يتذكر سكان ''ديار الكاف'' ببلدية وادي قريش بالجزائر العاصمة، كاميرا التلفزيون الجزائري التي كانت تزورهم في ثمانينات القرن الماضي، وهي تصور نموذج التشوه العمراني وأزمة السكن الخانقة، ومرت العشريات والبرامج السكانية المتعددة، وبقيت محنة الحي نفسها، التي تعدت عمر الاستقلال رغم وعود المسؤولين الذين تعاقبوا وتعاقبت المحن على الحي وسكانه· حي ديار الكاف، قديم قدم محنة سكانه، ويعود إلى سنوات ما قبل الاستقلال، وبعض الناس سكنوه سنة 1959 (في إطار مشروع قسنطينة الذي أعلنه الرئيس الفرنسي الأسبق، شارل دوغول، سنة 1958)، وهناك الكثير من الناس سكنوه مع الاستقلال والسنوات القليلة التي أعقبته متنقلين إليه من ''البرارك''، وكان الأمر يبدو مقبولا إلى حد ما مع السنوات الأولى، لكن مع حلول السبعينيات من القرن الماضي مع الانفجار السكاني وتضخم عدد أفراد العائلات التي تسكن الحي، الذي لا يتوفر على بيوت، وإنما على غرف يسكنها الكثير من أفراد العائلة الواحدة، كل غرفة مساحتها 18 متر مربع، مع العلم أن عدد أفراد بعض العائلات يتجاوز العشرة في الكثير من الحالات، ولك أن تتصور عشرة أفراد يعيشون وينامون في مساحة لا تتجاوز ال 18 متر· بداية المحنة الحقيقية في بدايات الثمانينات تفجرت الأزمة أكثر وتحولت إلى كارثة إنسانية، فالأطفال الذين ولدوا في بداية الستينات هناك، بلغوا سن الرشد والكثير منهم أصبح في سن الزواج· في سنة 1982 جاء الجيش الوطني الشعبي، لإحصاء الساكنين، لأن منظر تلك البنايات أصبح يشوه الوجه العمراني للعاصمة الجزائرية، وكانوا يقولون في ذلك الوقت أن تلك المباني لابد أن تهدم ويتم ترحيل ساكنيها إلى مساكن تليق بهم وبإنسانيتهم· في البداية كان هناك 900 بيت، وجاءت أول عملية ترحيل سنة ,1989 في ذلك الوقت تم ترحيل قدماء المجاهدين وعائلاتهم المقدرة ب,16 إلى حي عين النعجة، وتم توزيع البيوت التي رحل سكانها على الجيران الذين كانوا يعانون من الاكتظاظ الذي زاد عن حده، وفق مبدأ الأولوية، ورغم البرامج السكنية الكثيرة التي استفادت منها الجزائر العاصمة منذ الثمانينات، لم يستفد منها سكان حي ديار الكاف الذين بقيت معاناتهم متواصلة إلى غاية اليوم· ثم جاءت عملية ثانية في إطار السكن التساهمي وتم منح البعض قطعا أرضية في حي الحميز، ببلدية الدارالبيضاء، وكان عدد تلك العائلات قليل، واستمرت المعاناة مرة أخرى إلى سنة ,1994 عندها تم ترحيل حوالي 18 عائلة إلى درفانة شرق العاصمة، وفي كل مرة يتم فيها ترحيل بعض العائلات، يتم منح بيوتها القديمة إلى الجيران المتضررين من الاكتظاظ الذي لا يطاق· منذ سنة 1994 إلى الآن، استفاد الحي السكني من برنامج للبنك العالمي في إطار عملية إعادة تهيئة السكنات غير اللائقة، والبرنامج كان تحت وصاية الولاية، وبدأ سنة ,2000 والحي هو عبارة عن 8 أجنحة، الجناح ''ألف'' للعمارة السفلى تم ترحيل سكانه إلى درارية والسويدانية وبئر توتة، ومن هناك انطلقت العملية، ثم قاموا بعملية تهيئة لذلك الجناح، وبجانبه هناك جناح ''ب'' وجناح ''ج''، فتم نقل بعض سكان الجناحين إلى الجناح ''أ'' الذي تمت تهيئته، لكن