تحولت ليالي النصف الثاني من شهر رمضان المعظم بمدينة ورقلة إلى ما يشبه فضاء يستهوي السكان الذين يشعرون بنوع من "التحرر" من قبضة موجة الحر الشديد التي تحاصر المنطقة منذ مدة. وقد انعكس تزامن شهر الصيام هذه السنة مع هذه الأجواء الصيفية "الثقيلة" على يوميات السكان الذين يحاولون التكيف مع هذه الأجواء المناخية الساخنة الغير مسبوقة حسب شهادات بعض الطاعنين في السن مما فرض على الجميع التقيد بسلوكات محددة قصد تجنب مضاعفات الحر الشديد. وقد خيمت على مدينة ورقلة وعلى غرار العديد من مدن الجنوب طيلة النصف الأول من هذا الشهر الفضيل حالة من السبات العميق الذي تعكسه ظاهرة الهروب الجماعي سواء في اتجاه مناطق شمال الوطن أو الإستقرار بالسكنات التي تتوسط بساتين وواحات النخيل في حين فضل البعض الآخر المكوث في البيوت طيلة ساعات الصيام نهارا التي لم تنخفض بها درجات الحرارة عن سقف 40 درجة مئوية وذلك تفاديا لأشعة الشمس اللافحة حيث يفضل الصائمون التقليل من التنقلات إلا للضرورات القصوى. إلا أنه وبعد انقضاء هذه الفترة من شهر رمضان المعظم بدأت الحيوية تدب تدريجيا في أوصال مدينة ورقلة التي تشهد شوارعها خاصة في الفترات الليلية ما يشبه الغزو الجماعي للصائمين الذين يغتنمون فرصة انحسار الحر للتجوال والتسوق من المحلات و الفضاءات التجارية. ومع اقتراب موسم الأعياد التي تسمى محليا ب" العواشير" تشهد الأحياء التجارية بمدينة ورقلة انتعاشا متزايدا من حيث إقبال الزبائن والمتسوقين الذين يتدفقون على المحلات فرادى وجماعات بشكل يوحي بأنهم قد فكوا الخناق عن أنفسهم ولو لساعات محدودة. و من بين الأحياء التي تعج بالمتسوقين أحياء " دبي" و "الشرفة" التي تنتشر بها محلات متخصصة في بيع ملابس الأطفال والنساء وأخرى تنشط في مجالات بيع مستحضرات التجميل وكل ما يتعلق بأناقة المرأة وجمالها حيث تزدحم هذه الفضاءات في ما تبقى من ليالي هذا الشهر الكريم بالمتسوقات الميسورات الحال اللائي يفضلن التبضع من هذه المحلات الفاخرة . وتقول في هذا الصدد السيدة " ربيعة" ربة بيت في الخمسينات من عمرها " أفضل التسوق رفقة زوجي وبناتي الإثنتين من هذه المحلات رغم ما يشاع عنها عن غلاء أسعارها بالنظر إلى توفر أصناف مختلفة من ملابس النساء والأطفال المعروضة وذات النوعية الجيدة حيث تقل مثل هذه المحلات بهذه المدينة ". ولا تختلف الآنسة " آية" التي يبدو أنها في العشرينات من العمر بعد أن رفضت الإفصاح عن سنها الحقيقي بقولها " أختار اقتناء مشترياتي من مستحضرات التجميل وما يتصل بها من لواحق من محلات هذا الحي " الشهير" لما تعرضه من بضائع عالية الجودة كما أن التجار هنا يمنحون هامشا للتفاوض بشا الأسعار". طاولات اللحم المشوي وأخرى لبيع الشاي... الوجه الآخر لأجواء السهرات ومن بين المظاهر الاجتماعية الأخرى التي تصنع أجواء ليالي رمضان بمدينة ورقلة انتشار ظاهرة طاولات بيع قطع اللحم المشوي على الجمر وأخرى لتحضير الشاي المنعنع حيث تنشط فئات واسعة من الشباب في هذه المهن الخفيفة. وهكذا وبعد أداء صلاة التراويح تنهمك جموع من شباب مختلف أحياء ورقلة في وضع طاولات على الأرصفة منها ما هو مخصص لشواء قطع من اللحم الخالص للديك الرومي المعروف ب " سكالوب" أو "المرقاز" والذي يتم تحضيره على جمر الفحم مما يعطي لهذه اللحوم المشوية نكهة خاصة. ويقول في هذا