ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان العراقي الدكتور سامي عبد الحميد ل ''الأثر'': فن المسرح كما هو إستوردناه من الغرب
نشر في الجزائر نيوز يوم 07 - 06 - 2010

في حضرة هذا العرّاب تكتشف أن للوجود معنا مختلفا ·· وتدرك عندما تجلس وجها لوجه مع هذا الثمانيني الرائع (مواليد 1928) أن للحياة صورة أخرى غير تلك التي دأبت على رؤيتها ·· وأن العمل والجد هما سر الاستمرار الحقيقي ·· ففي حضرته لا حديث سوى عن المعرفة وجذوة الفكر والثقافة في سيرة مختلفة لرجل مختلف ·· ساعات قليلة تمضيها برفقة عرّاب المسرح العراقي سامي عبد الحميد، تجعلك تختبر ما قاله الكاتب الأمريكي ''هنري ميلر'' عن تجربة عمر الثمانين وجنون العطاء والبحث··
تحدثنا في الجزء الماضي بالتفصيل عن الستينيات وعن الثمانينيات والتسعينيات، لكن السبعينيات طبعتها ميزة مشتركة في العالم العربي وهي بروز ما سمي بالمسرح الاحتفالي الذي تألقت فيه أسماء كثيرة مثل عبد الكريم برشيد، الطيب الصديقي في المغرب، علولة في الجزائر، المدني في تونس قاسم محمد في العراق·· وغيرهم من الأسماء المهمة، كيف ترى مرحلة العودة إلى التراث ومسألة الهوية في المسرح العربي؟
نعم في السبعينيات حدث تصاعد في البحث عن هوية للمسرح العربي، وظهرت كل الأسماء التي ذكرتها وغيرها، وأخذ هذا البحث عن الهوية يظهر ليس على النص فحسب، وإنما عن الرؤية الإخراجية، أنا مثلا عملت ''هاملت عربيا'' وافترضت لو يظهر أميرا مثل هاملت في الجزيرة العربية ماذا يفعل، وعملت ''حلم ليلة صيف'' افترضت أنها تحدث في بيئة أندلسية في حين الأحداث تحدث بغابة في أثينا، وهنا يبرز البحث عن الهوية ليس في النص والرجوع إلى التراث فقط، وإنما حتى في الرؤية الإخراجية، الموجة بدأت من مصر بدأوا يأخذون من ألف ليلة وليلة وانتقلت إلى باقي دول المشرق والمغرب العربي·
في العراق كان أحد أهم الباحثين في هذا المجال، قاسم محمد، حيث ذهب إلى الجاحظ وإلى المقامات ·· لكن فيما بعد إنتبهنا، وتسألنا عبر كل الأقطار، ما الفائدة من هذا؟
المسرح فن عالمي والدليل على ذلك أن الغرب أخذوا أيضا من عندنا، مثلا أوغيست همبرغ السويدي كتب مسرحية عنوانها ''حذاء أبو القاسم الطنبوري''، والتي هي إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، وشاعر إنجليزي كتب مسرحية بعنوان ''حسن الحلواني'' أيضا مأخوذة من ألف ليلة وليلة، والعكس بالعكس، مثلا شكسبير إنجليزي لكن يُقدم في جميع أنحاء العالم، فليس مهم أن نبحث عن المصدر التراثي لأنه من حق أي كاتب عربي اللجوء إلى مصادر التراث العربي، لكن أعتقد أن هذا ليس شرطا لتحقيق الهوية، فتحقيق الهوية في المسرح يأتي من عكس الواقع الذي يعيشه المسرحي وواقع المجتمع، كما كتب عن الثورة الجزائرية، كاتب ياسين مثلا كانت لديه هوية قوية في أعماله لأنه بشكل أو بآخر عبر عن واقعه، ولذلك هذا البحث عن الهوية في التراث زال في الثمانينيات ولم يعد حتى مهما·
لماذا برأيك أصبح هذا الأمر غير مهم، هل لأن المجتمعات العربية نفسها كباقي دول العالم شهدت تحولات كبيرة؟
