أمام نمو بطيء و سوق شغل عاطل لم يكن امام الأمريكيين سوى اختيار الجمهوريين في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي وضعت الرئيس باراك اوباما في وضعية غير مريحة قبل سنتين من انتهاء عهدته. و اعتبر الرئيس اوباما فوز الحزب الجمهوري بالغرفة السفلى للكونغرس "ضربة" حيث فاز الجمهوريون ب 241 مقعدا في حين تقدر الأغلبية ب218 نائبا. و زاد قلق الامريكيين و خيبتهم ازاء وعود و أهداف الرئيس اوباما الذي وعد في بداية عهدته بأن برنامجه الانعاشي المقدر ب800 مليار دولار سيمنع نسبة البطالة من تجاوز 8 بالمائة إلا أنها تفوق 10 بالمائة حاليا. و عبر الأمريكيون عن عدم رضاهم بالاصلاحات التي تمت مباشرتها سنة 2010 و التي لم تف بوعودها على غرار نظام التأمين على الصحة و اصلاح بورصة "وول ستريت". و ابدى الجمهوريون سخطهم ازاء النتائج الهزيلة لمخطط الانعاش و مساهمته في ارتفاع الديون العمومية في حين يرى العديد من المحللين الاقتصاديين انه لولا هذا المخطط لعرفت الولاياتالمتحدة ركودا اقتصاديا حادا. و بعيدا عن كونها مسؤولة عن هذه الوضعية تجد إدارة أوباما صعوبات في حل مشكل الديون الذي بدأ مع نهاية الثمانينات و دفعته الأزمة المالية إلى مستويات تبعث على القلق حيث فاقت الديون العمومية الامريكية 13000 مليار دولار. و حذرت الوكالة الأمريكية لضمان الإيداعات البنكية انه "إذا لم يتم اتخاذ التدابير التي من شأنها حل مشكل المديونية فإن الديون العمومية ستفوق 62 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2010 و 185 بالمائة سنة 2035" معتبرة أن هذه القروض "تهدد بطريقة مباشرة الاستقرار المالي بالولاياتالمتحدة". كما يعاني اقتصاد اقوى دولة في العالم من عجز الميزانية الذي قدر سنة 2010 بحوالي 1300 مليار دولار أي 9ر8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و قد يبلغ 1416 مليار دولار سنة 2011 (2ر9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام). و ازداد هذا العجز خاصة مع إدارة الرئيس بيل كلينتون خلال التسعينات لتزيد حدته خلال عهدة جورج والكر بوش الذي شن حربين مكلفتين بافغانستان و العراق و تبنى تخفيضات في الضرائب على الأغنياء. و قال الرئيس اوباما مقترحا تجميد رواتب حوالي مليوني (2) عامل بالحكومة الفدرالية ان عجز الميزانية "سيستدعي تضحيات جسام". و إن كان بإمكانه المساهمة في التقليص من الثغرة المالية فإن مشروع قانون الغاء التخفيف الجبائي الذي جاء به الرئيس والكر بوش قوبل بالرفض من قبل الكونغرس أمام معارضة قوية من الجمهوريين المعززين بفوزهم في الانتخابات. و هذا ما دفع بالرئيس أوباما لاعتبارات سياسية تحسبا للانتخابات الرئاسية إلى مباشرة سياسة قد تؤدي حسب الملاحظين إلى وضع سياسي يتمثل في تجاوز السياسات التقليدية القائمة على ثنائية القطبية السياسية بين اليسار و اليمين. أما على الصعيد الدولي فإن اهم نجاح لادارة أوباما سنة 2010 كان مصادقة الكونغرس على معاهدة تخفيض الاسلحة النووية الاستراتيجية (ستارت) بين الولاياتالمتحدة و روسيا حيث اعتبر ذلك وسيلة في سياسته للحد من انتشار الاسلحة النووية و التقارب بين البلدين. و يتعلق هذا الاتفاق بين اكبر قوتين نوويتين في العالم بما لا يقل عن 1550 راس نووي منتشرة في كلا البلدين أي بتخفيض بنسبة 30 بالمائة مقارنة بتقرير 2002 بالاضافة إلى آلية تفتيش من أجل ضمان احترام الطرفين للمعاهدة. و في العراق حيث تبين عدم وجود اسلحة الدمار الشامل اعلن الرئيس الأمريكي في سبتمبر الفارط نهاية العمليات العسكرية الأمريكية مؤكدا عدم مشاركة الجنود الأمريكيين المتبقين في العراق و المقدر عددهم ب50.000 جندي في القتال حيث ستقتصر مهمتهم في تكوين الجيش العراقي قبل الانسحاب الكلي في نهاية 2011. و كان الرئيس اوباما قد أكد مؤخرا لدى معالجة السياسة المنتهجة بافغانستان أنه ينوي دائما تقليص عدد الجنود الأمريكيين بهذا البلد ابتداءا من جويلية 2011. و تجدر الإشارة إلى ان حوالي 100.000 جندي امريكي يوجدون حاليا بأفغانستان يضافون إلى 40000 جندي من الحلفاء تحت راية حلف شمال الأطلسي. و كانت سنة 2010 السنة الأكثر دموية بالنسبة للجنود الأمريكيين بافغانستان منذ 2001 حيث قدر عدد القتلى ب480 جندي منذ شهر يناير. كما كان تجميد المفاوضات المباشرة التي بادرت بها واشنطن بين الفلسطينيين و الاسرائيليين في سبتمبر الفارط نقطة سوداء في السياسة الخارجية. ففي الوقت الذي كان فيه الطرف الفلسطيني إلى وقف بناء المستوطنات الاسرائيلية بالضفة الغربية و القدسالشرقية من أجل مواصلة المفاوضات المباشرة قررت حكومة نتانياهو عدم ايقاف ورشات البناء. و امام هذا الاخفاق اختارت الولاياتالمتحدة اللجوء إلى المحادثات غير المباشرة في حين اعتبر الرئيس الأمريكي منذ اشهر ان التوصل إلى اتفاق سلام قبل سنة يعد "حيويا بالنسبة للأمن القومي". و في مجال مكافحة الإرهاب الذي يعد "اهم التحديات التي تواجهها الولاياتالمتحدة و العالم" أعلن الرئيس الأمريكي في ماي الماضي عن "استراتيجيته الجديدة في مجال الأمن القومي". و أعد هذه الاستراتيجية مستشار الأمن القومي جيم جونس و مستشار مكافحة الارهاب حيث تعتبر الحرب المعلنة على منظمة القاعدة أحد اعمدة ضمان أمن الولاياتالمتحدة. و بشأن مكافحة الارهاب باليمن و الصومال و الباكستان و مختلف المناطق الأخرى أكد مستشار مكافحة الإرهاب ان الولاياتالمتحدة "ستستخدم القوة بأكثر حذر".