فهرس المقال الشاعر عمار مرياش للنصر إكتشاف العادي المنفى الإختياري وطنا روحيا كل الصفحات الصفحة 1 من 3 لا أكتب لتلاميذ السابعة متوسط وأرى لغة الصم البكم أكثر شاعرية من لغة بعض الشعراء عمار مرياش شاعر معروف شكل مع شلة من شعراء الجزائر مشهدا شعريا لافتا، رسموا وقتها شعرية شابة طموحة وجريئة ومغايرة، كانت الشلة على قلتها في العدد كثيرة الحركة و وافرة الحضور، كان هو ونجيب أنزار وسليمى رحال ونصيرة محمدي وفاطمة بن شعلال لكن كل واحد منهم تسرب بطريقته الخاصة إلى أمكنة متباعدة وكل واحد اختار طريقا مغايرا للآخر، لكن ظل الشعر هاجسهم جميعا، يتقاسمونه ويعيشونه كيفما اتفق الشعر وهواهم، لكن أكثر من قاطع الشعر والكتابة هو عمار مرياش لكنه بدأ مؤخرا يعود رويدا رويدا إلى الشعر ولذائذه، وها هو يقول ها أنذا أعود. ديوانه الأول "إكتشاف العادي" صدر عام 1993 عن الجمعية الوطنية للمبدعين في خمسة ألاف نسخة ولاقى احتفاء كبيرا لم يسبق وأن حظيّ به ديوان آخر في الجزائر وترجم إلى الإسبانية والفرنسية، ديوانه الثاني "لا يا أستاذ" صدر عام 1996 عن الجاحظية في طبعة خاصة وجد معدودة ومحدودة ولم توزع في المكتبات، حصدت نصوصه الشعرية الكثير من الجوائر الجزائرية والعربية. في عام 1991 أنشأ مع الشعراء: نجيب أنزار، فاطمة بن شعلال وفاروق سميرة الخلية الأولى لمجلة القصيدة لدى جمعية الجاحظية ورأس تحريرها لمدة، ثم اشتغل بقسم الإنتاج الثقافي بالإذاعة الجزائرية، وفي عام 1996 غادر الجزائر واستقر في غربته الإختيارية في باريس.في هذا الحوار يتحدث مرياش عن القطيعة والعودة وعن الشعر والحداثة وأشياء أخرى نكتشفها معا كما اكتشف هو العادي في أشعاره. أمازلت تحاول تقليص المسافة بينك وبين العالم لتصبح علاقتك بذاتك وبالعالم علاقة عضوية، أم قلصتها وانتهى الأمر؟ عمار مرياش: "نظرة في البحر تكفيني لأغرق/قبلة تكفي لأعشق/ولقد أيبس كالقمحة لو تنسينني سبع ليال/وإذا لم تسقني قد أتشقق". هذا مقطع من آخر قصيدة أنا منهمك في كتابتها الآن. مارأيك؟.أعتقد أن المسافة بيني وبين العالم إنعدمت تماما، صرت أنا والماء شيئا واحدا، صرت أنا والنور شيئا واحدا، صرت هو، تصوري، أحيانا يتحدث عني الآخرون بمنتهى الإعتزاز، كما بمنتهى الحقد أو المسخ وأنا بينهم، يتحدثون عني وكأن لا أحد يراني، أحيانا أتدخل بغضب وأرفع صوتي محتجا، لكن لا يبدو أن أحدا يسمعني أو يحس بوجودي والعجيب أنهم يرددون ما أقوله لهم على أنه كلامهم، صرت شفافا إلى الحد الذي يسمح للآخرين رؤية أنفسهم من خلالي دون أن يرونني، طبعا هذا يسعدني أحيانا وليس دائما، ما يسعدني كثيرا هو أنني أحيانا أستطيع التسرب إلى الأعماق، إلى أعماق الأعماق وأرى الناس عراة كما خلقتهم أمهاتهم. "في البداية قطعتُ تماما علاقتي مع الأدب والثقافة وتخصصت في التكنولوجيات الجديدة حتى لا أضيع وجوديا وماديا، لم أضع ماديا ووجوديا ولكني ضعت أدبيا، لذا ترينني أعود شيئا فشيئا إلى عالم الأدب" هذا ما قلته لي مؤخرا، لماذا أعلنت القطيعة، هل لأن الوضع العام كان غير مشجع، أم لأنك كفرت بالكتابة والشعر وهل نحتاج أحيانا إلى قطيعة ما من أجل عودة أكثر ضرورية، أكثر حتمية وأكثر إقناعا، ثم كيف وجدت عودتك بعد سنوات القطيعة؟ عمار مرياش: حدث هذا عندما وصلت إلى فرنسا عام 1996، طبعا أول ما فكرت فيه هو البحث عن شغل في إذاعة أو مجلة أو وسيلة إعلام ناطقة بالعربية، ولكنني سرعان ما عدلت عن هذه الفكرة السريالية الحمقاء عندما إكتشفت أن العربية على الرغم من قوتها الإقتصادية الرهيبة فإنها في نهاية الأمر مثلها مثل اللغات المنقرضة كالهوليغريفية مثلا، تصلح للمتاحف والفلكلور والكاليغرافيا ليس أكثر، العربية ليس وراءها سوى الأدباء، وهذا ليس مسل جدا. تقولين هل لأنك كفرت بالكتابة والشعر؟، ليس مربحا أن تكون أديبا،أحيانا حتى وأنت معروف جدا تعاني كثيرا لإيجاد ناشر لكتابك، ثم لا تكون لديك حقوق تأليف، حاولي أن تتقربي من أكبر الأدباء وسترين، الوضع مزر، ستصابين بنكسة حادة أو أزمة قلبية قاتلة، وتنسين بعدها الأدب والثقافة جملة وتفصيلا،حاولي أن تقتربي من وزارة الثقافة، من مؤسسة ثقافية حكومية، هل قرأتِ الغثيان لجون بول سارتر؟ ماذا تريدينني أن أقول؟، كل ما أعرف هو أنني لست مثقفا وأكره الثقافة. حين تكبر في جزائر السبعينات ثم الثمانينات فالتسعينات وتكون شاعرا ويكون اسمك عبد الله بوخالفة أو بختي بن عودة أو عمار مرياش فإنه ليس أمامك سوى الإنتحار أو الإغتيال أو الهجرة، إنهم مجرد رموز غيرهم كثيرون طبعا. الآن أعود، أعود لا كما يعود أوديب ولا كما يعود سمك السلمون، كبرت على العشق الأمومي ومازلت شابا على الموت، أعود كما يعود العاشق، بالضبط كما يعود العاشق، بلهفة وأمل أتوقع خيبته فلا أنظر إلى جهته، هناك أشياء لا أعرف كيف أعبر عنها، ثمة إمرأة أحببتها منذ أكثر من عشرين عاما ولا زلت أحلم أن أراها، هل ثمة أحد يصدق الشاعر عمار مرياش؟.