شرعت الحكومة الليبية اليوم الأحد في التحقيق بشأن المواجهات الدامية التي شهدتها مدينة بنغازي (شرق) أمس السبت والتي راح ضحيتها 31 قتيلا على الأقل كما عمدت إلى إتخاذ إجراءات أمنية لتعزيز الأمن جنوب البلاد وسط مخاوف إقليمية من تنامي ظاهرة الإنفلات الأمنى وتأثيرها على إستقرار في منطقة الساحل الإفريقي. وعلى خلفية المواجهات التي شهدتها بنغازي بين متظاهرين مناهظين للميليشيات المسلحة وعناصر كتيبة عسكرية محسوبة على الجيش الليبي يوم امس أكد رئيس الحكومة الليبية المؤقتة علي زيدان اليوم بأن وزارة الداخلية والشرطة العسكرية في ليبيا قد باشرت تحقيقاتها في هذه المواجهات . وأوضح زيدان بأن "الجهود التي بذلها عدد من المسؤولين كللت بإنهاء القتال وخروج عناصر الكتيبة من المعسكر ودخول مواطنين وقوات الجيش إليه حيث تولت السيطرة على الأسلحة الثقيلة والتصرف بها" داعيا إلى "توخي الحيطة والحذر في هذه المرحلة والتحلي بضبط النفس لأن البلاد لا تحتمل هذه التداعيات لما لها من آثار سلبية على الوطن وعلى الأمن والسلامة". وفي غضون ذلك عمدت الحكومة الليبية إلى إتخاذ سلسلة إجراءات امنية لتعزيز الأمن جنوب البلاد خاصة على الحدود حيث تقف هذه التدابير الأمنية على نطاقين "أولهما إستعادة السيطرة على مدن الجنوب وثانيا مراقبة الحدود " كما تم تخصيص مبالغ مالية معتبرة (1500 دينار ليبي /1200 دولار أمريكي) لكل من يقبل العمل في هذه المنطقة الصحراوية من الجنوب الليبي". وفي ذات السياق حث المؤتمر الوطني الليبي العام (البرلمان) الليبيين على "تغليب لغة الحوار ومصالح الوطن" داعيا "جميع الأطياف السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى تجنب ما أسماه ب "منزلقات الفتنة ومسببات النزاع" مشددا على "ضرورة أن تحل القضايا كافة بروح المسؤولية الوطنية بعيدا عن لغة التخوين والإقصاء لأي طرف من أجل حماية البلاد وصون الدماء التي دفعت من أجل تحريرها من النظام السابق". ووقعت هذه الأحداث بمعسكر لكتيبة مسلحة (درع ليبيا) معتمدة من قبل الجيش الليبي بعد مطالبة مجموعة من المواطنين بتسليم المعسكر إلى الجيش الليبي و إخراج عناصر الكتيبة منه من أجل إنهاء مظاهر التسلح فحدثت مواجهة بينهم وبين قوات الدرع ترتب عليها مقتل 31 شخصا وإصابة 60 آخرين على الأقل في آخر حصيلة. — مطالب نزع السلاح تحظى بتأييد حكومة زيدان — ويرى محللون أن مطالب نزع السلاح تعالت في الأونة الاخيرة خاصة بعد قيام مسلحين بمحاصرة العديد من الوزارات وعلى رأسها وزارة الخارجية و العدل و المالية لفرض قانون العزل السياسي فضلا عن تنامي خطورة الحوادث الأمنية بالبلاد حيث شن مسلحون شهر ماي الماضي هجوما على قوة تابعة للجيش الليبي بالقرب من مدينة الكفرة الحدودية واختطفوا عشرة من عناصره. وفي هذا الصدد يرى زيدان أنه "ينبغي تفهم مطالب نزع الأسلحة وعودتها للجيش والشرطة (...) ويجب إيجاد حلول لوضعية السلاح في البلاد حتى لا تتكرر هذه الأحداث لأن وجود هذا السلاح بهذه الكمية قد يؤدي لما حدث في بنغازي" . وتأتى المطالب بتسليم معسكر كتيبة (درع ليبيا) ببنغازي إلى الجيش الليبي بعد أيام من تسلم قيادة الجيش الليبي لمعسكر آخر يسمى (وحدة