بحلول يوم الأحد القادم تمر51 سنة على قيام السلطات الاستعمارية الفرنسية بتفجير أول قنبلة نووية لها بمنطقة رقان بولاية أدرار تحت اسم "اليربوع الأزرق" وبذلك دخلت مدينة رقان الهادئة تاريخ التفجيرات النووية. ففي يوم 13 فيفيري من سنة 1960 أمرت السلطات الاستعمارية العسكرية عشية إطلاق"اليربوع الأزرق" اهالي المنطقة بمغادرة بيوتهم والالتحاف ببطانيات مع بزوغ الشمس فيما نصحت أسر المعمرين بإخلاء الديار والالتحاق بمدينة أدرار التي تبعد عن رقان بأزيد من 150كلم تحسبا لأي طارئ. واليوم و بعد مرور51 سنة لا تزال منطقة إطلاق القنبلة والمعروفة "بالنقطة صفر" والتي تعلوها ركام للخردوات والرمال المتحجرة مصدر خطر ومنبع لانبعاث الإشعاعات النووية حسبما تحذر مديرية البيئة للولاية التي أمرت بتسييج المنطقة ومنع دخولها لأن الخطر لا يزال قائما سواء على صحة الأشخاص أو الحيوانات. وقد أجرت فرنسا 17 تجربة نووية بالصحراء الجزائرية في الفترة الممتدة ما بين 1960 و 1967 من بينها 13 تفجيرا نوويا بمنطقة تمنراست في (إن أكر) وأربع تجارب أخرى بمنطقة أدرار برقان لازالت آثارها جلية على البيئية وعلى الصحة. وحسب دراسات وبحوث أعدها المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 فإن فرنسا لم تكتف بإجراء تجاربها النووية لاسيما إبان الاحتلال على عينات من مختلف الحيوانات والنباتات بل أجرت أيضا هذه التجارب على 150 سجينا من بينهم نساء حوامل وأطفال وشيوخ "قصد إبادة الشعب الجزائري والثورة التحريرية". وقد استعمل الإستعمارالفرنسي أثناء اجراء هذه التجارب "اللانسانية" - كما أوضحت هذه الدراسات- "أجهزة خاصة للتمكن من تحديد مفعول التفجير النووي والإشعاعات الناتجة عنه على الكائنات الحية والنباتات والمياه". وحملت القنبلة الأولى التي فجرت بإن أكر في 13 فيفري 1960 حسب نفس المصدر، اسم "الجربوع الأزرق" حيث بلغت طاقتها التفجيرية 70 طن وبالتالي فهي تفوق ثلاث مرات القنبلة التي القيت على مدينة هيروشيما باليابان. ومع مرور الوقت على هذه الجريمية التي ارادت سلطات الاستعمار طمس آثارها على المجتمع الدولي وانعكاساتها على البيئة والانسان فقد اعترفت صحف فرنسية خلال السنوات الاخيرة بأن الجيش الفرنسي إستعمل مجندين في أولى التجارب النووية التي أجريت بصحراء الجزائر في مطلع الستينات مشيرة الى تصريحات الوزير الفرنسي للدفاع هيرفي مورين التي ذكر فيها ان بعض التجارب قد "أدت إلى انعكاسات إشعاعية". وقد جاءت تقارير هذه الصحف لتضاف الى ما تم كشفه خلال السنوات الأخيرة من خلال الفيلمين الوثائقيين "اليربوع الأزرق" (2009) لجمال وهاب و"ريح الرمال صحراء التجارب النووية" (2008) لجمال بن شيحة. و كان الفيلم الوثائقي "كم أحبك" الذي أخرجه المخرج الراحل عز الدين مدور في فترة الثمانينات قد كشف عن استعمال جزائريين كفئران تجارب بقلب "نقطة صفر". وأبرز العديد من المختصين في الاشعاع النووي ان الآثار المأساوية لتلك التجارب على البيئة والإنسان مازالت تسجل إلى حد اليوم لاسيما "بمنطقة رقان وضواحيها". وفي هذا الاطار يرى المختصون ان هذه التجارب قد أتت على الأخضر واليابس وخلفت جيلا مشوها من سكان الجهة وكانت بذلك أشد وطأة على العنصر البشري وعلى البئية. ومن جهة اخرى يرى بعض القانونيين بان تنظيمات المجتمع المدني الجزائري مدعوة اليوم الى مطالبة فرنسا ب"توسيع مجال التعويضات" لما خلفته هذه التجارب من أضرار ومآسي و"متابعة الجرائم الناجمة عنها قضائيا عبر المحاكم الدولية والهيئات الأممية" وكذا استرجاع الأرشيف الوطني المتعلق بالحقبة الاستعمارية كونه يعتبر "الوسيلة القانونية" التي تمكن من الكشف عن العدد الحقيقي لضحايا هذه "الجرائم النووية".وبالرغم من سن فرنسا لقانون تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية في مستعمراتها السابقة الا ان العديد من الخبراء في القانون يرون أن هذا القانون محدود النطاق بالنظر إلى مجال تطبيقه و لا يلبي مطالب الجزائريين ضحايا هذه التجارب. وأشاروا الى أن هذا القانون يحد من المسؤولية المدنية من حيث إطاره وحدوده منها اشارته فقط إلى الإنعكاسات الصحية و تطبيقه على أشخاص معينين يعانون من مرض ناجم عن الإشعاعات وهم مسجلون لدى وزارة الدفاع الفرنسية. كما أن هذا القانون يقصي السكان الرحل أو الأشخاص غير القادرين على تقديم شهادة اقامتهم و لو لفترة وجيزة بهذه المراكز العسكرية أو المناطق المحيطة بها. وفي إطار الكشف عن خبايا هذه الجريمة النكراء سطرت جمعية مساعدة الأشخاص المصابين بداء السرطان "الأمل" بالتعاون مع اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية و حماية حقوق الانسان برنامجا ثريا بمدينة ادرار من خلال قافلة التضامن مع سكان المنطقة يتضمن العديد من النشاطات بهذه المناسبة ينشطها العديد من الاساتذة و الاخصائيين تتناول موضوع آثار الاشعاعات النووية و الامراض الناجمة عنها وكذا الجوانب القانونية لهذه التجارب و آثارها على الصحة والاستماع لشهادات ممن عايشوا تلك الاحداث المأسوية.