إلى جانب تمثال صغير للأمير عبد القادر، كانت صورة ستالين في إطار متوسط الحجم برواق صالة بشقة ياسين·· كانت نظراته محدقة بشكل بارز، وكانت شواربه تبعث في نفس من ينظر إلى الصورة مشاعر غامضة ومبهمة·· ما الذي يترك كاتبا إنسانيا وثوريا يحتفظ بصورة حاكم، أدانه رفاقه الشيوعيون بالديكتاتورية، وأدانه اليساريون السابقون الذين تخلوا عن يساريتهم وتحولوا إلى اليمين الجديد بعد أحداث مايو ,1968 وأحداث المجر وتشيكوسلوفاكيا··؟! ياسين، كان يحتفظ بصورة أخرى ومخالفة بل وشاعرية ومليئة بالفخر عن جوزيف ستالين·· لم يكن يحترمه فقط، بل كان يحبه، وبعد كل انقلاب العالم عليه·· هل كان بأعماق ياسين نزعات نحو الديكتاتورية والتسلط؟! هل هو نتاج مرحلة ستالينية على الصعيد الدولي والتاريخي، ولم يتمكن التحرر من صورة الايقونة؟! اكتشفت من خلال محاوراتي مع كاتب ياسين، أن العلاقة بين صاحب ''الرجل ذو النعل المطاطي'' وخليفة لينين، كانت ذات طابع صوفي سياسي، كان ستالين يمثل بالنسبة لياسين، الرجل الذي وقف أمام أطماع وتوسع الإمبرياليين، وحوّل الاتحاد السوفياتي بالرغم ما يقال عنه، إلى قلعة تضامن حقيقي مع الشعوب التي كانت تسعى إلى التحرر من الكولونياليات القديمة، وفي نظره، لولا العالم الذي نتج عن الحرب الباردة، ما كانت الثورات الفيتنامية والكوبية والجزائرية قادرة على الصمود، والمواجهة وتحقيق انتصاراتها التاريخية·· وكان دائما يحلو لياسين عندما يتحدث عن ستالين أن يعود بذاكرته عندما كان فتى، وكان وقتها يقرأ على رجل بسيط ومتواضع جريدة ''الجزائر الجمهورية'' وذات يوم كانت الجريدة تتحدث عن مواقف ستالين من الأمريكان، مواقف صلبة ومنتصرة للشعوب المناضلة في سبيل حريتها، وتحمس هذا الرجل لمواقف ستالين، بحيث في اليوم التالي اشترى بنفسه الجريدة، وجاء إلى كاتب ياسين ليقرأها له، وكان يتصور أن الجريدة ستتحدث من جديد عن ستالين··· وبدا لي من خلال حديث ياسين عن ستالين أنه مختلف عن المثقفين اليساريين الذين كانوا يبجلون ستالين، ثم انقلبوا عليه، وكانت هذه السلوكات في نظر ياسين من أعراض المثقفين المتذبذبين والبعيدين عن حياة الشعب·· فإعجاب ياسين وحبه لستالين لم يكن شكلا من أشكال عبادة الشخصية الكارزماتية، بل كان حبا للرجولة التي تمثل المبادىء والقيم التي تنتصر لكرامة الإنسان··· لكن ما رأي ياسين في الانتهاكات والتجاوزات والجرائم التي ارتكبها ستالين ضد رفاقه من أمثال ليون تروتسكي وزينبوفياف وغيرهما ؟! كانت إجابات ياسين غامضة وتبريرية، وكان يرد ذلك إلى تناقضات كل ثورة·· ونفس الحب الذي كان يكنه ياسين لستالين، كان يتكرر مع الأمير عبد القادر، وهوشي منه، الذي كتب عنه مسرحية بكاملها، بعنوان ''الرجل ذو النعل المطاطي''·· كان ياسين يؤمن بدور الرجال في تغيير التاريخ وفي تغيير الأنظمة عبر الأفكار والثورات·· وعندما كان ياسين في ألمانيا تزوج من ألمانية، وكان له معها ابن قبل أن يتطلقا أطلق عليه اسم مركب وعجيب، محمد هانس ستالين، وكان يردد علي في كل مرة الحكاية التي كانت تثير فيه الكثير من الضحك والسخرية واللذة، يقول لي ياسين، مرة، كنت في حديقة بألمانياالغربية سابقا، وكان رفقتي زوجتي وابني محمد هانس ستالين، وكان إسم ستالين شبه محظور ومحرم، لما كان يثيره من رعب وكراهية عند الألمان الغربيين·· وفجأة رحت أنادي على ابني الذي راح يركض بعيدا بصوت جهوري ومثير ''ستالين، ستالين، ستالين··· فانتبهت إلي الأنظار وكأنها لا تصدق، وكنت أرى الرعب والقلق مرتسمين على ملامحهم··· لم أتوقف، بل أعدت الاسم، وأنا كلي ضحك وسخرية···'' وبعد سنة من حكاية ياسين لي، هذه القصة، جاء ابنه محمد هانس ستالين الذي لم يكن رآه، منذ أن كان صغيرا يبحث عن والده بسيدي بلعباس، وعندما لم يجده هناك·· جاء إلى ابن عكنون··· ولقد فتح الباب على هانس محمد ستالين، ابنه الصغير من امرأة جزائرية، أمازيغ·· نظر إليه أمازيغ وسأله ''نعم، تبحث عن من؟!''، فقال محمد هانس ستالين ''أبحث عن كاتب ياسين، أبي'' وعندئذ صرخ أمازيغ، وهو ينادي على والده··· '' إبنك أخي محمد هانس ستالين·· هنا·· يبحث عنك···'' ثم تعانق الأخوان بقوة وعنف·· كان ذلك المشهد تاريخيا وعاطفيا ومؤثرا ليس للأخوين وحسب، بل بالنسبة للأب ياسين، الذي وقف أمام عتبة الباب وهو يصرخ كالطفل ''آه·· كم كبرت، كم كبرت يا ستالين···!''.. حدث هذا في ربيع 1984