اختار القيّمون على قسنطينة عاصمة للثقافة العربية حرف القاف شعارا للتظاهرة وبرّروا الاختيار بكون الحرف موجودا في كلمات قسنطينة، ثقافة وتقاليد. كلمات استلطفها المنظمون على ما يبدو، وزادوا على ذلك بالقول أن فنانين من الوزن الكبير أحبوا الحرف ذاته. قد يكون الحرف قابلا للحب، لكنه موجود في كلمات أخرى غير طيبة، ليس هذا مقام ذكرها. ولو أن السادة الذين سلف ذكرهم يعرفون ما قاله الجد ابن منظور في الحرف لوفروا على أنفسهم عناء تسوّل أراء أوزان الفن الثقيلة ( وأما القاف فأمتن الحروف وأصحها جرسا!) لكنهم للأسف أجهدوا أنفسهم في البحث عن الكلمات الثلاث التي يجمعها الحرف السحري لتبرير سلوك واضح ولا يحتاج إلى تبرير، ويكشف أولا و أخيرا عن فقر محزن في الخيال وعن استهتار بمدينة تعد مفرخة للفنانين التشكيليين الذين لن يتردّد الكثير منهم في تقديم شعارات تعكس روح المدينة وتاريخها ورمزيتها مجانا لو طلب منهم ذلك. ولأنه لا شيء بالمجان فإن كوادر عاصمة الثقافة العربية ستكون من العاصمة وستكون ناطقة بالفرنسية لتتواصل بيسر مع الضيوف العرب الذين قد يحتاجون إلى قواميس أو لغة الإشارة للحديث مع مستقبليهم، ويكفي أن نشير هنا إلى تكليف مذيع فرنكوفوني بالإدارة الإعلامية للتظاهرة. ولسنا هنا في موقع مناهضة هذا الزميل ولا اللغة الفرنسية، لكن طبيعة النشاط تقتضي وجود عارفين بالثقافة العربية وفي قسنطينة من الصحافيين و الكتاب الذين يحسنون أكثر من لغة وينطقون بأكثر من لسان، أي يفون بغرض الترجمة مثلا بين الضيوف العرب والمنظمين العجم حين يقتضي الأمر ذلك. أما إذا كانت مقاصد (القاف موجودة هنا أيضا) التظاهرة تختلف عن تسميتها فذلك أمر آخر لا يعرفه إلا الضالعون في علوم القاف. وبعد عرفت الجزائر تظاهرات ثقافية كبرى في السنوات الأخيرة خصصت لها اعتمادات مالية ضخمة و"شغّلت" عددا لا بأس من المواطنين في ميادين النشر والإنتاج والطباعة وغيرها.. لكن ذلك لم يرفق بنقاش عما قدمته هذه التظاهرات كقيمة مضافة للثقافة الوطنية، ولا عن مستوى المنتوج .