''التمرين'' أو المعاناة التي يواجهها الفنان في ممارسة إبداعاته في زمن انقلبت فيه الموازين وغاب عنه التشجيع الإبداعي عامة والمسرحي على وجه الخصوص، هو عنوان المسرحية التي قدمها مسرح ''اللانتش''، أول أمس، بقاعة الحاج عمر في إطار فعاليات المهرجان الوطني الخامس للمسرح المحترف· قدم، أول أمس، مسرح ''اللانتش'' القادم من مدينة مرسيليا النسخة الأصلية لمسرحية ''التمرين''، التي مثلت العديد من المرات في الجزائر، للكاتب المسرحي ومدير المسرح الوطني الجزائري محمد بن قطاف، وذلك في إطار اتفاقية التعاون بين المسرح الوطني الجزائري ومجموعة كبيرة من المسارح من أقطار العالم، حيث شاركت في العروض خارج المنافسة من فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف· وقد شارك في هذه المسرحية على الركح كل من الفنان والمخرج الفرنسي إيفان ريموف، وجوال بروفر ودانيس فوركوراي، حيث يحاول هذا الثلاثي أن يعكس يوميات مواطن جزائري يواجه مشاكل الحياة وسط انعدام الضمير واللامبالاة في المجتمع، في حين قدم سينوغرافيا العرض وساعد في الإخراج عبد الرحمان زعبوبي. ويصور هذا العمل قصتين، الأولى تمثل التحضيرات لعرض مسرحي في ظروف مأساوية ومتعبة للغاية، وتبرز القصة الثانية تمرينا لعرض مسرحي يتناول معاناة مواطن وجد نفسه بطالا بعد إفلاس الشركة التي كان يعمل بها في وسط قل فيه الاتصال وصعب فيه الحوار والتواصل· وتسرد المسرحية قصة ممثل وموسيقي ومخرجة محبين للمسرح في تصوير مسألة البحث الدائم لفناني المسرح عن فضاءات لممارسة هوايتهم، حيث يقوم الثلاثة بالتمرين بلا ملل أو كلل يوما بعد يوم على نفس المسرحية، من أجل إتمامها وعرضها في الوقت المحدد لها، لكن صاحب القاعة التي يتمرنون فيها، والذي لا علاقة له بالفن، يعطل في كل مرة مجريات التمرين ويجبرهم على الخروج في كل مرة يجد فيها زبونا، فهو يقوم بكرائها لحفلات فنية وأعراس عائلية وتجمعات سياسية، ولا يهمه في الأمر إلا العائد المادي الذي يحصل عليه· وقد تطرق الممثلون من خلال تمرينهم إلى تشريح الواقع السياسي الذي عاشته الجزائر في فترة التسعينيات، حيث حاولوا بكل إمكانياتهم البسيطة تحقيق حلمهم في تركيب مسرحية تتناول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تعيشها البلاد، حيث كانت تروي قصة ''محمد'' الذي قتل والده في تلك الفترة واغتصبت أمه، يعيش في دوامة من الحيرة والفراغ، ويقرر كتابة رسالة مفتوحة إلى أحد المسؤولين قصد الالتفات إلى حالته، من هنا ونسبة إلى مكانة المخاطب ينتبه ''محمد'' إلى كل كلمة يقولها بل حتى الهندام الذي أراد ارتداءه أثناء ذهابه إلى مقر عمله، لكن في الأخير وبعد وصوله إلى المكان المقصود لم يجد نفسه وحيدا بل كان هناك الكثير ممن أتى لنفس السبب يعانون التهميش ويبحثون عن حقوقهم· وقد تميز العرض بديكور وسينوغرافيا جد بسيطة في إشارة إلى الإمكانيات البسيطة التي تعمل بها الفرقة، وقد ركز نص المسرحية الذي كتبه محمد بن قطاف على التلميح إلى الكثير من المشاكل السياسية والحياة الاجتماعية الصعبة التي مرت بها الجزائر دون أن يذكرها مباشرة مع إبراز صورة واقعية نجدها في كل المسارح، ومن أهمها مشكل القاعة والواقع المزري للثقافة الجزائرية·