لا، الذي اختلف هو شعار المسرحيين العرب أنفسهم، وراحوا يطرحون أسئلة مختلفة، لماذا لا بد أن نحقق هوية عربية؟ لماذا هذا القيد؟ وبهذه الأسئلة وكثير غيرها تكشف لنا أن تحقيق الهوية يأخذ محاورا متعددة وليس فقط الرجوع إلى التراث، وأقولها بصراحة الطيب الصديقي قدم مقامات الهمداني، ولكن العرض كان عرضا غربيا وليس عربيا، وهذا ما يؤكد أن الفن المسرحي فن عالمي، مثلا الاحتفالية مع برشيد وغيره، ألم تكن موجودة بإفريقيا؟ ألم تكن موجودة بمسرح النول الياباني؟ الاحتفالية ليست حكرا على العرب أو على المغرب، وفن الحكواتي مثلا من القديم منذ غابر الزمن وإلى حد اليوم موجود ''وجود شخص يعرض وشخص يتلقى في مكان معين ظاهرة موجود في كل العالم وبين جميع الأمم''·
ألم يكن للرغبة والبحث عن فرص عالمية دور في تراجع مسألة الهوية في المسرح العربي؟
إذا تحدثنا بصراحة فن المسرح كما استوردناه، صحيح هناك ممارسات منذ زمن العباسيين شبيهة بفن المسرح، لكن المسرح كما هو بالمفهوم الحالي والعروض التي تقدم، كلها من الغرب ·· كنت دائما أسأل نفسي لماذا المسرحيون الغرب معجبون بالمسرح الشرقي الياباني والصيني؟ ويحاولون إدخال تقنياته في أعمالهم؟ لماذا هذا الإعجاب؟ وهذا لا أسميه رغبة في العالمية وإنما رغبة في تلاقح الثقافات·
البحث عن الهوية لم يمنع المسرح العربي من الاحتكاك بالمسرح العالمي وأكبر دليل على ذلك الإنتشار الواسع الذي عرفه مسرح بريخت عندنا؟
أنا معك تماما، مرت فترة لا تسمعين فيها إلا ببريخت ·· بريخت، تحول إلى موضة أكثر منه إلى شيء آخر، مسرح بريخت ليس كل شيء وإنما هو جانب، أسلوب، أتذكر أن أستاذنا إبراهيم جلال هو أول من جاء بالتغريب والمسرح البريختي إلى العراق، ومن جملة أقواله أن جميع المسرحيات يمكن أن يتحقق بها عامل التغريب، في كل المسرحيات نجد هناك تناقضا، والتغريب مبني على هذا التناقض، مثل ادعاء الكثيرين الآن المسرح التجريبي وهذه كذبة كبرى لأن المسرح التجريبي له شروطه الخاصة·
لكنكم خضتم تجربة التجريبي في التسعينيات؟
لم أكن أقصدها في الحقيقة، لكن تجربتي مع الشكسبيريات تعتبر تجريبا، من خلال ''عطيل في المطبخ'' أو ''بيت برناردا ألبا'' للوركا مثلا، أنا أقول أن التجريبي يجب أن نضع له فرضية، ونقوم بإجراءات لإثبات هذه الفرضية ونخرج بنتائج، هذا النظام إذا لم نحققه لا نكون أمام مسرح تجريبي، وفي غياب هذه الأمور نكون أمام نزوة أو لا أعرف ماذا يمكن أن نسميها·
إذن تتفق مع أن المسرح التجريبي أكثر حاجة إلى المبدع الحقيقي؟
طبعا، هناك قاسم مشترك الآن بين الفرق التجريبية، كلها تعتمد الارتجال، ليس هناك شيء جاهز، وبالتالي هناك مساحة أكبر للإبداع ولإيجاد البدائل، تجعل الفريق ككل يبرز في العمل وليس المخرج وحده هو من يتحكم في كل العمل·
تحدثنا عن ملامح المسرح العراقي إلى غاية التسعينيات، لو تحدثنا عن المسرح اليوم، في ظل تجربة الحرب؟
العراق مر بثلاثة حروب، الأولى مع إيران، الثانية عند دخول العراق إلى الكويت والثالثة تجربة الاحتلال؟
أنا أريد الثالثة؟
