يشوب المشهد السياسي في مصر ترقبا في انتظار الترتيبات التي سيعلن عنها مجلس الاعلى للقوات المسلحة القائم على تولي امور البلاد للتحول إلى حكم مدني ديمقراطي في موازة الهدوء الذي تعيشه القاهرة حيث عادت اليوم الاحد الحياه الطبيعية إلى وسطها بعد 18 يوما من الاحتجاجات والمظاهرات. وقد انفض الجميع من ميدان التحرير باستثناء مجموعات قليلة لاتزال تفترش الارض ناصبة خيام ترفض الذهاب إلى غاية الاستجابة إلى بقية المطالب ومنها التأكد من مدنية الدولة وانهاء حالة الطوارئ والافراج عن كافة الموقوفين خلال المظاهرات. وكانت بعض القوى التي شاركت في تنظيم التظاهرات كشباب "ثورة الغضب" و"حركة 6 أبريل" و"الجمعية الوطنية للتغيير" وشباب "حركة الإخوان المسلمين" قد سحبت عناصرها من ميدان التحرير على ان تعاود تجمعها يوم الجمعة القادم لاحياء ما سموه "جمعة النصر" و"تنظيم عزاء في الميدان لتكريم شهداء الثورة". وشرع المعتصمون منذ امس في إزالة آثار الدمار وتنظيف ميدان التحرير وتجميله تزامنا مع إزالة الجيش للمتاريس والأسلاك الشائكة في الميدان. في حين شوهد صباح اليوم الموظفون يتوجهون إلى أماكن عملهم فيما فتحت المصالح الحكومية والبنوك والمحال التجارية أبوابها. وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن مساء امس في بيانه الذي حمل الرقم 4 التزامه بكل المعاهدات الدولية التي أبرمها النظام السابق وطلب من حكومة رئيس الوزراء الحالي أحمد شفيق الاستمرار في مهام عملها. كما تعهد بتأمين الانتقال إلى حكومة مدنية ديموقراطية. واعتبر الخبراء والمحللين السياسيين ان هذا البيان بمثابة رسالة "تطمين" من القوات السلحة للداخل بان الحكم سيبقى مدنيا ديمقراطيا وللخارج بذكر المعاهدات الدولية والاقليمية. وارتات الحركات والقوى والاحزاب السياسية التي تحاول اعادة بناء نفسها والتكيف مع الاوضاع التريث وترقب المشهد وما ستاتي به الايام اقادمة. وقال عضو القيادة الموحدة للشباب وقيادي بحزب الجبهة الديمقراطية المعارضة شادي حرب ان "ائتلاف الشباب قرر ان يقابل حسن النية التي كشف عنها بيان الجيش بالمثل وعلق اعتصامه في انتظار موقف المجلس الاعلى للقوات المسلحة من مطالب "ثورة 25 يناير". وأكد الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى انه في انتظار الاجراءات القادمة وخاصة مسالة تعديل الدستور لاعلان مواقفه وخاصة بالنسبة للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وبدأت القوى السياسية تتحسس خطاها اتجاه النظام الجديد حيث يبدو ان هناك شبه اجماع بين مختلف اطياف المجتمع على ضرورة صياغة دستور جديد لبناء "دولة مدنية ديمقراطية". وصرح وكيل مؤسسي حزب الكرامة امين اسكندر ان الاتجاه العام الذي عبرت عنه القوى السياسية بشكل او اخر وكذا المتظاهرون هو "دولة مدنية ديمقراطية لا دينية ولاعسكرية". وهذا ما يتوقعه ايضا رئيس الحزب الناصري بالنيابة سامح عاشور الذي يستبعد ان تتحول مصر إلى دولة عسكرية لانه "لكي يحث ذلك فلا بد من انقلاب الجبش على وعوده مع الشعب ..ورضوخ هذا الاخير لذلك". وطالبت حركة "شباب 6 أبريل" القوى المعارضة بضمان مدنية الدولة وتوفير أجواء الحرية والاختلاف والتنوع مؤكدة استمرارها فى معركتها السلمية التى دخلت مرحلة جديدة منذ 11 فبراير من أجل تأسيس الديمقراطية والحرية. ودعت الحركة إلى تشكيل مجلس رئاسي يضم مدنيين باختيار الشباب لإدارة شؤون الوطن لفترة انتقالية (لا تزيد على سنة) إلى حين تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتأسيس دستور جديد للبلاد. ومن جهتها أثنت جماعة "الإخوان المسلمين" على دور الجيش المصري في إدارة الأزمة منذ 25 يناير الماضي حتى هذه اللحظة خاصة تأكيدات المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ضمان نقل السلطة سلميا وفق مطالب الشعب. ودعت إلى الإسراع فى تشكيل حكومة انتقالية من "كفاءات وطنية مستقلة" تتولى إدارة البلاد فى الفترة الانتقالية وحل المجالس النيابية وإجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف قضائى كامل. وأكد ائتلاف منظمات حقوق الإنسان المصرية (24 منظمة) على ضرورة بناء دولة "مدنية ديمقراطية برلمانية" مشددا على أهمية صياغة وتبني دستور يحترم حقوق الإنسان و تغيير كل القوانين "سيئة السمعة" وعلى رأسها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات والمؤسسات غير الحكومية بما يتيح إطلاق الحريات العامة والحق في التنظيم. وفي غضون ذلك بدأت تداعيات "ثورة " 25 جانفي تطال العديد من الوزراء ومسؤولين السابقين التي اصدرت النيابة العامة في حقهم مذكرات دولية لتجميد ارصدتهم الجارية على خلفية التحقيقات التي باشرتها معهم. وقد أخذ هذا الموضوع حيزا واسعا من صفحات الصحافة المحلية التي أكدت ان النائب العام تلقى العديد من البلاغات للتحقيق في وقائع فساد ورشوة وتزوير ونهب وسلب واستيلاء على المال العام. وقالت صحيفة "الاخبار" الحكومية ان هذه البلاغلات المقدمة "هي جزء من الوقائع والجرائم التي ارتكبت في ظل حكم كان ياوي ويحمي ويشجع الفساد". ونشرت مجلة "الاهرام" الحكومية من جهتها تقريرا يفيد بخروج 135 مليار دولار من مصر مؤكدة على ضرورة محاسبة اعضاء البرلمان بكل الطرق والكشف عن الذمة المالية للمتربحين منهم.