قوله و يحطم الطابوهات و الحواجز الفكرية و العقائدية و التاريخية و كانت البداية على صفحات الجرائد ثم حدث تطور مذهل قاد الكاتب إلى الانخراط في أكثر من مجال و النضال على أكثر من جبهة حتى صار شاعرا محطما للطابوهات كما قال هو سنة 1975 عندما طلب منه تعريف الشاعر « من الطبيعي أن يواجه بعض الكتاب و الشعراء مشاكل كبيرة في محيط سياسي ما. و هذه الوضعية الطبيعية يجب أن نكون على دراية بها من البداية و نتعايش معها و نعيش مع أشخاص مناضلين و مدافعين عن فكرة معينة و التضحية من أجلها ، مع أشخاص يعيشون البطولة كل لحظة و في صمت ، من هنا عرفت بان مهمة الكاتب و الصحفي و الشاعر مهمة تحطيم الحواجز و قول ما لا يقال و ما لا يستطيع الآخرون قوله ، هذه هي مهنة الشاعر». و حسب الباحثة فإن كاتب ياسين كان يتردد قريبا من الحزب الشيوعي في الجزائر و قريب أيضا من حزب الشعب حيث كان ينشط له الندوات و المؤتمرات السياسية قبل أن يحدث الانفصال و الخلاف بين الحزبين. و بداية من سنة 1950 بدا كتابة الشعر و كتب سلسلة شبيهة بتلك التي كتبها ناظم حكمت داخل سجن في تركيا. بالنسبة للرجلين كانت البدايات الشعرية ثمرة حياة السجن التي صقلت فكرهما و مواهبهما و دفعت بهما إلى العالمية. عن طريق الشعر كما عن طريق الصحافة كان كاتب ياسين يتواصل مع المناضلين عبر العالم و يكافح ضد التفرقة و العنصرية و اللاوعي ، كانت أشعاره الأولى بداية لأعمال إبداعية أخرى أحدثت ثورة في الأدب و الفكر عبر العالم. و أضافت الباحثة «موني كلوي» بأنها اطلعت على مخطوطات نادرة لكاتب ياسين بمركز الأرشيف و المؤلفات الفكرية «إيماك» الذي أنشئ بفرنسا سنة 1988 بينها مجموعة تحت عنوان «بعد منتصف الليل» تضمن أبرز ما كتبه ياسين بين سنتي 1949 و 1950 و حسب الباحثة فإن بعضا من هذه الأشعار التي وصفتها بالمهملة تتحدث عن أمور دقيقة تتعلق بسياسيين شيوعيين و قضايا أخرى و من بين هذه الأشعار الطبقات الكادحة ، في محكمة التاريخ ، ليس للشاعر إلا كلمة يقولها ، أنا و ستالين ، هذا الستاليني الفرنسي ، أمة جزائرية تتشكل. و ذكرت المتحدثة بان بعضا من هذه الأشعار التي عثر عليها في حافظة أوراق تحمل اسم موثق كانت عاطفية كتبها ياسين عندما كان تلميذا في الثانوية. و يلاحظ على ياسين تحوله الجذري إلى الشعر الثوري بعد مشاركته في مظاهرات 8 ماي 45 و دخوله السجن ، تحول شبيه بالزلزال القوي الذي أحدث هزة عنيفة في حياة كاتب ياسين تماما كما حدث مع ناظم حكمت بعد دخوله السجن في تركيا. بعد خروجه من السجن انخرط ياسين في الحياة النضالية و ظل يتردد على حزب الشعب و الحزب الشيوعي قبل حدوث الانفصال بينهما بعد أحداث ماي 45 و قرر ياسين التموقع مع الشيوعيين و كان ضمن وفد زار الاتحاد السوفيتي سنتي 1948 و 1950 و طلب منه إعداد تقرير حول المهمتين و بعد زيارتين إلى معقل الشيوعية فهم ياسين معنى الشيوعية و معانيها و ظلمها أيضا و جاءت المجموعة الشعرية مناجاة مجسدة لذلك بوضوح حيث يقول: العمال، دائما إلى العمل الأوائل إلى المعركة الأوائل إلى المعاناة العمال، رفاقي على الجبهة الدامية. و قد استعمل كاتب ياسين بعض المصطلحات الماركسية في مواجهة المستعمر الفرنسي و الفوارق الاجتماعية بين الجزائريين و المعمرين و قاد ثورة فكرية ضد الاستعمار و