الغريب أن المسرح لم يتوقف مع كل الأحداث التي مرت، وبصراحة الإعتماد كان على العنصر الشبابي، لأنهم استطاعوا فعلا أن يواصلوا، بعد الأيام الأولى من احتلال بغداد اجتمعت مجموعة من الشباب، أغلبهم من معهد وأكاديمية الفنون، وقدموا مسرحية على أنقاض مسرح الرشيد، واستمر العمل رغم أن أغلب المسارح الموجودة في بغداد تعرضت للتخريب ما عدا المسرح الوطني·· وبرزت مجموعة من المخرجين الشباب استغلوا فراغ الساحة من الجيل الأقدم وراحوا يعملون واستطاعوا فعلا الاستمرار والتقدم·
نبقى في تجربة الحرب، إبداعيا ماذا خلفت؟
أعتقد قوة تجربة الحرب هي النصوص التي عكست نتائج الحرب ومرارتها، وخصوصا عودة الأسرى وعلاقاتهم مع ذويهم، مثلا نص مسرحية ''مائة عام من المحبة''، تحكي قصة أسير يعود بعد طول غياب فيجد زوجته قد تزوجت شخصا آخرا لأنها يئست من الانتظار، فيقول الزوج الثاني أنا أتنازل وأتركها لزوجها الأول لأنه الأحق، فيقول الأول لا لقد غبت كل هذه السنين فزوجها الثاني أحق بها مني·· وتنتهي المسرحية على هذا الوضع الذي يصور الآثار المأساوية التي خلفتها الحرب على حياة الناس، مسرحية أخرى في نفس السياق وهي لنفس الكاتب وعرضت في أماكن كثيرة عنوانها ''الجنة تفتح أبوابها متأخرة''، وهناك أيضا مسرحية ''النضى''·· وغيرها الكثير من الأعمال التي عكست واقع وآثار الحرب المؤلمة على يوميات الشعب العراقي·
يعني أن الجيل الجديد تمكن من استثمار هذه الآلام الإنسانية وحولها إلى إبداعات؟
لا أعتقد أنه الجيل الجديد، وإنما الجيل الوسط هو الذي كان أكثر تعبيرا، وكأن الجيل الجديد تأقلم ولم يعد يهتم، لقد قُدمت ثلاثة مسرحيات قصيرة على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، كشفت نتائج الحرب ليس بشكل مباشر وكيف غيرت ظروف الحرب القيم، سحقت قيم نبيلة وحلت محلها أخرى فاسدة، مثلا مسرحية بعنوان ''الكفالة'' تتحدث عن سجين سياسي يتم نسيانه لسنين وفجأة يتذكرونه ولا يجدون عليه أية تهمة، فيقررون إطلاق سراحه، فيقولون له نريد شخصا يكفلك لنطلق سراحك، فيقول لا أعرف أحد الآن إبعثوا لأهلي شخصا من عندكم فيأتي بخبر، وبعد الاتفاق يذهب شخص إلى عائلته فيتنكروا له خوفا من أن يلحقهم مصيره، وكذلك أصدقاؤه، وكذلك حبيبته ·· فقرر أن يبقى في السجن ولا يخرج إلى مجتمع بهذا الشكل·
وبعد الاحتلال أو بعد 2005 تحديدا ظهرت مسرحيات قليلة تعبر بشكل صحيح قدمها الشباب، وأريد الحديث عن مسرحيتين أعتبرهما في غاية الأهمية، الأولى كان عنوانها ''حضر تجوال''، والمسرحية الثانية أيضا تتحدث عن شخصيات مختلفة مرت بظروف صعبة في الفترة التي ازداد فيها العنف في العراق، يلتقون في البرزخ بعد أن يقتلوا جميعا في انفجار سيارة ويتحدثون عما حدث لهم ·· بعض الأعمال الإبداعية مثل الأخيرة عكست واقع الحرب بدقة، لكنني أقول أنه صعب على المسرح أن يرصد كل الأحداث ويكون صادقا في رصدها، لأن المسرح فن معقد ويحتاج إلى وقت، إلى جانب أنه فن جماعي، وبحاجة إلى فكرة عميقة وتحضير، ولذلك أعتقد أن الرصد يأتي في سنوات، وأقول أن المسرح العراقي قدم وثيقة عن تاريخ العراق من الأربعينيات وحتى الآن، والعمل المسرحي ينجح إذا كان المخرج صادقا في كل خطوة يخطوها، وبدون صدق المسرح حتما فاشل·
إذن، الجيل الجديد قادر على إبداع نصوص تغنينا عن التراث؟
نادر ·· هذا الزمن فيه كثير من التسرع والاستسهال، ليس هناك تدقيق وتمحيص، ليس هناك إتقان في العمل·
