أجمع عدد من الجامعيين والخبراء العسكريين والسياسيين, يوم السبت بالجزائر العاصمة, أن من التداعيات الخطيرة لما يعرف بالربيع العربي هي تغييب قضايا التحرر على رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراء الغربية, محذرين من الترتيبات الأجنبية لنقل الصراع الى المغرب العربي الكبير الذي بدأت بوادره بانتقال الارهابيين الى منطقة الساحل, و الاستفزازات المغربية الاخيرة التي تهدف الى جر المنطقة الى حرب جديدة. وأكد الاستاذ الجامعي, لعقاب محمد لعقاب, في مداخلة له, في ندوة سياسية نظمها حزب تجمع امل الجزائر (تاج) حول "تداعيات الربيع العربي على القضيتين الفلسطينية والصحراء الغربية", في مقر الحزب بالجزائر, أن قضية الربيع العربي تبقى من "القضايا الحساسة جدا والخطيرة والمهمة التي لازالت آثارها قائمة الى يومنا هذا", معتبرا ان هذه الظاهرة بدأت منذ احتلال العراق واسقاط الرئيس صدام حسين لتمتد جذوره الى اليوم لا سيما وان "المسوقين لها لم يطبقوا كل الاهداف التي رسموها لها من قبل". وحسب السيد لعقاب فان الربيع العربي خلف العديد من النتائج لخصها في "انتقال العالم العربي اليوم من الاستقطاب الاسلامي العلماني الى الاستقطاب الشيعي السني", وهو الامر الذي اعتبره لعقاب, من "المخلفات الطائفية الاكثر خطورة على العالم الاسلامي" على غرار ما يحدث في اليمن ولبنان وهي تعيد الى الاذهان الحروب الدينية في اوروبا والتي أدت في الاخير الى المطالبة بالعلمانية من خلال فصل الدين عن الدولة وهو الامر الذي قد ينطبق في بلداننا الاسلامية. ولعل من أهم نتائج الربيع العربي, هي تأثيرها على القضية الفلسطينية التي تعتبر حسبه "اكبر خاسر بعد ان تراجعت الى المقاعد الخلفية" وليست فقط القضية الفلسطينية فحسب انما كل قضايا التحرر في العالم العربي وهو ما ينطبق ايضا على قضية الصحراء الغربية التي يحاول البعض تغييبها وسط محاولات "لربط كفاح الشعب الصحراوي ودفاعه عن النفس بالإرهاب". وعرج الاستاذ الجامعي, على تأثير احداث الربيع العربي على الجزائر والذي ولد كما قال "تباينا كبيرا في الرؤى مع باقي الدول حول القضايا والاوضاع القائمة على غرار ما حدث في ليبيا او القرن الافريقي او اليمن" والذي يعتبر من "أكبر التحديات" التي تواجهها الدولة الجزائرية اليوم. اما الاستاذ في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 السيد اسماعيل دبش, فتطرق من جانبه الى "ضرورة تصحيح المفاهيم ووضع الصورة الصحيحة للنظام العالمي القائم ولما يحاك ضد المنطقة العربية" لا سيما وان الغرب متأكد من ان هناك آليات قوية واستراتيجيات لجعل الثورة داخل الدول العربية في مصلحتهم مؤكدا ان ما يحدث من ازمات داخل المحيط الجيو سياسي للعالم الاسلامي من الكشمير الى أبوجا "ليس صدفة" كما انه يستخدم الاسلام لضرب البلدان الاسلامية مبرزا ان "اكبر ضحية للإرهاب هم العالم الاسلامي". وعن الاسباب التي دفعت الغرب لاستهداف العالم العربي والاسلامي فلخصه السيد دبش في نقطتين اساسيتين هما كون العالم العربي يمتلك ارصدة مالية في البنوك الغربية, اضافة الى كون هذا العالم "يشكل خطرا كبيرا" على تشكيل الكيان الاسرائيلي, ولهذا ما يحدث في المنطقة من حروب بالوكالة بإعتبار أن إسرائيل تبقى اليوم "متغيرا اساسيا في كل لعبة تحاك ضد المنطقة". وعليه فإن السبب الرئيس في ضرب المنطقة العربية هو "القضاء على القضية الفلسطينية" موضحا ان "الدول التي تم تدميرها هي تلك التي كانت ضد اتفاقية كامب ديفيد وشكلت جبهة الصمود والتصدي على راسها الجزائر التي ضربت في التسعينيات من القرن الماضي غير انها خرجت سالمة الى جانب اليمن والعراق و ليبيا وسوريا اضافة الى منظمة التحرير الفلسطيني". وحذر المتدخل في كلمته الفصائل الفلسطينية من خطورة الانقسام داعيا اياهم الى ضرورة الانشغال بقضية الام وعدم الالتفاف حول القضايا الخارجية مع توحيد الصفوف والاتفاق على هدف واحد من أجل تحقيق الهدف هو اقامة الدولة الفلسطينية مبرزا انه في "غياب