ظل بجانب أمته حتى رحل... حبيب تنغور للنصر نحتاج إلى أديب أو شاعر عربي متمكن لترجمة أعمال ياسين إلى العربية قال الباحث والكاتب حبيب تنغور بأن أعمال كاتب ياسين صعبة و معقدة للغاية و كأن صاحبها تقني و فني متمرس يجيد اللعب بالكلمات و المعاني و يضعها في المكان الصحيح بكل براعة و دقة. و أضاف حبيب تنغور في تصريح للنصر حول مقروئية مؤلفات كاتب ياسين و مدى انتشارها و تداولها بين المثقفين بالغة العربية «أعتقد بأننا في حاجة إلى معجزة و أديب أو شاعر عربي متمكن يتقن العربية و الفرنسية إتقانا جيدا حتى يمكنه ترجمة بعضا من مؤلفات كاتب ياسين ترجمة صحيحة تؤدي المعنى الكامل للنص القصصي آو الشعري و المسرحي ، إن فرنسية كاتب صعبة للغاية و معقدة حتى بالنسبة للفرنسيين أنفسهم و ليس من السهل ترجمتها و تدريسها». و حسب المتحدث فإن هناك محاولات من قبل مبدعين شباب في الوطن العربي لقراءة أعمال كاتب ياسين و دراستها بالتحليل و النقد كما في لبنان و تونس غير أن عالم كاتب ياسين مازال مليئا بالأسرار و عصي على الفهم و التطويع و رغم ذلك يجب أن نستمر في قراءته و دراسته دراسة معمقة تأخذ بعين الاعتبار بيئة الكاتب و محيطه و الظروف التي عاشها منذ طفولته. « يجب إن نعرف بأننا نتحدث عن كاتب عالمي كبير و مميز ولد في بيئة عربية مثقفة كان لها الأثر الكبير في تكوينه و صقل مواهبه ، ثم يجب أن نعرف أيضا بأن ياسين قد وصل إلى السنة الثالثة ثانوي و تعلم باللغة الفرنسية و هذا مستوى ثقافي و تعليمي كبير و هام و ليس من السهل بلوغه في ذلك الوقت». و يرى حبيب تنغور بأن ظروف الاستعمار و أحداث 8 ماي 45 و بعدها الثورة الجزائرية و تشبع الشباب الجزائري بالحماس الكبير و انتزاع الاستقلال بالدم كانت كلها عوامل مؤثرة في فكر كاتب ياسين و قوته الإبداعية المتفردة التي أخرجت روائع نحمة و الجثة المطوقة و أعمال أخرى خالدة تؤرخ لنضال الشعب الجزائري و كفاحه المرير من اجل الحرية و الاستقلال و هذا مجسد بوضوح في الجثة المطوقة. و حث حبيب تنغور جيل الشباب على قراءة كاتب ياسين لمعرفة مرحلة مهمة من تاريخ الأمة و نوعا متميزا من الأدب و الإبداع الشعري و المسرحي المعتمد على البناء التقني و الهندسي الخارق ، متمنيا في الأخير تكثيف الملتقيات حول كاتب ياسين و مبدعين جزائريين آخرين تركوا أثرا في الأدب المغاربي و العالمي. سعد برغل من جامعة المنستيرالتونسية يجب أن ندرس الكاتب في سياق هويته و بيئته الجزائرية العربية بدا الباحث التونسي سعد برغل من جامعة المنستير غير راض على ما وصفه بالأبحاث والدراسات الأكاديمية التي تجرد كاتب ياسين من هويته و تنتزع منه جزائريته و بيئته العربية و المغاريبة التي عاش فيها و كتب عنها طيلة مسيرته الإبداعية. و رد سعد برغل بقوة على باحثين و أساتذة جامعيين من دول أوروبية و فرنسا على وجه الخصوص تحدثوا عن سيرة كاتب ياسين في الملتقى الدولي المنعقد بقالمة و قالوا بان الأديب تأثر بمفكرين غربيين و سلك طريقهم و قال الباحث التونسي «اتركوا لنا بعضا من ياسين و خذوا البعض الآخر ، اتركوا لنا هويته و بيئته التي نشأ فيها و أصله الجزائري المغاربي العربي و خذوا فكره و لغتها التي كتب بها ، انتم تجردونه من هويته و تجعلوه غربيا غريبا عن وطنه». و أضاف المتحدث في مداخل