إذا ما صدقنا المراسلين، يكون شاوشي، الحارس الإشكال، واللاعب غزال، قد اختليا براوراوة لوقت قصير وقدما اعتذاراتهما··· ويكون غزال قد كشف عن قبوله الابتعاد عن الفريق الوطني·· ويكون راوراوة الذي سرّب الخبر للمراسلين، قد عاتبهما وأغلظ لهما القول·· أو يكون قد استقبلهما ببرودة وحمر فيهما عينيه المنتفختين·· وبعد الاعتذار، يبدو كأننا انتهينا من وجع الرأس، وتخلص المذنبان من ذنبيهما·· وبعد ذلك تعود الأمور إلى ما كانت عليه·· كأن شيئا لم يكن، وكأننا لم ننهزم أمام سلوفينيا هزيمة مرة، وكأن كل الفشل الذي مني به الفريق الوطني في أول مباراة له في منافسات كأس العالم يتحمل مسؤوليته هذان الشابان الغران··· لا، يا ناس·· لا تضحكوا علينا من جديد·· الإشكال لا يكمن في غزال وشاوشي·· واعتذارهما لا يحل المشكلة، ولا يمكن أن يغطي الشمس بالغربال·· المشكلة هي أعمق بكثير من مجرد اعتذارين لشابين غرين·· لم يكونا هما السبب الحقيقي في الهزيمة·· بل تعود الهزيمة إلى أسباب أكثر عمقا وتجذرا·· تعود إلى من رسموا خطة الطريق من البداية·· تعود إلى الثلاثي المشكّل من وزير الرياضة وراوراوة وسعدان··· هذا الثلاثي هو الذي يتحمل مسؤولية الفشل، وهذا الثلاثي هو من يتحمل كل تلك الخيبة الجذرية التي غمرتنا بعد طول تسويف، وطول تبرير وطول أمل يا ناس·· هذا الثلاثي، هو من عليه أن يعتذر للجزائريات والجزائريين، حتى وإن حقق نتيجة إيجابية أمام إنجلترا، عليه أن يعتذر لأنه ضلّلنا، ووعدنا بالكثير، طالبنا أن نسير خلفه كالجنود، فكنا نِعم الجنود الذين وضعوا كل ثقتهم العمياء فيه·· على هذا الثلاثي أن يعتذر، ولا يكون هذا الاعتذار إلا علنيا وسياسيا في نفس الوقت·· أقول ذلك، حتى نتعلم في المستقبل كيف نثمن المسؤولية في زمن الانتصار وزمن الهزيمة، وكيف نحترم ذلك العطاء الذي قدم للفريق الوطني بدون حسابات وبدون حدود··· وأيضا كيف نحترم أولئك الجزائريين الذين فارقوا الحياة بسكتة قلبية، فارقوا الحياة وفي قلوبهم حزن وغصة·· لقد حوّل هذا الثلاثي قوة الفريق الوطني إلى ضعف، وذلك بسبب الغرور الذي جعلهم يركبون رؤوسهم، ويتصرفون كأن الفريق الوطني هو ملكيتهم الخاصة··· لا يا ناس·· إنها أمانة سُلمت لكم، ووُضعت في أعناقكم، لكن ويا للأسف لم تحافظوا على الأمانة·· بل خنتم الأمانة، وتحولتم إلى جبابرة قبل الأوان، فلم تفكروا إلا في أنفسكم، وفي امتيازاتكم، وفي جيوبكم·· البارحة التقيت بجاري، حارس العمارة عمي محمود، كان حزينا وكئيبا·· ولم يتناول لقمة منذ الهزيمة الشنعاء أمام سلوفينيا·· سألني بصوت خافت، ''هل ثمة من أمل لننتصر على انجلترا، وعلى الولايات المتحدة··؟''، نظرت إليه، لم يكن لدي ما أقوله له، لكنني تشجعت ورثيت لحاله، ولم أرد أن أزيده كآبة على كآبة، فقلت له ''إن شاء الله يا عمي محمود، إن شاء الله سننتصر··'' أجل يا ناس·· كل الجزائر في هذه اللحظة، هي عمي محمود···