''سقط مبارك.. فولدت مصر من جديد'' هذا ما تعكسه مظاهر الفرح العارمة التي تعم كل شبر من أرجاء مصر في أول يوم للحرية يأتي فيه الصباح بلا مبارك وحاشيته بعد 30 عاما من حكمه. الجميع يحمل علم مصر ويطلقون كلمات التهاني والعزة والفخر، ربما هذه هي المرة الأولى التي يحمل فيها الشباب علم مصر ليس لتحية منتخب كرة القدم، ولكن يحمله بنوع من الاعتزاز والانتماء ربما لم يراوده من قبل، فالشباب الذي كان يبحث عن مخرج من مصر، خرج قبل 18 يوما ليصنع ثورة هي الأولى في عمر أقدم حضارة يصنعها جيل الشباب، ومع تصميمه وإصراره وتقديم الشهداء حتى تحقق مطلبه الأكبر برحيل الرئيس مبارك. على الرغم من أن ميدان التحرير كان ساحة التظاهر ومركزه، إلا أنه تحول منذ مساء 11 فبراير لمركز الاحتفال؛ حيث قام عشرات الآلاف بتأدية صلاة فجر السبت في الميدان سبقتها ركعتا شكر للّه على النصر، ثم بدأت العديد من المجموعات من الشباب ممن ينتمون للطبقة العليا في المجتمع بتقسيم أنفسهم كمجموعات؛ حيث قامت مجموعة كبيرة بتولي مهمة تنظيف شوارع وسط البلد وإخلاء الميدان من كافة أشكال التحصين ضد بلطجية الحزب الحاكم، الذين كانوا يهاجمون المتظاهرون بالأسلحة النارية والرصاص الحي. وفي خضم الفرحة العارمة، انطلقت حملة ''يلا ننظف مصر'' في كافة أنحاء الجمهورية لإزالة آثار المظاهرات، فوسط الأغاني والهتافات تقوم مجموعة أخرى من الشباب بدارسة حجم الأضرار التي لحقت الميدان وكيفية إصلاحها، بينما تبقي الخيام متمركزة بوسط الميدان بمن يرابطون بأماكنهم لحين تلبيه كافة المطالب، وهناك مجموعة ثالثة قامت بتنظيم المرور بشكل حضاري ودون تكليف من احد. وبين الحين والآخر تجد منهم من يسجد للّه شكرا على النصر، مؤكدين أنهم يتنفسون الحرية. الثورة في مصر لازالت قائمة موازاة مع ذلك، كانت المجموعة السياسية تقوم بعقد جلسات مطولة أعقبها مؤتمر صحفي حددت فيها مطالب الشعب، وبعد أن قدمت التحية للقوات المسلحة وتحية لأهالي شهداء الثورة، أكدوا أن ثورتهم مازالت قائمة ومستمرة لحين تنفيذ مطالبهم، وحددوها في شكل يؤكد على الخبرة والوعي والنضج السياسي. وتتمثل في: إلغاء حالة الطوارئ فوراً، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين، إلى جانب إلغاء الدستور الحالي وتعديلاته، وحل مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، وإنشاء مجلس حكم رئاسي انتقالي يضم خمسة أعضاء من بينهم شخصية عسكرية وأربعة رموز مدنية مشهود لهم بالوطنية ومتفق عليهم، على ألا يحق لأي عضو منهم الترشّح لأول انتخابات رئاسية قادمة. كما تتضمن المطالب تشكيل حكومة انتقالية تضم كفاءات وطنية مستقلة، ولا تضم تيارات سياسية أو حزبية تتولى إدارة شؤون البلاد وتهيء لإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة في نهاية هذه الفترة الانتقالية لمدة لا تزيد على تسعة أشهر، ولا يجوز لأعضاء هذه الحكومة الانتقالية الترشّح لأول انتخابات رئاسية أو برلمانية. ومن بين البنود أيضاً، تشكيل جمعية تأسيسية أصلية لوضع دستور ديمقراطي جديد يتوافق مع أعرق الدساتير الديمقراطية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يستفتى عليه الشعب خلال ثلاثة أشهر من إعلان تشكيل الجمعية. ويطالب الثوار أيضاً بإطلاق حرية تكوين الأحزاب على أسس مدنية وديمقراطية وسلمية، دون قيد أو شرط وبمجرد الإخطار، وإطلاق حرية الإعلام وتداول المعلومات عبر كل الوسائل، وحرية التنظيم النقابي وتكوين منظمات المجتمع المدني. وأكد البيان ضرورة إلغاء جميع المحاكم العسكرية والاستثنائية وكل الأحكام