تحت عنوان «كاتب ياسين ، النص الآخر» بأن الحديث عن الأديب و رائعته نجمة يجب أن يكون ضمن إطاره الحقيقي البيئة ، الظروف التاريخية و الاجتماعية المحيطة موضحا بأن ياسين كان يشير في كل مؤلفاته إلى الذات و الهوية و الوطن و هو ما يتجسد بوضوح في شخصيات رواية نجمة حيث كانت الأسماء عربية جزائرية من نجمة إلى لخضر و رشيد و عبد القادر و مصطفى و هي شخصيات محورية تواجه شخصيات فرنسية ترمز للاستعمار و الاضطهاد. و حسب سعد برغل فإن نجمة نص مربك يجسد نموذجا للرواية الكلاسيكية حيث تهيمن شخصية نجمة على كل الشخصيات الروائية الأخرى و هو ما يعرف بهيمنة الشخصية المركزية. «إن كاتب ياسين ما كان يكتب إلا عندما يقتنع بان ما سيكتبه سيكون مميزا ، كان يكتب بلسان فرنسي مبين و يمارس النقد مع الفرنسيين و يقنعهم بقوة العبد المستعمر القادر هو الآخر على الإبداع و التميز و التفوق ، كان ناشطا سياسيا يدافع عن أمته قبل أن يكون أديبا ، أنا اعتبر نجمة موقفا سياسيا قبل أن تكون عملا إبداعيا ، هكذا أرى كقارئ لمؤلفات كاتب ياسين و ليس كناقد و محلل ، كان الرجل يشتغل على أكثر من جهة في مجال الكتابة و بعث الحس الوطني بين امته، إن نص نجمة قابل للقراءة أكثر من مرة ، إنه نص كثير الدلالة و المعنى وظف فيه ياسين الأسطورة القديمة و أساطير المجتمع الجزائري و البعد الإيديولوجي إنها حكاية وطن و ما كتب نجمة بل كتب وطنا و أمة». و واصل الباحث التونسي حديثه عن النص الآخر لكاتب ياسين قائلا «إن روايته الرائعة ورشة شعر تتعانق فيها الأشكال الفنية و تتعدد فيها هوية نجمة بين الحبيبة و الوطن و الأم ». و خلص برغل إلى أن ترجمة أعمال كاتب ياسين ممكنة لكنها قد تأول النص الأصلي معتبرا اللغة وسيلة صناعة المعنى موضحا بان العربي عندما يصنع المعنى يضيف إليها ضلال اللغة و يجعلها مميزة و ذات دلالات متعددة كما فعل ياسين مع نجمة عندما جعلها نصا واحدا متعددا و هو التعريف الصحيح لنجمة الرواية العالمية التي لا يجب أن تسرق من ياسين جزائريته و هويته. و يعد سعد برغل من بين المطالبين بترجمة أعمال كاتب ياسين إلى اللغة العربية لتمكين الطلاب و المثقفين العرب من الإطلاع عليها الاستفادة منها في البحث و التأليف و فوق كل هذا معرفة حقبة زمنية هامة من تاريخ الجزائر و المغرب العربي لكنه بدا متحفظا على ما وصفه بالترجمات الشكلية المشوهة للنص الأصلي و هو ما ذهب إليه منصور مهني الباحث في أدب كاتب ياسين. مصطفى الطرابلسي / جامعة صفاقسالتونسية كامو وياسين شربا من نفس الكأس اختار الباحث التونسي مصطفى الطرابلسي مجال النقد الأدبي للحديث عن كاتب ياسين و مؤلفاته و أجرى مقارنة بينه و بين ألبير كامي الذي قال عنه بأنه الأقرب إلى أسلوب و فكر كاتب ياسين بحكم عوامل بيئية وتاريخية و ثقافية. و حسب مصطفى الطرابلسي فإن ما كتبه كل من ألبير كامي و كاتب ياسين ليس شعرا من الناحية البناء الفني بل هو شعر نثري و أحيان وجداني غنائي كما هو الحال في مجموعة مناجاة و بعض النصوص روايات شعرية مثل نجمة تمام مثل ما هو الشأن بالنسبة لرواية الرجل الأول لألبير كامي ، مضيفا بأن هناك ثغرات فنية في بعض نصوص الأديبين و أن ألبير كامي نفسه اعترف بما وصفه الثغرة الفنية في بعض أعماله. وقال الطرابلسي أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة صفاقسالتونسية بان القارئ يمكنه قراءة بعض أعمال كاتب و ألبير كقصص جرت في سياق زمني متواصل تظهر فيه شخصيات ضمن إطار فني محبوك و عقد روائي مضيفا بأن اختياره لموضوع النقد يهدف إلى توضيح جانبا غير معروف في أدب ياسين و كامي و تقديم قراءة جديدة لنصين نموذجيين هما «نجمة» لكاتب ياسين و «الرجل الأول» لألبير كامي. و أوضح مصطفى الطرابلسي بأنه لو اعتبرنا نجمة كأهم رواية في الأدب المغاربي قبل الاستقلال فإنها تبدو بعيدة عن مقياس الرواية الكلاسيكية حيث اعتبرتها جاكلين ارنود كرواية شعرية. و اعتبر الناقد شخصية نجمة شخصية مسيطرة في الرواية و كل الأحداث تدور حولها من البداية إلى النهاية و يمكن اعتبار فصولها مستقلة الواحد عن الآخر مؤكدا بان أوجه الشبه كثيرة و مترابطة بين كاتب ياسين و ألبير كامي حيث تتشابه شخصية نجمة و شخصية الأم العجوز تشابها وثيقا في المعنى و الموقع المحوري داخل الرواية. و أسهب المتدخل في قراءة مقاطعة طويلة من نجمة و الرجل الأول و التطرق لها بالتحليل و النقد غير انه اقر في الأخير بان كاتب ياسين أديب متميز غاص في الرواية و القصة و النثر و الشعر و المسرح و حتى الصحافة و السياسة و هو ما لم يقو عليه الكثير من المفكرين و الأدباء في زمن كاتب ياسين. الباحث في أدب كاتب ياسين منصور مهني ترجمات ياسين إلى العربية خيانة للنص الأصلي وجه منصور مهني الباحث التونسي المتخصص في أدب كاتب ياسين انتقادات حادة للمطالبين بترجمة مؤلفات الأديب إلى اللغة العربية و قال أمام المشاركين في الملتقى الدولي كاتب ياسين المنعقد بقالمة بان الترجمات الشكلية المتسرعة تشوه النص الأصلي و تفقده معناه كما حدث مع بعض الترجمات التي تمت بالجزائر و تونس و مصر و سوريا. و قال منصور مهني المتوج بالجائزة الأدبية كاتب ياسين بان الترجمات التي تمت على رواية نجمة تعد خيانة كبرى للنص الأصلي و صاحبه داعيا على وقف ما وصفه بالأعمال الارتجالية المنفردة التي من شأنها الإضرار بمؤلفات الأديب العالمي. و حسب منصور مهني فإنه لا يعارض ترجمة بعض مؤلفات كاتب ياسين إلى اللغة العربية و أوضح بان هذه الترجمات يجب أن تكون من طرف مختصين و مؤسسات تتوفر على الإمكانات و الوسائل التقنية اللازمة تسح لها بإنجاز عمل إبداعي يكون في مستوى الأديب و أقرب إلى المعنى الذي يبقى سرا من أسرار صاحب النص وحده. و حسب المتحدث فإن الترجمة الحقيقة لا تكون إلا في حالات نادرة يكون فيها المترجم إلى جنب المترجم له يتلقى منه التوجيهات و المعاني التي تختلف مفرداتها من لغة إلى أخرى. و ذكر الباحث التونسي مختلف الترجمات العربية لرواية نجمة . و قدم منصور مهني عرضا تقينا لرواية نجمة و قال بأنه كتبت بلغة بمعاني و كلمات دقيقة و بأسلوب قصصي متميز من الصعب استنساخ نص آخر منه مؤكدا بان نصوص كاتب ياسين عبارة عن نسيج هندسي يصعب تفكيكه و خاصة رواية نجمة التي وصفها بالنص الواحد المتعدد الأشكال و المعاني و الدلالات. و قال الباحث بان المعربين رفضوا تدريس نصوص كاتب ياسين في الجامعة التونسية و قامت ثورة فكرية و نقاشات حادة أدت في النهاية إلى إدخال نصوص كاتب ياسين إلى الجامعة التونسية و هي تدرس اليوم باللغة الفرنسية و أصبحت مادة خصبة للبحث و الدراسات الأكاديمية المعمقة.