كان اختيار عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، للأسلوب واللغة والمواضيع، التي أثارها في رسالته إلى الأمين العام المزكى عبد العزيز بلخادم، بمناسبة المؤتمر التاسع، اختيارا فائق العناية والدقة، وإن كان المضمون يتعلق في البداية بمساره الشخصي، إلا أن لاحقا، تبين الرسالة أن جبهة التحرير الوطني لم يعد فيها ومنها ما يُؤمل· عبد الحميد مهري هذا الاسم النوفمبري والضارب في تاريخ الجزائر بأصله وطلعه الثوري الوطني، وأحد الرجال الذين قادوا الجبهة العتيدة، هو من نوادر شخصيات هذا البلد المؤهلين دون غيرهم في الحديث عن أسرار الدولة والنظام والجبهة منذ بداية الثورة إلى غاية 21 مارس تاريخ انتهاء تاسع مؤتمر للأفلان الجاري حاليا· فعدم حضوره حتى وإن لم يصدر رسالته النارية تلك، كان مدعاة للتساؤل وفتح النقاش، فما بالك، أن يتم الكشف عن فحوى ما تضمنته للجزائريين· هناك من سيقول بأن إعلان عبد الحميد مهري المقاطعة، يعد تصفية حسابات مع الجبهة لأنه خرج منها بانقلاب، وهناك من سيقول بأن مهري، هو من سرّب الرسالة لكي يشوش على المؤتمر، وهناك من سيقول حتى بأن الأفلان أكبر من مهري أو أي شخصية وطنية أخرى مهما كان منصبها أو موقعها أو مكانها الآن أو في الماضي والتاريخ، وهناك من سيقول بأن خصوم بلخادم هم من يسعون إلى التشويش وليس مهري، أو قد يتهمون مهري بعقد حلف جديد مع الغاضبين العاجزين الضعيفين في الأفلان، غير القادرين على التغيير، من أجل أن يظهروا في موقع قوة للرمزية والكاريزما التي يتمتع بها مهري في الأفلان· وكل تلك التبريرات مقبولة كرأي وجب احترامه، بغض الطرف عن صحته أو خطئه· لكن ماذا يقول هؤلاء في أن الأفلان بتركيبته وأجواء مؤتمره السائدة بأنه لا يقبل الرأي المخالف؟ وما قولهم في أن العودة إلى المحاسبة التاريخية وكشف ملابسات التداول على قيادة الجبهة وما تعلق بالباطن والظاهر من العلاقات مع النظام والسلطة وتسيير شؤون العامة، كون رجال الجبهة هم أنفسهم من يحكمون مقاليد الحكم بعد قرابة 50 سنة من الاستقلال؟ وما قول كل هؤلاء في وصف مهري بأن الجيل الآخذ بزمام الأمور في الجبهة هو جيل راحل؟ وهل أخطأ مهري عندما يقول بأن مؤتمر الأفلان لا تعطى فيه الكلمة للرأي المخالف، ولا يتم فيه النقاش بعمق وصراحة حول قضايا جوهرية··