الدروع) بمنطقة تاجوراء في ضواحي العاصمة طرابلس كانت تسيطر عليه كتيبة (المراسى) التابعة لما يسمى "المجلس العسكري لمصراتة" حيث كلفت بحماية المعسكر منذ أوت 2011 وهو ما إعتبره رئيس أركان الجيش الليبي اللواء يوسف المنقوش "خطوة أساسية وحقيقية في اتجاه إعادة بناء الجيش". كما أعلنت رئاسة أركان الجيش الليبي في ذات الصدد عن خطة لنقل كافة معسكرات الجيش خارج المدن وذلك "لمساعدة الحكومة على تنفيذ مشاريع التنمية والإسكان". ويعد معسكر (وحدة الدروع) من أكبر وأهم المواقع العسكرية الخاصة بوحدات الدروع حيث يضم مئات الآليات العسكرية الثقيلة مثل "ناقلات الجنود" و"المدرعات" بجانب قطع الغيار كما يحتوي المعسكر على وحدة كبيرة لصيانة المعدات العسكرية. — الوضع في ليبيا يثير المخاوف حول إستقرار منطقة الساحل الإفريقي — ويثير الوضع الأمنى في ليبيا قلق العديد من الأطراف الإقليمية و الدولية حيث طالب الرئيس التشادي إدريس ديبي المجتمع الدولي بمساعدة السلطات الليبية على فرض الأمن محذرا من أن يؤدى الإنفلات الأمنى في البلاد إلى "إنفجار المنطقة بكاملها (...) خاصة و أن الأراضي الليبي أصبحت تشكل قاعدة خلفية للعناصر المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل الإفريقي". ودق الرئيس التشادي في حوار له مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية امس السبت ناقوس الخطر بخصوص الأمن الليبي معتبرا أن البلاد "تقترب من الإنفجار" معتبرا أن " العديد من العناصر المسلحة لها إرتباط بتنظيم القاعدة الإرهابي". نفس المستوى من القلق أعربت عنه النيجر الذي دعا إلى مساعدة طرابلس على تحقيق الإستقرار في البلاد وذلك بعد العمليتين الإنتحاريتين اللتين وقعتا في 23 ماي الماضي شمال النيجر والتي تقول النيجر أن "عناصر مسلحة دخلت من الحدود الليبية قامت بتنفيذهما". واوضح البيان الصادر عن الخارجية النيجيرية منذ أيام أن نيامي "لا تقصد التشكيك في قدرة السلطات الليبية على التحكم في الوضع الذي تعرفه البلاد (...)وإنما تسعى فقط إلى حث المجتمع الدولي على تحمل مسؤوليتها حيال ليبيا". ومن أجل تحسين الامن في البلاد يرتقب أن يصل إلى البلاد وفد من خبراء من حلف شمال الاطلسى (الناتو) "للتعرف على كيفية المساعدة فى تحسين الامن فى بلد يواجه صعوبات لاحتواء ميليشيات مسلحة ووجود متزايد لمقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة فى الجنوب". كما أعرب وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان مؤخرا عن إستعداد بلاده لمساعدة ليبيا في مراقبة حدودها. يشار إلى أن مدن الجنوب الليبي خاصة الكفرة (1400 كم جنوب ليبيا) على الحدود مع دول تشاد والنيجر والسودان تعاني من تنامي حالات تهريب السلاح وتجارة المخدرات وحركة المهاجرين غير الشرعيين مع حدود صحراوية شاسعة تتجاوز مساحتها أربعة آلاف كلم مربع مع دول الجوار . يذكر أن السلطات الليبية قد أعلنت نهاية العام الماضي الجنوب الليبي خاصة مدينة الكفرة "منطقة عسكرية مغلقة" وأغلقت حدودها البرية مع دول تشاد والسودان والنيجر بهدف السيطرة على حركة عبور الأسلحة من وإلى ليبيا بالإضافة الى الحد من تدفق المخدرات بكميات ضخمة.