والنقد المسرحي في العالم العربي؟
في كل الأزمنة لم يصل النقد المسرحي في العالم العربي إلى مستوى العمل المسرحي، في فرنسا أو إنجلترا، العاملون في هذا الإطار منظرين وليسوا مجرد انطباعيين ينطلقون من أحكام ذاتية، ولذلك أقول أن النقد لم يساعدنا بل بالعكس، أحيانا دفع إلى ردود أفعال عاطفية وأحيانا أخرى كانت سلبية، وهناك مشكلة أخرى في عالم النقد، من فترة لأخرى تظهر أسماء لكنها لا تستمر تختفي بسرعة، ولذلك أظن أن مستوى النقد لم يرق لا فكريا ولا تقنيا·
قمتم بدراسة حول الملامح العربية لشكسبير، ماذا كانت النتيجة؟
يبدو لي للوهلة الأولى أن هذا العمل بسيط، لكن اكتشفت من خلال البحث أنه نادرا ما يوجد نص لشكسبير يخلو من الإشارة إلى العرب، إما إلى مدن أو إلى فلكلور أو نباتات ·· ولنأخذ طائر العنقاء على سبيل المثال، كل المصادر تقول أن موطن هذا الطائر هو الجزيرة العربية وتكرر في عدد من أعمال شكسبير، والسبب أن التجار في فترة كتاباته كانوا يزورون البحر المتوسط ويدخلون شمال إفريقيا ووصلوا حتى إلى حلب، وكانوا يلتقون الناس ويأخذون ثقافاتهم وحكاياتهم، وقليل من يعرف أن أصل عطيل هي حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة ''التفاحات الثلاثة'' التي أخذها كاتب إيطالي إسمه ''سيلفيو'' ويبدو أن شكسبير إطلع على الحكاية واستبدلها بالمنديل·
عرض ''زبيبة والملك''، جاء في فترة حرجة وقدمته مع ذلك؟
نعم، بسبب هذا العرض تلقيت تهديدات عبر الهاتف، واعتبروني من النظام السابق، لأنني أخرجت مسرحية حول صدام حسين سنة ,2001 وهذه المسرحية كانت تتنبأ بما حدث لصدم حسين تماما، وإلى اليوم لم أفهم سبب الانطباع الغريب حولها، فهي كانت تعلن عن النهاية التي سيرحل بها صدام·
ما هو الحد الفاصل بين سامي عبد الحميد الممثل والمخرج؟
أنا لم أكن أفكر في أن أكون مخرجا، مثلت دور أنطونيو في تاجر البندقية وأنا طالب في كلية القانون وحصلت على إعجاب كبير، وهذا جعلني أميل للتمثيل، وبعدها مثلت دورا مهما بمسرحية ''أغنية التم'' لتشيخوف، وهي حكاية الممثل الذي يشيخ ويبدأ في فقد جمهوره فيقرر الرحيل إلى مدينة أخرى ويتحول إلى مهرج وينام بعد كل عرض في المسرح لأنه لا يملك بيت، في ذلك الوقت أعجبني كثيرا هذا العرض لأنه يعكس فعلا حالة الفنانين في الوطن العربي كلهم بؤساء ومساكين، خاصة الذين يشتغلون في المسرح، كان هذا سنة 1956 ونجحت فيه واستمرت التجربة، وكررت هذا العمل مع قاسم محمد لكن بدون دور يوسف العاني في سنة ,1975 وفي الثمانينات أخرجت نفس العرض لنفسي·
أول إخراج لك كان مسرحية ''المقاتلون''، عن الثورة الجزائرية؟
نعم، كانت المقاتلون أول تجاربي الإخراجية (غريبة)، هذه مسرحية نشرت في مجلة الآداب اللبنانية وحصلت على جائزة أفضل نص، باسم مستعار، لما اطلعت عليها أعجبت بالنص ولم أكن أعرف شيء عن الإخراج مجرد فهم بسيط، وبعدها بدأت أعمل وأطور نفسي وأول عمل اعتبرته ثقيل هو ''الرجل الذي تزوج بالمرأة الخرساء''·
ما هو العمل الأكثر قربا إليكم في هذا المسار الحافل؟
