وجه رئيس الجمهورية, السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الأربعاء, رسالة بمناسبة انعقاد الدورة ال35 لمجلس وزراء الداخلية العرب. فيما يلي نصها الكامل : "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. أصحاب السمو و المعاليي وزراء الداخلية معالي السيد أحمد أبو الغيطي الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي الدكتور محمد بن علي كوماني الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العربي أصحاب السعادة السفراء و السادة أعضاء الوفود حضرات السيدات و السادة إنه لمن دواعي الشرف و الإعتزاز أن نرحب بكم في بلدكم الجزائر التي كانت و ما زالت حريصة على لم الشمل و تعزيز دعائم وحدة العمل العربي المشترك غايتنا هذه التي ننشدها جميعا باعتبارها السبيل الوحيد لضمان مناعتنا وصمودنا أمام التحديات الراهنة التي لا تخفى على بصائركم الخبيرة بطبيعتها والمستشرفة لعواقبها. يعبر حضوركم هذه الدورة تعبيرا بليغا عن حرصكم على ترقية العمل العربي الأمني المشترك الذي أضحى سلوكا راشدا في منهجية التعامل وتقويما متزنا يتنامى بنوعية هادفة تؤصل للأسس وتستشرف المبتغى الذي يذلل الصعاب بحصافة وتبصر يجوز لنا أن نعتد بالعمل المتواصل الذي يقوم به مجلسكم من خلال مختلف هياكله وآليات عمله على مدار السنة برهانا على إيماننا جميعا بمحورية العمل الأمني المشترك بين المصالح الأمنية لبلداننا و على عزمنا الصريح على ترسيخ وتمتين هذا التعاون الأمني العربي وتعزيز التنسيق بين مختلف الأجهزة و الأسلاك الأمنية العربية. أصحاب السمو و المعالي و السعادة السيدات الفضليات السادة الأفاضل تنعقد هذه الدورة الخامسة و الثلاثين ومناطق عزيزة من وطننا العربي ما زالت تمر بظروف بالغة الخطورة أجل ما تزال بعض بلداننا العربية تكابد الأمرين بسبب حالة اللاإستقرار الأمني الذي تتسبب فيه الأعمال الإرهابية ونشاط الجماعات المتطرفة التي تزرع الرعب و العنف في ربوعها. أما المحيط الإقليمي لمعظم دولنا العربية فهو الآخر ما زال يشهد نشاطا مقلقا لجماعات متشددة تمارس كل أشكال الإجرام و العنف حوالينا وتسلك كل السبل المتاحة لتهدد أمن البلدان التي تنشط بها و كذا أمن واستقرار ما جاورها من البلدان. لقد أضحى هذا الفضاء الافتراض تحديا أمنيا لبلداننا العربية خصوصا و أنه يمثل ملاذا للتنظيمات الإرهابية و كل الشبكات الاجرامية لكونه غير مرئيي لا سيما تلك التي تنشط في الاتجار بالبشر و الأعضاء البشرية والمهاجرين غير الشرعيين والمتاجرة بالمخدرات والأسلحة و المتفجرات وتزوير الهويات و المستندات فضلا عن دوره في تجنيد المقاتلين الجدد و ربط شبكات المقاتلين بعضهم ببعضي و توفير مصادر تمويل خارج الرقابة المنتهجة في إطار تجفيف منابع تمويلها التقليدية. إن الطفرة الهائلة التي شهدها انتشار تكنولوجيات الاتصال و المعلومات ما زالت حبلى بتحديات جسامي وهو ما يجعل مكافحة الجرائم الالكترونية في مقام الأولوية بالنسبة للجزائر التي بادرت إلى اعتماد العديد من الآليات القانونية والتقنية و العملياتية التي لم تكن تأخذ في الحسبان هذا الجانب الأمني الجديد. ومن ثم كانت الجزائر من الدول السباقة إلى المصادقة على الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات كما شرعت حاليا في دعم الإطار القانوني الخاص بمكافحة الجرائم الالكترونية وتحديد كيفيات الرقابة على الانترنت و التصدي لأشكال الإجرام المرتبط بالشبكة الافتراضية. و هذا العمل يتطلب تحكما عاليا في هذه التكنولوجيا المتسارعة واستثمارا فعالا للمعلومة الالكترونية و تتبعا دقيقا لهذه الشبكات و أصحابها. هذاي و تم إنشاء هياكل و أجهزة تعنى بمكافحة هذه الجرائم الالكترونية وعلى رأسها الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها و مراكز عملياتية لدى مختلف الهيئات الأمنية. أصحاب السمو و المعالي و السعادة السيدات الفضلياتي السادة الأفاضل في سياق حديثنا عن كل هذه التحديات يقتضي منا المقام التطرق إلى ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن سابقاتها