أبي يا أبي، ما أقول لك وأنت شاب في السبعين؟ أأمدحك؟ تعرف أني لا أحب المدح· سأقول الحقيقة فقط· لم أنت غاضب يا أبي؟ ألأننا لم نحقق لك أحلامك؟ نحن أيضا لم نحقق أحلامنا فلا تجعل إحساسنا بخيبة الأمل مضاعفا ونحن نرى عيونك الجميلة محمرة من الغضب· الشركة الوطنية يا أبي لا تفتح أبوابها والوظيفة بعد لا تسمن ولا تغني من جوع· نحن نبكي وخيرات البلاد بعيدة بعيدة· أنظر إلى الشباب من حولك مكسور النفس مقصوص الأجنح، أتراه يرفرف عاليا؟ هذا الشباب الضائع يا أبي سينفجر ويحرق القصور البعيدة· يا أبي يا حبيبي، ألا تحس أنك تجني ثمارا طيبة؟ لك من الأبناء ستة ومن البنات ستة· لك المهندس والطبيب والمحامي والمحاسب· ألا يكفيك هذا؟ في أبنائك الهادئ والعصبي، الجاد والهازل، من يكثر الكلام ومن يكثر الحساب· وفيهم من يجمع هذه الصفات كلها في شخص مجنون تعرفه· أبناؤك على اختلافهم يا أبي يشتركون في سلامة القلب ونبل الأخلاق· أفلا يرضيك هذا؟ قبل فترة ناداني مديري في العمل ايا ابنة المعلما، أحسست بعظمة تنبعث مني أو منك لا أدري· هذا اللقب لا يعلو عليه سوى ما كنت تناديني به وأنا صغيرة، أما الان فتعتقد أني كبرت ولم تعد تدللني· لم تكن تنطق اسمي إلا مقرونا بكلمة ابانتا فجعلتني أحفظ ابانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبولب· لم يكن عقلي الصغير يدرك كيف يمكن لهذا البيت أن يكون مطلع قصيدة مدح للمصطفى عليه أفضل وصلاة وأزكى تسليم· يا أبي يا حبيبي لم تريدنا أن نحتل المناصب ونمتلك السيارات والفيلات؟ أنا أحب أن أعيش في كوخ تتقاطر فيه الأمطار وتملؤه الأتربة والحشائش، فقط لا يكون فيه أفاعي ولا عقارب ولا ديدان، أنا أخاف الديدان يا أبي· وأحب أن آكل وألبس ما يأكل ويلبس الفلاح والاسكافي وعاملة التنظيف، فقط الحذاء أريده مريحا· وأكاد أقول للمدينة ما قاله القذافي لأمريكا· أأنت حزين يا أبي وأنت ترى أبناءك يملؤون البيت ضحكا وصراخا وفوضى؟ ألا تستهويك فوضى الأبناء؟ تريد أن تتخلص من البنات إلى أزواجهن ومن الأبناء إلى مناصبهم· ألا تحب أن ترانا كل صباح ومساء؟ أنا لن تتخلص مني بتلك البساطة· ستراني كل صباح أشرب ثلاث كؤوس من الحليب المنكه بالقهوة، يقولون أن أسعار الحليب ستلتهب فأبق مدخراتك جانبا، لن أتنازل عن كؤوس الحليب· وستراني كل مساء في غرفتك أنثر تعب يومي· قد أتعبتني التكنولوجيا البغيضة وأضُنني سأطلقها وأرتاح منها· ثماني ساعات في اليوم جالسة قبالة آلة غبية أنظر إلى وجهها المسطح، تعبت عيوني منه وتعبت أصابعي من دك رأس فأرتها العمياء· من ظنّ أني أحب الفئران؟ يا والدي أنت حفظت القران في سن العاشرة ولم تطأ قدماك المدرسة إلا ممرنا ثم معلما ثم أستاذا· ونجحت في دخول جامعة الجزائر بعد أن تعلمت في بيوت العراقيين والسوريين، الحمد لله أنك لم تتعلم عند مصري، خسئت يا قلمي تأدب وإلا كسرتك· يا والدي أنت جريت خلف العلم حافي القدمين وجعلتنا نقدس العلم والعلماء· ووالدتي أيضا تقول أن أغلى أمنياتها وهي صغيرة أن تصبح رجلا لتلعب الكرة وترعى الماشية وتتعلم· أمي أحبت العلم أكثر منك يا أبي ولم تحصل إلا على القليل منه· مجتمعكم المتخلف يا أبي يضع المرأة في مرتبة أدنى من مرتبة البقرة والحمار وكلب الحراسة· أكثر ما أذكره من كلامك ونحن صغار ائقال عبد الحميد بن باديس : خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب ا والآن يبدو أنك ما تزال خائفا علينا· لا تخف يا أبي لا ضعف فينا وقد أقمت في نفوسنا أوتادا لا تنحني لا تنكسر ولا تذوب· كان شعارك االزلط والتفرعينب، ونحن أيضا : االزلط والتفرعينب، اقبلها فهذا الشبل من ذاك الأسد· كان شعارك أيضا اقهوة وقارو خير من السلطان في دارو ا· أتتذكر عندما أعطيتني سيجارة أشعلها لك؟ فأخذت منها نفسا حلوا، لم يكن حلوا بل كاد يغمى علي، ضحكت وقتها· احذر يا أبي، الفكرة بدأت تستهويني وقد أصبح مدخنة·ويلي ماذا أكتب لكئ! أنا أردت برسالتي هذه أن أداعب أوتار قلبك الغاضب فيهدأ وأنظر ما يفعل بي قلمي، لا أتحكم فيه، يكاد يخبرك أن ابنتك تحلم بتدخين سيجارة كوبية من يد فيدال كاسترو· قلمي متمرد ولا يطاوعني كأن به نفسا تعاندني لكنني سأتعلم قواعد اللعبة وسأمرغ أنفه في الحبر لأخط ما أشاء· أبي يا أبي، ما أقول لك وأنا طفلة في الثلاثين؟ سأصبح كاتبة يا أبي· أتذكر ذلك المنام الذي رأيت فيه سيدنا عمر بن الخطاب ؟ فيه شطر لم أخبر به أحدا قبل قارئ روايتي· رأيتني كاتبة عمر ورأيتني ممسكة قلما وأوراقا وورقة بيضاء جميلة عليها توقيع عمريٌ جميل· كانت هذه بشرى ربانية لم أفهمها إلا الآن· لن أتنازل عن هذا الحلم وأراني سأبلع جميع الكتب كي أصير كاتبة· تتذكر حتما يا أبي ما وعدتك به وأنا صغيرة : اسأصبح دكتورة كبيرة وسأكتب الوصفات الطبية باللغة العربيةب· لم أكن أعرف وقتها معنى الإخفاق أو الفشل ولا معنى القدر· لم أصبح دكتورة رغم أني بذلت المستحيل ووصلت إلى بابها واستدرت· شطر الوعد الثاني سيتحقق وسأكتب باللغة العربية· سأستثمر في حبي لهذه اللغة وسأعمر بيت الأحلام· أفلا تسعد؟ هذه الرسالة ستشعل غيره والدتي ولن ترضى وإن كتبت لها ألاف الرسائل لذا دعني أقول لك ولها شيئا· أنت يا أبي أخذت أجمل ما فينا، حبنا لك وفرحتنا بعودتك كل أسبوع على حسابها هي، طبيعي أن نحب من يحضر الحلوى أكثر ممن يأمر وينهى· أمي كانت تعلمنا وأنت كنت تأخذ التهاني من الأساتذة· أمي يا أبي شرطي صنديد واقف في مفترق اثني عشر طريق رئيسي وعدة دروب فرعية، حاملا الصفارة والعصا وجميع الأضواء والأعلام· أنت كنت تساعدها في حمل المصابيح فقط· هذا الشرطي يا أبي علق جميع النياشين والأوسمة وها هو يراقب استقامة الطرق التي رعاها·