إلى أين تسير بنا قافلة صحفنا المتعددة و المختلفة؟·· أي نوع من القراء تخاطبهم بمقالاتها و تحليلاتها؟·· هل هو مفروض عليها أن تغير جلدتها تبعا لكل تقلب طارئ في المناخ السياسي؟·· أي هوة سحيقة تلك التي تخلقها بين قرائها، سواء بهذه اللغة العربية الوطنية، أو تلك التي قيل عنها بأنها أجنبية؟·· وما مصداقية مجموع هذه الصحف لدى الرأي العام؟·· تلك تساؤلات متلاحقة، ظلت تواجه صاحبي المعزز، وهو يتحدث مع صديقه في جلسة مؤانسة، بعد أن علم بمشروع تكريم عدد من أسرة الإعلام بمناسبة اليوم العالمي للصحافة وحرية التعبير الذي يصادف يوم 3 ماي· طوى الثاني جريدته، و تحدث كمن يواصل كلاما انقطع خيطه بفعل تدخل خارج عن نطاقه : - صحفنا على العموم، تتنازعها السلطة والأحزاب، والقطاع العام والخاص· وأقلامها مسايرة أو حائرة بين يقظة الضمير، و لقمة العيش، بين استمالة القراء والتسلط على رقابهم· فالحقيقة واحدة واضحة، ولكنها تتحول إلى حقائق متناثرة ومتنافرة، بقدرة أقلام ملونة، تجيد فن المراوغة والتحايل، واستعمال الأملاح والتوابل، فلكل طعام لذيذ أطباقه و مذاقه· أشعل الأول سيجارته، نفث دخانها قبل أن يتكلم ببطء و اتزان كعادته : - يكاد يكون الفرق شاسعا بين ما ينشر في صحفنا العربية عن زميلتها الفرنسية اللسان، و أولى بنا هنا أن نتساءل بمرارة، أي نوع من القراء نسعى إلى تنويرهم وتوعيتهم؟·· هل هناك الحد الأدنى من التنسيق المطلوب لتكوين الرأي العام المتجانس، باعتبار هؤلاء القراء شريحته العريضة؟·· وإلى أي حد تستجيب لاحتياجات المواطن في حق الإعلام الموضوعي و احترام الثوابت الوطنية؟· عندما نتصفح جرائدنا المفرنسة، و معظمها ولدت و ترعرعت في ظل مشروع قانون تعميم استعمال اللغة العربية، هذه الصحف على كثرتها وتنوعها، تكاد في معظمها تلتقي عند نقطة معاداة الثقافة العربية الإسلامية، بل أنها تنظر بنفس هذا المقياس إلى أسمائنا الحاضرة أو الراحلة في مجالات الأدب والفكر والصحافة والفن· فهي تركز اهتمامها على الجديد في الساحة الثقافية والفنية بفرنسا أو البلدان الغربية مثلا، وتغفل أو تتجاهل ما يجد في المساحة الوطنية والعربية في حقول الثقافة والإبداع·· وهي بذلك، تخلق هوة سحيقة بينها وبين القراء، واهتماماتهم المتجذرة عبر العمق الوطني العربي الإسلامي، بكل ما يعنيه من حضارة وسياسة وثقافة· انتزع الثاني الكلمة، ليتحدث عن الوجه الآخر لهذه العملة المتداولة : - و لكن حتى تلك الصحف المعربة تكاد في معظمها تحصر جل جهودها حول مجالات وموضوعات محددة، فكم كتبت وأعادت مثلا عن : التعريب، الأصالة، الهوية الوطنية، البعد العربي الإسلامي ·· حتى أن أحد قرائها خاطب الحاضرين في جمعية عامة بحماس فياض : يجب أن نعرب التعريب بالعربية··· في حين تظل ساحتنا السياسية والثقافية والاجتماعية حبلى بالقضايا الكبرى التي تفرض حضورها القوي على القراء و الرأي العام·· هذا التباعد بين اهتمامات صحافتنا، من الجانبين يترك آثاره العميقة على القراء، وبالتالي، تزداد الهوة اتساعا بين الجيل الحاضر والذي يليه· فإلى أين تسير بنا قافلة هذه الصحف المتعددة ؟··