الوحدة الفلسطينية ستكون السبب في تكوين الكيان اليهودي" . --من الخطأ عزل قضية الصحراء الغربية عن القضية الفلسطينية-- واعتبر من جهته اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد, في كلمة له بالمناسبة أن كل الاحداث التي تشهدها المنطقة من المحيط الى الخليج ما هي الا "صورة جديدة لنظام عالمي قديم" مبرزا لاستراتيجيات الجديدة التي تعتمد عليها الدول للهيمنة من جديد على المنطقة العربية قائمة على "ظاهرة الارهاب واستخدام الاعلام والدعاية الى جانب استخدام الدين". وأكد السيد مجاهد انه من "الخطأ عزل قضية الصحراء الغربية عن القضية الفلسطينية" مبرزا ان "القضيتين على نفس الخط منذ القدم, اذ ان نفس الغاية والاهداف والاستراتيجية الوسائل الحربية مستخدمة في احتلال الدولتين". واستشهد في السياق بسياسة واستراتيجية إسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة مقارنة بسياسة واستراتيجية المغرب في احتلاله للصحراء الغربية فهي نفس الوسائل والتوجهات مستدلا في السياق بجدار العار الذي اعتبره "انجاز صهيوني محض" وهو نسخة طبق الاصل للخط برليف الذي بنته اسرائيل على طول الخط الساحلي لقناة السويس ناهيك عن بعض الوقاع التاريخية الاخرى التي سردها السيد مجاهد "في اطار العلاقات الاسرائيلية المغربية" مبرزا ان "المملكة المغربية كانت احتضنت اول اللقاءات التي تمت بين الدول العربية واسرائيل". واثنى المتحدث عن الصمود الذي أبداه الشعب الصحراوي الذي وصفه ب"المتواضع" وشبه دولته بمدينة افلاطون "في تنظيم شعبه وعبقريته في ادارة قضيته حيث تمكن من التصدي لخمس قوى دولية كبرى بداية من الايطاليين والفرنسيين تلاهم البلجيك والالمان ثم الاسبان وأخيرا المحتل المغربي" مبرزا ان هذا الشعب تمكن من صنع المعجزات في الصمود والتصدي للمحتل بفضل ايمانه الراسخ بعدالة قضيته تمكن من صنع المعجزات ولهذا فهو شعب يستحق ل التقدير والاحترام. واكد من جهته رئيس حزب تاج, عمار غول, في مداخلته أن ما اسماه ب"الربيع الدموي" قضى على كل مقدرات الامة العربية ب"عد استنزاف قدراتها المالية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وأيقظ كل النعرات الدفينة ما قبل الاسلام واحيى كل الفوارق وكل ما له علاقة بالطائفية والجهوية". وحذر غول من ان هناك ارادة اليوم في نقل التوتر من المشرق العربي الى المغرب العربي الكبير , مضيفا أن هناك ترتيبات خارجية تسعى لجعل من منطقة الساحل "منطقة متوترة" باعتبار انها منطقة اصبحت معروفة بسمسرة المخدرات وتجارة الاسلحة وانواع الآفات الاجتماعية مبرزا ان كل منطقة المغرب "مهددة بالتدمير والتفتيت والدمار" محذرا في السياق من أنه من أخطر التهديدات التي تواجه المنطقة اليوم هي "احياء المذهبية والطائفية في المنطقة والقضاء النهائي على الاسلام من خلال خلق شرخ كبير بين السنة والشيعة" . وجدد التأكيد على ان ملفي الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية," هما على خط واحد" معتبرا الاستفزازات المغربية الاخيرة, ضد الجزائر "محاولات خطيرة من اجل جر المنطقة ككل الى نزاع مسلح" محذرا من ان من اهم تداعيات الربيع العربي هي اشكالية التطبيع التي طالت الجميع "ما عدا الجزائر التي تبقى الدولة الوحيدة التي رفضت التطبيع مع الكيان الصهيوني الى جانب كونها البلد الوحيد الذي لا يملك قواعد عسكرية اجنبية على اراضيه". وأكد المشاركون في الختام على أن هناك لوبيات تحاول الأضرار بالعلاقات الجزائرية-المغربية,داعين الى ضرورة تجاوز الاستفزازات المغربية التي تسعى الى اشعال الفتنة في المنطقة. وخلص المحاضرون على ضرورة تبني "الحوار كوسيلة اساسية لحل المشاكل الداخلية وتعزيز اللحمة الداخلية باعتبارها صمام الامان مع تعزيز قدرات الجيش الوطني الشعبي مع التركيز على بناء الفرد في المجتمع من خلال التعليم تعزيز مكانة الاسرة واقتراح انشاء مرصد عربي اسلامي تقوده نخبة من الفضاء العربي الاسلامي لتجريم التطبيع وتعزيز تقارب بين كل دول العالم العربي.