انهزمت كوريا الشمالية أمام البرتغال بسبعة أهداف لصفر·· بالرغم أن كوريا الشمالية أبلت البلاء الحسن أمام البرازيل وتمكنت من هز الشباك البرازيلي بهدف ضد هدفين·· ظل هؤلاء الكوريون بمثابة المجهول الكبير، والغريب الأكبر مقارنة بكوريا الجنوبية·· فهذا البلد مسيج إيديولوجيا، ظل رافضا للغرب ومتشبثا بوطنيته ذات السور الكبير·· سقطت الشيوعية الستالينية، لكن شيوعية آل سونغ ظلت جنب السور الكوبي تتحدى·· لم يحدث لها مثلما حدث لرومانيا تشاوسيسكو، ولا للاتحاد السوفياتي الذي تفكك في زمن غورباتشوف، ولم يعد إلى الواجهة إلا في زمن بوتين الحالم بروسيا جديدة، روسيا قوية وعتيدة تجمع بين هيبة القيصر وقوة السوفيات تجاه الأمريكان زمن الحروب الباردة·· كانت البرتغال تحت سيطرة العسكر، لكنها تحررت وعادت دولة ديموقراطية·· وفي المواجهة التي جمعتها مع كوريا الشمالية، كانت المواجهة سياسية بالدرجة الأولى·· بين الديموقراطية التي راحت تشق طريقها منذ المنتصف الأول من السبعينيات إلى اليوم، وبين دولة مغلقة على نفسها، رفضت أن تتغير وتنخرط في الزمن الأنجلو أوروبي·· كل العالم كان ينتظر إلى أين يمكن أن يصل فريق كوريا الشمالية·· هل يحقق المعجزة الإحراج الذي سببه للفريق البرازيلي؟! النتيجة كانت صاعقة في لقاء الكوريين الشماليين مع البرتغال·· وبالتالي انتصرت ديموقراطية ما، على ديكتاتورية ما·· وانتصر زمن ما، على زمن ما، لم يعد قادرا ليس فقط على الإنتصار، بل لم يعد قادرا على الصمود في ظل غياب الحرية·· وإذا ما صدقنا وسائل الإعلام الأجنبية، يكون أربعة لاعبين كوريين قد اختفوا، أي استغلوا خروجهم ضمن الفريق، ليحرفوا·· وربما سيطلبون اللجوء السياسي·· وهؤلاء اللاعبون الذين حققوا نتيجة وإن كانت سلبية على مستوى التهديف، فهي إيجابية أو كانوا قاب قوسين ليتحولوا إلى أبطال وطنيين، خسروا رهانهم بالنتيجة الضخمة التي حققتها البرتغال ضدهم، وعادوا إلى درجة سفلية، أو ربما قد يتعرضون إلى التوبيخ أو إلى السجن، وفي أحسن الأحوال إلى متهمين في وطنيتهم بالإساءة إلى إلى الوطن، لأنهم لم يعبروا عن ''العبقرية الوطنية'' التي حلموا بها، ليقدموها كإنجاز عظيم أمام العالم·· نحن هنا في قلب لعبة غريبة وعجيبة حيث يتمازج فيها الوطني بالقومي، والرياضي بالسياسي والإيديولوجي بالديني، لعبة لا تتوقف عند حدود المباراة الرياضية، ولا عند حدود الإستعراض الفني والمجالي، بل تخترق الثقافات والوجدانات والحضارات والمخيالات·· ومع تطور التكنولوجيا وتطور الإتصالات لم تتخل الكرة عن سلطة هذا السحر العجيب ليس فقط على الشعوب، بل على مختلف القوى والمؤسسات السياسية والإقتصادية في العالم·· إن العالم يعرف السجل الفردي للاعبي الكرة البرازيلية، أو الإسبانية أو الإنجليزية أكثر مما يعرف سجل رؤساء جمهورياتها أو حكوماتها أو وزرائها·· سلطة هذا السحر العجيب للكرة تجاوزت من حيث القوة والتأثير أعتى السلط المتحكمة في أعناق شعوب العالم.. إن المباريات التي عرفها أو يعرفها المونديال كثيرا ما تتجاوز القواعد التقليدية والتقنية للعبة بمعناها المحض والضيق لتتحول إلى توكيلات جديدة محمولة بتأويلات الميديات الفيزيقية والميتافيزيقية في معارك رمزية تحاول أن تكون بدائل لمعارك سابقة أو راهنة على صعيد سياسي وثقافي·· فمن منا، لا ينتظر تفوقا وانتصارا على الولاياتالمتحدةالأمريكية كممثلين قاريين واثنين لإفريقيا والمسلمين والعرب، فالانتصار على أمريكا التي راحت تصنف العالم إلى محورين محور الخير ومحور الشر انطلاقا من ايديولوجيتها ومنظارها الثقافي السياسي، هو في الحقيقة انتصار رمزي مهم على هذا الرمز الكبير للتسلط والبطش والجبروت الذي تمثله أمريكا على أرض الواقع، وفي المخيال الجماعي في حياة المستضعفين·· إن الانتصار على أمريكا على المستوى الرمزي، هو انتصار على الدعم غير المشروط الذي ظلت تتلقاه إسرائيل من طرف الولاياتالمتحدة في حروبها ضد الفلسطينيين وفي اعتداءاتها ضد الضمير الإسلامي والعربي والإنساني·· ومثل هذا الانتصار الرمزي على الولاياتالمتحدة في ميدان الكرة هو المدخل الحقيقي والمجازي لإعادة النظر في مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية التي تعرضت لتشويه وقصي عميقين من طرف الأنظمة العربية والإسلامية الصغيرة التي ألقت سلاح المقاومة ورضيت بالقدر الأمريكي···