قبل أيام قليلة كتبنا في ذات المساحة عن الضجة التي تدور في عدد من العواصم الأوروبية على خلفية سعي الحكومات الأوروبية لرفض كامل وشامل لكل ما يمكن أن يوضع على الرأس وتكون له دلالة دينية، وقد سعينا لإقامة مقارنة بين الحديث الدائر في فرنسا بخصوص خمار، نقاب، برقع وستار المسلمات وبين عمامة رجال السيخ والخنجر المسمى بالكيربان· نعود إذن للحديث عن موضوع الهندام ذي الدلالات الدينية في الأنظمة اللائكية، وسبب العودة هو الفصل الذي توصل له حكماء القانون الفرنسيون من خلال الرد المقدم لرئيس الوزراء، فرانسوا فيون، بخصوص إيجاد صيغة قانونية مرجعية لمنع تام لكل هندام يحمل دلالة دينية، والمقصود بطبيعة الحال الخمار وأشباهه· غير أن الرد القانوني كان عدم شرعية منع أي فرد من ارتداء ما يحلو له ولو كان لهكذا لباس علاقة بديانة ما· بل أكثر من ذلك جاء رد مجلس الدولة، الذي يعتبر أعلى هيئة تشريعية في فرنسا أن أي قانون من هذا القبيل سيكون مخالفا لنصوص الدستور، التي تقدس الحرية الفردية· بالرغم من ذلك وحتى تتماشى التشريعات الحالية مع التيار العام الرافض لأي علامات دينية، من شأنها حسب زعم هذا الطرح أن تتعارض مع مبادئ اللائكية، فقد تقدم خبراء مجلس الدولة بتوصيات من شأنها منع ارتداء الخمار، البرقع، الستار وغيره في الأماكن العمومية وخلال تأدية الوظائف الإدارية العمومية· هذا الرد الذي لم يرق لرئيس الوزراء الفرنسي الذي يصر على ضرورة إيجاد صيغ يتم من خلالها منع ارتداء غطاء الوجه في فرنسا بشكل كامل وتام· مع الإشارة إلى حرص رئيس الوزراء الفرنسي على حد تصريحاته لإيجاد صيغة قانونية تمنع ارتداء غطاء الوجه كليا مع ضرورة احترام خصوصية المواطنين الفرنسيين المسلمين· مراوغة سياسية أم نفاق سياسي أم ببساطة عنصرية تخشى الإفصاح عن اسمها بشكل مباشر· وإلا بما يمكن تفسير هذا التناقض بين احترام الحريات الفردية، حرية المعتقد، والرغبة الخفية في إقصاء المحتجبات؟ كثيرا ما يتم تقديم الزي الإسلامي على أنه خضوع للسلطة الأبوية أيا كان من يمثله، في إشارة إلى أن المرأة مجبرة على هذا الزي ''المتخلف''، ماذا لو لم يكن الأمر كذلك، ماذا عن المتعلمات، المثقفات، الباحثات اللاتي قررن الالتزام بهذا الزي عن قناعة، ثم كيف يمكن أن تحترم شخص ما وتحترم قراراته وتأتي بعد ذلك لتفرض عليه زيا غير ذلك الذي يرغب فيه عن قناعة دينية كانت أو مجرد اتباع لموضة ما؟ هل يعقل مثلا أن تقدم فرنسا على إقرار قانون يمنع اللبس الشفاف، القصير، ألا يشبه ذلك بداية لديكتاتورية تلغي قرار الفرد في تسيير شؤونه ليجد نفسه مجبرا بحكم القانون؟! عند كتابتنا عن قضية عمامة السيخ تطرقنا في سياق الحديث عن الديانات العديدة التي تفرض على الملايين عبر العالم التقيد بعدد من الألبسة المرتبطة أساسا بالمعتقدات الدينية، على غرار الوشاح الذي يرتديه الدلاي لما، مع العلم أن كثيرين من رؤساء العالم لا يجدون مانعا من قبوله كهدية من طرف الزعيم الروحي لمنطقة التبت، اليهود، السيخ، الهندوس وغيرهم الملايين من الطوائف الدينية المتمسكة بزيها الديني، تراها هل ستُمنع من التجول عبر العالم إلا إذا تخلت عن زيها أم أن الأمر يقتصر على برقع المسلمات؟ وما دمنا في مقام طرح الأسئلة، حق لنا السؤال عن ماهية هذه اللائكية، أليست النظام الذي قيل فيه أنه الأفضل من حيث أنه يحمي حريات الأفراد دون أدنى تمييز، من حق الكافر أن يجهر بكفره والمتدين أن ينعم بدينه مع ضرورة الاحترام المتبادل دون إقصاء لأي منهما؟