من حيث المساس باستقرار منطقتنا العربية ألا و هي ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي بدأت تأخذ ابعادا مقلقة لاسيما في الآونة الأخيرة. إن العديد من بلداننا العربية باتت تتوافد عليها أعداد متزايدة من المهاجرين الأجانب الذين دفعت بهم الظروف الأمنية الخاصة السائدة في بلدانهم إلى النزوح نحو بلداننا إما للاستقرار بها ظرفيا أو بقصد العبور إلى وجهات أخرى. فلئن كان من الواضح أن هذه الظاهرة مرتبطة بوضع إنساني خاص يستوجب منا مراعاته و القيام بواجبنا نحو هؤلاء المهاجرين فلا يمكن لنا أن نتجاهل مساعي الشبكات الإجرامية في استغلال هشاشة أوضاع المهاجرين وتوظيفها للقيام بأعمال من شأنها المساس بأمن بلداننا و استقرارها. لذاي يتعين علينا جميعا تكثيف جهودنا المشتركة لمعالجة هذه المسألة ضمن مقاربة مشتركة مبنية على الاحترام التام للقانون و لحقوق الإنساني والسعي الحثيث من أجل المحافظة على سلامة أوطاننا و أمنها. إن الجزائر من منطلق مبادئها الإنسانية و ثقافة شعبها المضياف وحماية منها لضحايا الصراعات والنزاعات كانت سباقة إلى احتضان اللاجئين الذين قصدوها من مختلف المناطق و سمحت لمواطني الدول التي اعترتها هذه الأوضاع الصعبة بالدخول إلى أراضيها والإقامة بها و عملت على إيجاد حلول واقعية وملائمة للتكفل بظاهرة الهجرة و المهاجرين تستمد محتواها من تصور شامل يراعي متطلبات الأمن والتنمية و احترام كرامة الإنسان و التركيز على البعد الإنساني للمهاجرين واللاجئين الذين يعدون ضحايا أزمات اضطرتهم إلى خوض هذا المسلك. أصحاب السمو و المعالي و السعادة السيدات الفضلياتي السادة الأفاضلي أمام كل هذه التحديات استطاعت الجزائر أن تبلغ في الميدان نجاعة في معالجة مثل هذه الظواهر ولعل أبرزها استئصال ظاهرة الإرهاب من جذورها اعتمادا على سياسة حكيمة و وفقا لنظرة متكاملة ومقاربة شاملة تجمع بين العمل الأمني و السياسي وكذا التنموي. فبالموازاة مع عملية الاستئصال التي اضطلع بها جيشنا الوطني الشعبي و كل المصالح الأمنية ضد الجماعات الإرهابية كانت المصالحة الوطنية المرجع الذي زكاه الشعب و عملت السلطات على تنفيذهي و ها نحن اليوم نقطف ثمارها وهذا ليس معناه أن خطر الإرهاب قد زال بل نحن مدركون وواعون باستمراره في التربص بأمننا واستقرارنا. وباعتبار أن الجزائر يرتبط مصيرها ارتباطا وثيقا بمصير العالم العربيي فإنها لم تبخل بتقاسم تجربتها في مكافحة الإرهاب هذه التجربة التي مكنتها من أن تقطع أشواطا معتبرة في إقامة دولة الحق و القانون التي باتت الركن الركين للحياة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية. و قناعة منها بضرورة الاطراد في هذا المسار في أحسن الظروفي أقرت الجزائر من منطلق تجربتها المشهود بها في مكافحة الإرهاب و التطرف العنيف جملة من الإصلاحات في إطار رؤية استشرافية بعيدة المدىي تم تكريسها ضمن أحكام الدستور المعدل في سنة 2016 كخط أصيل وثابت تتجلى أبرز معالمها في ضرورة مواصلة تعزيز دولة الحق و القانون بغية مساندة المسار الديمقراطي و تجذير الحكم الراشد. أصحاب السمو و المعالي و السعادة السيدات الفضلياتي السادة الأفاضل لا يفوتنيي و أنا أختم رسالتي هذه أن أنوه بما وصل إليه مجلسكم من تطور و أثمن عاليا النتائج الطيبة التي أثمرتها أعماله و إنجازاته داعيا الجميع إلى المثابرة في ترقية العمل العربي المشترك تماشيا مع المستجدات الاستراتيجية التي تواجهنا جميعا. إنني على يقين من أن دورتكم هذه ستكلل بالنجاح و التوفيق وستسفر عن نتائج وتوصيات جديدة من شأنها أن تعطي دفعا قويا لمساعي التنسيق الأمني والتعاون بين المصالح المعنية قصد تحقيق ما نصبو إليه جميعا من أمن و استقرار لأوطاننا وتوفير أفضل مستويات الحماية و الأمن لشعوبنا من كل أشكال التهديد. أجدد ترحيبي بكم أشقاءنا أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب و جميع مرافقيكمي في بلدكم الجزائري و أتمنى أن يسدد الله خطانا لما فيه خير أمتنا ورقيها. ستجدون منا كل الدعم والمؤازرة في مسعاكم من أجل بلوغ الغايات المنشودة".