لقي الاتفاق الأولي الموقع يوم الأحد بين إيران ومجموعة (5+1) الدولية حول برنامج طهران النووي ترحيبا دوليا واسعا لكونه "فرصة ذهبية" لطهران لتحسين علاقاتها مع الغرب قابله تحفظ إقليمي على ترسيم إيران "كقوة نووية" في المنطقة. وفور الاعلان عن توصل إلى إتفاق اليوم بجنيف يقضي بوقف تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية مقابل تخفيض العقوبات الدولية ضد طهران قال الرئيس الأميركي باراك أوباما ان هذا الاتفاق "يعد خطوة هامة أولى نحو حل شامل للملف النووي الإيراني من منطلق إجهاض فرصة حصول طهران على قنبلة نووية" مشددا على ان "عدم تقيد إيران بالتزاماتها بمقتضى الاتفاق سيجعل واشنطن تتراجع عن التسهيلات الخاصة بنظام العقوبات". وأقر أوباما بحق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية قائلا "لقد تقدمنا الى هذه المفاوضات مع إدراك أساسي بأن ايران مثل أي دولة يجب ان يكون بمقدورها الحصول على الطاقة النووية السلمية" مشيرا إلى أن هذه الخطوة "ستمنح الوقت على مدى ال6 أشهر المقبلة لمزيد من المفاوضات لمعالجة هواجسنا تماما بشأن البرنامج الإيراني". على نفس الصعيد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن "جوهر هذا الاتفاق يستند إلى فكرة طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" و ان التوصل اليه يتوج الاتصالات التي مرت على مدى سنوات مشيرا الى أنه ومع "وصول رئيس جديد لايران شعرنا بأن الاعلان عن الرغبة لحل هذه المعضلة يحمل تحت طياته أساسا جادا". ومن باريس أكد الرئيس فرنسوا هولاند ان "الاتفاق يساهم في حفظ الأمن والسلام كونه لا يتيح لإيران إلا الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية" معتبرا أنه "خطوة مهمة نحو تحقيق السلم و الأمن الدوليين" وموضحا ان ذلك "يلبي المتطلبات التي وضعتها فرنسا بخصوص المخزونات وتخصيب اليورانيوم وتعليق تشغيل المنشآت الجديدة وأيضا الرقابة الدولية على البرنامج الايرانى". وبدوره وصف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الاتفاق الذي ب"الهام" و"المشجع" مشيرا إلى أن ذلك "يظهر أنه بالإمكان العمل مع إيران وتحديد المشاكل المستعصية من خلال الدبلوماسية لإيجاد حلول لها". نفس الترحيب أعرب عنه وزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي أوضح أن "هذا الاتفاق يفضي إلى حماية نظام عدم الانتشار النووي الدولي وإلى الحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط" معتبرا "أنه يشجع الأطراف على للتواصل الطبيعي مع إيران كما يساعد الشعب الإيراني على أن يعيش حياة أفضل". وبعد إجراء مراسيم توقيع نص الاتفاق الأولي الساري المفعول لمدة ستة أشهر المقبلة بحضور وزراء خارجية الدول الست (الولاياتالمتحدة و بريطانيا وروسيا والصين وفرنسا إضافة إلى ألمانيا) ونظيرهم الإيراني إعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن ذلك "يفتح آفاقا جديدة" للتعامل مع الغرب معلنا أن "ايران اصبحت الآن رسميا دولة نووية سلمية واحدى الدول التى تملك النشاط النووى السلمى وقدرة التخصيب وفى كل المجالات السلمية النووية". وفي سياق متصل أوضح متتبعون للملف النووي الإيراني أن سعادة الإيرانيين ليست نابعة من الوصول إلى اتفاق فحسب بل لأنهم يعتبرونه فرصة ثمينة لتحسين الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد خاصة و أنهم عانوا طيلة السنوات الماضية جراء العقوبات الاقتصادية "الخانقة" ووصول بلادهم إلى حالة من "العزلة الاقتصادية والسياسية" حيث سيمنحهم هذا الاتفاق ممرا للخروج من تلك الأزمات المتراكمة وتحسين سبل العيش داخل البلاد. — تباين في ردود الفعل الاقليمية على سياسة التهدئة مع إيران — إقليميا إعتبرت الخارجية السورية أن التوصل إلى إتفاق بشأن الملف النووي الإيراني يعد "دليلا على أن الحلول السياسية لأزمات المنطقة هي الطريق الأنجع لضمان الأمن والاستقرار فيها" وأن "هذا الاتفاق يمهد السبيل نحو جهد دولي لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل لاسيما بعد انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية" مؤكدة ان "إسرائيل تبقى العقبة الوحيدة التي تحول دون تحقيق هذا الهدف كونها الطرف الوحيد الذي يملك السلاح النووي ويرفض وضع منشآته النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وفي رد فعل مماثل أعربت الرئاسة الفلسطينية عن دعمها لجهود إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل معتبرة "إن ما جرى في جنيف هو رسالة هامة لإسرائيل بأن تعرف أنه لا مفر من الاتفاق لتحقيق السلام" كما أنه " دليل ان لا سلام من دون اتفاق قائم على العدل وعلى الشرعية الدولية". واعتبرت اسرائيل التي تمتلك السلاح النووي ان الاتفاق حول برنامج ايران النووي يشكل انتصارا دبلوماسيا لطهران " معلنة "على لسان وزير خارجيتها عدم إلتزامها بنص الإتفاق. وحول ردود الفعل الإسرائيلية أوضح المحللون أن الإيرانيين لديهم قناعة تامة أن ما تفعله إسرائيل تجاه بلادهم ليس من منطلق البرنامج النووي فحسب لكن من منطلق حرصها على عدم تغير موازين القوى والمشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والنابع من اعتراف واشنطن والغرب بطهران "كقوة إقليمية كبرى" حيث إن ذلك سيغير الكثير من الأمور بالنسبة لإسرائيل وسيمثل استفادة كبيرة لطهران بعلاقات قوية ومفيدة مع واشنطن والقوى الغربية الأخرى. نفس التحفظ أبدته المملكة العربية السعودية على لسان سفيرها في بريطانيا محمد بن نواف الذي قال امس السبت قبل الاعلان عن الاتفاق ان سياسة "التهدئة لم تنجح في الماضي ولا أظن أنها ستنجح في القرن الحادي والعشرين" منتقدا ما يراه "فشلا غربيا" في هذا الصدد. وعلى خلفية هذه التطورات الجارية تنعقد اليوم قمة ثلاثية بين كل من قطر والسعودية والكويت وفي أجندتها بحث القضايا ذات الصبغة الاقليمية والدولية وانعكاساتها على دول الخليج العربي و في مقدمتها الملف النووي الإيراني . يشار إلى انه لأول مرة منذ قرابة عقد يتم التوقيع على إتفاق يوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني بينما ستتراجع طهران عن أجزاء أساسية من هذا البرنامج خاصة مع إلتزامها بوقف تخصيب اليورانيوم لبعض المستويات وإبطال مفعول جزء من مخزونها. بالمقابل ينص الاتفاق على تخفيف العقوبات الدولية عن إيران بمبلغ يعادل سبعة مليارات دولار على شكل السماح لها بالاستفادة من بعض عوائدها النفطية المجمدة وتخفيف القيود عن صناعاتها للسيارات والمواد البتروكيماوية وإتاحة فرصة حصولها على الذهب والمعادن النفيسة الأخرى.