مرت شهور، لم يعد يراها·· وذات يوم وقف رجل صامت، قصير القامة، صارم النظرات، أمام محل جلول للدراجات الهوائية والنارية·· حدق في جلول ودخل إلى داخل المحل·· سأله جلول عن حاجته، لكن الرجل ذو القامة القصيرة طلب من جلول أن يدخلا إلى الغرفة الداخلية للمحل·· ارتسمت علامات متسائلة على وجه جلول، فقال الرجل ذو القامة القصيرة ''الجبهة تريد منك عملا وطنيا'' تساءل جلول ''الجبهة؟!'' فقال الرجل ذو القامة القصيرة·· ''الجبهة بحاجة إليك··'' صمت جلول وشعر بداخله بأمر جلل·· أغلق جلول باب الغرفة الخلفية، وقعدا لوقت غير قصير يتكلمان·· وعندما خرج الرجل ذو القامة القصيرة، شعر جلول أن لحظة جديدة بدأت في حياته·· قال له الرجل ذو القامة القصيرة أنه فعل خيرا عندما ابتعد عن عباسية بورطاش، وخجل جلول أن يقول، أن عباسية هي التي أشعلت فيه نيرانا ثم اختفت·· علم جلول من الرجل ذي القامة القصيرة، أن عباسية أصبحت عميلة·· قال الرجل ذو القامة القصيرة، إنهم حذروها لكنها تمادت·· وقال أيضا إن أيامها معدودة، فلقد رفضت أن تتعامل مع الجبهة·· وأنها اختارت العدو·· حاول جلول أن يبرئها، لكن الرجل ذو القامة القصيرة، قال إنها ذهبت بعيدا في تعاملها مع العدو·· وليلتها لم ينم جلول، راح يفكر فيها·· يفكر في تلك الليلة المجنونة·· قال لنفسه، سيحاول ثنيها وعودتها إلى الطريق الصواب·· قرر أن يذهب إلى أمها بورطاش·· أن يحذرها·· فكر مليا في عباسية·· وفي اليوم التالي، ذهب إلى منزل بورطاش·· كانت هناك·· ظل الكلب ينبح· صرخت في وجهه بورطاش·· صمت الكلب·· كان جلول صامتا·· نظرت إليه بورطاش·· قالت لها أدخل؟! قال لها، أن عباسية في طريق خطر·· نظرت إليه بورطاش، وهي تقول·· صحيح؟! أنت معهم·· قال جلول ''إنذار أخير··''·· في المساء رأى عباسية، مرت على المحل·· حدجته بنظرة راعنة·· حاول أن يكلمها، لكنها اجتاحته كعاصفة مهولة·· حذرته·· قالت، لو كررتها سأرمي بك في السجن·· قال لها ''تجرؤين؟!·· قالت ''ستموت يا جلول··'' لم تكن هي التي يعرفها·· لم تكن هي التي جاب معها شوارع سيدي بلعباس·· كانت آخر·· كانت رعبا·· ومضت وهي تنظر إليه وفي عينيها شرر·· مرّ الرجل ذو القامة القصيرة على محل جلول·· قال لها، هل اتصلت بها، قال جلول ''أجل··'' قال ''أخطأت'' لكن جلول قال سأتولى أمرها··، غضب الرجل وحدجه بنظرة قاسية ''انتظر الأوامر يا جلول·· لا تقم بشيء إلا بأمر من الجبهة··'' وذات يوم جاء الرجل ذو القامة القصيرة رفقة رجلين ليسا من فومبيطا في منتصف الليل·· قفزا من فوق القرمود· ودخلا منزل بورطاش·· هلعت بورطاش·· ظل الكلب ينبح نباحا مسعورا، لم تكن عباسية هناك·· سألوها ''أين عباسية؟!'' قالت بورطاش وهي ترتعش لم تأت إلى المنزل منذ أيام··'' فتشوا المنزل، ثم اختفوا·· راح جلول يشتغل بسرية وصمت·· اتصل بوالدي وبأصحاب والدي·· قال لهم الجبهة بحاجة إليهم·· ترددوا، ثم انضموا·· ''لكن كيف اهتدت عباسية إلى تلك المعلومة السرية؟! من أعطى عباسية المعلومة السرية، عن السلاح الذي كان مخزونا في بئر منزل جدتي··؟!'' وتساءل جلول ''كيف تحوّلت الحبيبة إلى خائنة بتلك السرعة؟!'' قال الرجل ذو القامة القصيرة ''سنتركها لوقت، ربما تهدينا من حيث لا تدري إلى أهدافنا؟!'' قال جلول ''وماهي هذه الأهداف'' قال الرجل ذو القامة القصيرة ''ستعرف ذلك عن قريب وفي الوقت المناسب··'' وبعد مداهمة العسكر منزل جدتي·· ارتعش جلول، وفكر في الاختفاء·· لكنه ظل متحكما في أعصابه·· وانتابه شك وحيرة عندما لم تبلغّ عليه عباسية·· قال في نفسه ''لماذا؟! لماذا؟!'' وقال أيضا ''ماذا تريد هذه الخائنة؟!''·· انتقل جلول رفقة الرجل ذو القامة القصيرة ليومين إلى تسالة·· هناك التقى برجال الجبهة، داخل غابة·· قالوا له، ستبقى بفومبيطا·· سيأتي إليك رجل أسمر·· هو لا يعرفه·· منحوه كلمة السر في الوقت المناسب·· ستساعده على التعرّف عليها··· وعلم جلول أن ساعة عباسية اقتربت·· سال منه عرق بارد·· لم ينبس ببنت شفة، ثم قال ''أنا، لها·· لكن قال له القائد·· ستبقى بعيدا عن ذلك·· سيأتيك الرجل في الوقت المناسب·· ولم يعلق جلول·· وبعد أن همّ بمغادرة تسالة، سأل الرجل ذو القامة القصيرة·· ''وأنا متى أصعد إلى الجبل··'' قال الرجل ذو القامة القصيرة ستبقى هناك في فومبيطا·· نحن بحاجة إليك هناك، في فومبيطا·· وليلتها سأله أخوه محمد ''أين كنت؟!'' فنظر إليه جلول نظرة عميقة·· وقال ''كنت عند الجبهة··'' قال أخوه محمد ''عند الجبهة؟!'' قال جلول ''أجل، عند الجبهة···'' فلم يقل أخوه محمد سوى كلمات معدودة ''كن حذرا يا جلول··''·