لا أعرف إن كانت حمى المونديال قد بدأت في النزول أم في الصعود، فقد اقترب الجمهور من نهاية الحفلة، وبدأ الشوق يشتد باقتراب المباراة النهائية، ودون أن نعرف هل سيكون النهائي بين فريقين من أمريكا الجنوبية أم فريقين من أوروبا، أم سيكون خليطا من هذا وذاك ·· لا أحد يعرف ذلك لأن الذي يتحكم في هذه القصة ليس المنطق أو العقل، بل هي أرجل اللاعبين الذين سيركلون الكرة وخطط مدربيهم وقدرتهم على التكتيك الجيد، بالاضافة إلى الحظ الذي ضحك للبعض وعبس في وجه البعض الآخر مثل فريق غانا الجميل، الذي كان رائعا وممتعا ومشرفا، والذي يستحق كل الحب والتقديرئ والإشادة· لكن في المقابل، بدأت أشعر أن العالم عاد إلى ''وعيه''، بعد بداية هائجة ومجنونة، وقد كانت جماهير الكرة هائجة مثل الثيران وعاشقة تائهة في العشق، وعلى رأسهم جماهير الفرق الصغيرة التي لم تطمح لنيل اللقب أو الوصول إلى أدوار متقدمة في هذا المونديال مثل أنصار ''الثعالب'' أو ''محاربي الصحراء''، وهو هيجان معقول وعشق لذيذ يجلب السعادة والراحة النفسية ،لأن كرة القدم أصبحت جنونا حقيقيا، والعشق جنون كما يقولون، وأصبحت محل دراسات معمقة في علوم الاجتماع وعلوم النفس، وعلوم السلوك بوجه عام· والآن، بعد حوالي ثلاثة أسابيع من بداية المونديال ركدت المياه في جنوب إفريقيا ونزلت التماسيح إلى العمق، وحاليا لا يوجد أصدق من المثل الذي يقول ''ما يبقى في الواد غير حجارو'' ·· فقد خسرت الفرق ''الهاوية'' والصغيرة وعاد اللاعبون والأنصار إلى أوطانهم، ولم يبق في تلك البلاد الملونة والجميلة سوى من يجب أن يبقى وقد بقيت الفرق التي لها عظام صلبة ونفس طويل، وهي الفرق التي التي تسمى ''أمم كرة القدم''، باستثناءات صغيرة جدا مثل إقصاء البرازيل، وإقصاء غانا التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى المربع الثاني، لولا الحظ البائس اللعنة عليه· لكن نهاية الهيجان المونديالي بالنسبة لهذه الفرق العائدة إلى أوطانها لا تعني نهاية العالم، بل تعني مرحلة جديدة شاقة وصعبة، وهي تحويل هذه الفرق الصغيرة إلى فرق كبيرة، تحويل الفرق التي ذهبت إلى المونديال لتتعلم إلى فرق متعلمة مثل التلاميذ في المدارس، فهم يتعلمون طيلة السنة الدراسية ولا يمكنهم التعلم خلال الامتحانات، مثلما قال رابح سعدان، ويجب أن يحدث هذا التعلم قبل موعد المونديال المقبل في البرازيل، وأن يبدأ الآن وفورا، وإلا سنبقى مثل الأطفال سيئي السلو، نمتص دائما عصير التوت ونرمي ما تبقى منه مع البصاق، أكرمكم الله ·· ونبقى ندور وندور، لا نمشي في الطريق الصحيح، ولا نسقط على الأرض ·· مثل التائهين والثمالى·