هناك مشكلة برزت، فعند إعادة التهيئة يفترض أن يتم احترام المقاييس، فالمسكن ذو الثلاثة غرف الذي جاء نتيجة إعادة التهيئة مساحته 42 مترا مربعا، بعد أن تم اختصار منزلين في منزل واحد، فأصبحت مساحة البيت الجديد 42 مترا مربعا، وهي متنافية مع المقاييس المتعارف عليها، حيث أن بيتا من هذا النوع يجب إلا تقل مساحته عن 63 مترا مربعا، فتم نقل سكان ''ب'' و''ج'' إلى هناك سنة ,2003 قبيل زلزال بومرداس، ثم قاموا بإعادة تهيئة لجناحي ''ب'' و''ج''، وفي سنة 2004 انتقلوا إلى الجناح العلوي، فتم ترحيل البعض إلى الشاليهات وأغلبيتهم إلى الكاليتوس، والكارثة أن العملية توقفت عند ذلك الحد سنة 2004 بدون سابق إنذار· وعود الوالي المنتدب على المباشر التي بقيت معلقة في الهواء السنة الماضية تقدمت جماعة من ''الحومة'' إلى رئيس البلدية، طلبوا إعانته بأن يساعدهم في الاتصال بالسلطات المعنية، فبرنامج إعادة التهيئة توقف فجأة دون سابق إنذار، منذ 2004 إلى الآن (2009) لم يتحرك شيئا ولا وجود لأي مؤشر يوحي بالجديد، مع العلم أن هناك أربعة أجنحة لم يتم ترحيلهم ويتعلق الأمر ب''ب، ج، د، ه''، فالجناح ''د'' والجناح ''ه'' متقابلان، يفترض أن تبدأ أي عملية جديدة من هناك في انتظار إعادة تهيئة الجناحين المتبقيين· ففي السنة الماضية تم استلام ملفاتهم وتمت دراستها في البلدية، ويفترض أن كل الأمور تسير على ما يرام بشهادة رئيس البلدية نفسه، ووعدوا الناس بشكل رسمي بأن مشكلتهم التي استمرت منذ الاستقلال ستجد طريقها إلى الحل، فرئيس البلدية وعد، والوالي المنتدب لباب الواد صرّح لراديو البهجة أن ترحيل سكان جناح ''د'' وجناح ''ه''، سيتم يوم 26 ديسمبر ,2008 ثم تأجل الأمر إلى 2 جانفي ,2009 ثم 15 من نفس الشهر، ومن ساعتها بقي السكان على أتم الاستعداد للترحيل الذي لم يتم، مع العلم أن البعض عمل على لملمة متاعه ولم يرحل منذ أشهر عديدة ولا يعرف عن مصيره شيئا وهو يعيش نار الاكتظاظ القاتل ونار انتظار المصير المجهول· وفي ظل هذا لا جديد يذكر·· رئيس البلدية يؤكد بأن لا جديد عنه، وبأنه ضحية وعود هو الآخر، ويطلب من السكان المتضررين الذهاب إلى الوالي المنتدب الذي يرفض استقبالهم، ويبدو أن حي ديار الكاف أصبح يسبب له صداعا ولا يريد سماع اسم ذلك الحي· كبار صابرون و شبان نفد صبرهم يتخوف السكان الصابرين منذ السنوات الأولى للاستقلال من الأجيال الجديدة، التي لا يمكن التحكم في تصرفاتها، فكثيرا ما لجأ السكان إلى تهدئة الأوضاع عند أية أزمة تشتعل، لكنهم لا يؤكدون بأنهم سيتمكنون من إطفاء نار أي فتنة لاحقا، والأجيال الجديدة لم تعد تثق في الوعود، وطالب السكان بالشفافية في المعلومة المتعلقة بمشكلتهم، فهم معلقون، ولا يمكن لهم الاستفادة من البرامج السكنية المتنوعة، وأي ساكن منهم لا يقبل ملفه بحجة أن حالته ستعالج في إطار معالجة الحي ككل، ولا يمكن أن تحل المشكلات كل على حدة· ومع كثرة الإشاعات من شأن الفتنة أن تشتعل في أي لحظة، وكبار الحي وعقلاؤه لا يمتلكون أي معلومة، فكيف لهم أن يقنعوا شباب الجيل الجديد بقرب الفرج وهم أنفسهم لا يعلمون متى يأتي هذا الفرج؟