الصدد الشاب أحمد ( 24 سنة) من حي 400 سكن وسط مدينة ورقلة "لقد تفطنت لهذا النشاط الخفيف بعد أن شجعني رفيقي توفيق ( 25 سنة ) الذي ظل يمارس مهنة الشواء على الأرصفة منذ سنوات سيما في ليالي شهر رمضان المعظم وحقق مداخيل لا باس بها قد يحتاج إليها المرء لتغطية بعض حاجياته". و أضاف هذا الشاب المليء بالحيوية وهو يقلب من حين لآخر وسط سحب من دخان الجمرأغصان متوسطة الطول محشوة بقطع من اللحم والتي تباع بقيمة 20 دج للغصن الواحد بقوله" لقد تعرفت على عدد لا بأس به من الزبائن من مختلف الأعمار الذين يقصدون طاولتي مباشرة بعد صلاة التراويح حيث تتنوع طلباتهم وأسعى بكل جهدي أن ألبي رغباتهم وأحرص على تقديم طبق من الشواء بتوابله وكامل اللذة ". ولا تختلف انطباعات بائع الشاي على الرصيف المشهور بعمي " اعمر" في الخمسينات من العمر والذي ينحدر من الحي الشعبي سعيد عتبة العتيق حيث يجتهد من جهته في إعداد أباريق من الشاي الأخضر المعد على الجمر. ويقول الحاج اعمر " أمارس هذه الهواية التي تحولت فيما بعد إلى نشاط تجاري "مربح " منذ أن كنت في ريعان شبابي وقد تعلمت طريقة إعداد مشروب الشاي من والدي الذي كسب شهرة واسعة حيث كان يدعى لتحضير الشاي في الأفراح والأعراس التي تقام بالحي حيث كان العموم يعشق شاي عمي الحاج السائح . و بابتسامته المعهودة التي لا يبخل عنها أي زبون واصل عمي اعمر حديثه وهو يتأهب لاستقبال زبائنه بعد تحضيره وبعناية كبيرة لأول دفعة من أباريق الشاي بقوله" أكون في قمة النشوة والسعادة عندما ألبي رغبات زبائني الذين تعودوا على تذوق ما اسميه ب" الكمية" حيث أسهر على أن لا أفقد هؤلاء الزبائن الأوفياء الذين أقدم لهم مشروبا تحتاج طريقة تحضيره إلى كثير من الصبر و الخبرة". سيارات النقل الحضري .... نشاط في أوجه ومن المشاهد الأخرى التي تصنع ديكور ليالي رمضان بورقلة نشاط أصحاب سيارات النقل الحضري الذين يتهافتون على نقل الزبائن عبر سائر أحياء المدينة سيما منها في اتجاه المحلات الكبرى والأحياء التجارية. ويقول السيد بخاري ( 52 سنة) سائق سيارة أجرة " نعمل بكثافة هذا الصيف بمدينة ورقلة ليلا ونهارا حيث ازداد الطلب على خدماتنا بسبب موجة الحر الشديد التي تجتاح المنطقة والتي نعهد بها من قبل ولسان حالنا يردد " مصائب قوم عند قوم فوائد" حيث يفضل الكثير من المواطنين الإقبال على خدمات سيارات النقل الحضري سيما في أوقات الذروة ". وأضاف نفس المتحدث " نفس الوتيرة تشهدها خدماتنا في ليالي رمضان المبارك حيث يقبل المواطنون سيما منهم العنصر النسوي على سيارات النقل الحضري لأسباب متعددة ولكل زبون مبرره". وفي ظل الظروف المناخية القاسية التي تزامن معها شهر الصيام هذه السنة أكد السيد بخاري " بأنه سجل إقبال غير مسبوق على خدمات سيارات النقل الحضري خاصة عندما يشتد لهيب الشمس في ساعات النهار حيث يقبل الكثير من الصائمين على هذه الخدمات سيما منهم فئة المسنين والمصابين بأمراض مختلفة مما سبب لنا ذلك متاعب غير متوقعة ". هكذا يعيش سكان ورقلة ما تبقى من أيام هذا الشهر الفضيل والذي يجمع بشأنه الكثير منهم بأنه قد حل هذه السنة في أجواء استثنائية ميزتها موجة الحر الشديد والتي رافقتها أزمة " حادة" في توزيع المياه الصالحة للشرب حيث تعاني معظم أحياء المدينة من هذه الوضعية التي زادت في تعقيد الحياة اليومية للصائمين.