التي صدرت عنها في حق مدنيين من خلال هذه المحاكم. وناشد الثوار القوات المسلحة بأن تعلن تبنيها الكامل لكل هذه القرارات ومطالب الثورة وانحيازها التام إلى الشعب. وأكد الثوار أنهم سيقيمون خلال الأيام القادمة عزاء كبيرا في ميدان التحرير لشهداء الثورة. وأضاف الثوار أن جبهة الدفاع عن ثورة الغضب ستكون منوطة بالتواصل مع الجيش لعرض مطالب الشعب وتحديد جدول زمني لتنفيذها. بينما طرح عدد من منظمات المجتمع المدني ما أطلقت عليه ''خريطة طريق نحو دولة الحق والقانون''، وتتضمن المطالب ذاتها، بالإضافة إلى شخصية مدنية تتولى وزارة الداخلية، وحل جهاز مباحث أمن الدولة باعتباره ركيزة الدولة البوليسية، ومع تأجيل انتخابات الرئاسة وعدم توفير أي حصانة قانونية للرئيس السابق حسني مبارك. الجيش يطمئن باحترام المعاهدات الإقليمية والدولية وفي وسط ذلك خرج المجلس الأعلى للقوات المسلحة ببيانه ال4 الذي وقف المتظاهرون في ميدان التحرير يتابعونه باهتمام، والذي تناول التزام مصر بكل المعاهدات الإقليمية والدولية، وأن تقوم الحكومة الحالية والمحافظون بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وطالب المجلس المواطنين بالتعاون مع أفراد الشرطة المدنية، وأن القوات المسلحة على ثقة بقدرة مصر على تخطي الظروف الدقيقة، كذلك تضمن القوات المسلحة الانتقال السلمي لسلطة. ورغم تجاهل البيان لإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن كافة المعتقلين، وكذلك الإشارة لبدء الحوار مع شباب الثورة والقوى السياسية، إلا أنه قوبل بالترحاب. وفي الوقت ذاته لجأت وزارة الداخلية للرسائل النصية عبر الهاتف المحمول لبث روح الطمأنينة بين المواطنين ومطالبتهم بالتعاون معها أو ما يعني بالمصري ''فتح صفحة جديدة'' بينها وبين الشعب. وذلكم في وقت، ربما، يمكن وصفه بأن مصر عاشت 18 بلا جريمة سرقة ولا تحرش ولا قتل إلا من رجال الشرطة للمتظاهرين. وسائل إعلامية جديدة تحمل اسم ميدان التحرير وعقب صلاة المغرب انطلقت الاحتفالات مجددا أمس، في كافة أنحاء الجمهورية احتفالا برحيل مبارك، وبين موسيقى السمسمية والأغاني التراثية والوطنية، بينما يقوم المصريون بتوزيع الحلوى والشيكولاطة ونسخ أقراص مضغوطة تحمل خطاب مبارك الأخير وكلمات عمر سليمان التي تلت نص التنحي عن كرسي الرئاسة. في حين بدأ المتظاهرون في إعداد قائمة بميدان التحرير تحت عنوان أعداء الثورة وتضم حتى كتابة التقرير 36 اسما بين إعلاميين ورياضيين وفنانين وقنوات فضائية ومنها الفنان حسن يوسف وسماح أنور وزينة وعمرو مصطفى وحسام حسن وإبراهيم حسن وأنس الفقي وقنوات بانوراما والمحور والحياة. ويبدو أن أسم ''التحرير'' بات ملهما للعديد من التجارب الإعلامية؛ حيث قام محمد مصطفى شردي بإصدار صحيفة يومية قبل أسبوع تحمل اسم ''ميدان التحرير'' ترصد أحداث الثورة يوما بيوم وتوزع مجانا في الميدان، بينما أطلق مجموعة من الإعلاميين قناة ''التحرير'' والتي ستبدأ بثها التجريبي خلال الساعات القادمة، وهي كما وصفها القائمون عليها، قناة مستقلة تبث عبر النايل سات، وتهدف إلي معالجة سياسية اجتماعية للواقع المصري بعد ثورة 25 يناير، ويتولى إداراتها أحمد أبو هيبة. ولكن يبقى أن يتحول 25 يناير لحزب سياسي، فهذا ما يطالب به نخبة شباب 25 يناير، بينما الشباب يؤكدون أن الوقت لم يحن بعد لذلك. كما حملت العديد من الحملات التطوعية لإعادة بناء مصر مجددا ودعمها اقتصاديا اسم التحرير ومنها حملة مجموعة من رجال الأعمال بالخارج، لإنشاء صندوق يسمي صندوق التحرير للمساهمة في إقامة مشروعات اقتصادية ضخمة.