''ثورة الزنج'' للشاعر الفلسطيني معين بسيسو، وقدمتها بوسائل بسيطة جدا، لكن الشيء الأهم أنها كانت تتنبأ بما سيحدث لفلسطين، بحيث كانت تحكي تقطيع فلسطين حتى لا يبقى منها إلا قطعة صغيرة وهذا هو ما يحصل الآن· وكانت مكتوبة بشكل يجبر المخرج على الإبداع، الثانية ''بيت غرناطة''، والثالثة ''عطيل في المطبخ''، هي الأعمال الأقرب إلي والتي أعتبر أن فيها الكثير من الإبداع·
هل هناك عمل ندمتم عليه؟
ليس عملا واحدا فقط، من جملتها ''مهاجر بريس بانت'' لجورج شحاذة، عندما قرأتها وجدت فيها قيم إنسانية وأخلاقية كبيرة فقلت أنها ستنجح نجاحا باهرا، وإذا بالصدى يأتي باردا عنها، والعمل فنيا كان ممتازا وقضيت في العمل عليه سنة كاملة، وبقيت أسأل نفسي لزمن طويل بعدها لماذا فشل هكذا، واكتشفت أنني في مواقف معينة أخفقت في تحقيق الإيقاع المطلوب·· وهناك أعمال أصلا لا أحترمها، وبصراحة لم أكن أصلا مقتنعا بها، لكن الفرق بينها وبين عمل ''مهاجر بريس بانت'' أنني كنت جدا مقتنعا به·
وفي المثيل؟
لا، في التمثيل لم أندم أبدا، وأصلا أنا مقل في التمثيل، وكل الأدوار التي عملتها بالنسبة لي كانت ناجحة·
ماذا تبقى لنا من الرواد؟
سؤال صعب (دمعة تباغته) لم يتبق، في العراق أنا فقط، زميلي بدري حسون مريض في الرباط، يسكن في جحر، زرته منذ مدة توسلته أن يعود إلى العراق وعدني ولم يعد، أيضا من الرواد خليل شوقي وهو الآن يعيش في هولندا·
من الذي تشتاق أو ترغب في العمل معه؟
جواد الأسدي، هو تلميذي ولدي رغبة في العمل معه، وفي كل مرة نقول أننا سنعمل معا لكن لم تأت الفرصة، أعتقد أن جواد حقق إنجازا مشهودا له، يعجبني عمله الذي يتميز بالدقة، الغريب أنني اشتغلت مع كل طلابي منهم عزيز خيون واشتغلت مع مختلف الأجيال وأصغرهم سينان العزاوي، إلا جواد أتمنى أن تأتي الفرصة·
في الأخير، تشتغل هذه الأيام على مونولوج، حدثننا عنه؟
صحيح، عنوانه ''غربة''، وهو في الحقيقة مستوحى من رسالة جاءت من أحد طلبتي المغتربين، يتحدث فيها عن معاناته وحالته منذ ترك العراق إلى أن استقر في أحد البلدان، وتأثرت كثيرا بها، واشتغل عليها أحد طلبتي في العراق فعمل منها مسرحية قرأتها وأعجبت كثيرا بها، فبدأت أعمل على النص، وقررت أن أمثل هذا الدور، وتبدأ الحكاية بسجين سياسي يعذب لكي يعترف فيرفض الاعتراف، ويزداد التعذيب، فيقرر الاعتراف لأن لا فرق والنتيجة واحدة·· الموت·· فيقول ''إذا لم أعترف سيقتلونني، وإذا اعترفت فلن أستطيع مواجهة المجتمع، وبالتالي عليّ أن أغادر البلد··''، وهنا سأعمل على إظهار المرارة والقسوة في هذه اللحظات الصعبة ''الموت غربة داخل الوطن، والغربة موت خارج الوطن''، فمهما ارتاح الذين هاجروا وتأقلموا يظلون يعانون ·· وهكذا العمل سيكون عبر رحلتين، رحلة إلى القبر ورحلة إلى الخارج، وفي الإثنتان سيعاني الشخص، فإذا كان جثة فهي تقلب وتفتش ويكشف عنها في كل نقطة تفتيش إلى غاية دخولها القبر، وإذا كان مهاجرا فهناك أيضا رحلة طويلة من الضياع في البحث عن شبه وطن جديد، وقد اشتغلت عليه سنة كاملة وحفظت الدور لكنني فجأة توقفت لأنني شعرت أنه لا يكفي أن أظهر أنا وحدي، رغم معرفتي أنني سأؤثر في الجمهور وأجعلهم يبكون ولكن هذا لا يكفيني، أحتاج إلى مُعادل صُوري يسندني، وعندي حلول لهذا الأمر لكنها لم تقنعني بعد تماما·
هل تعتقدون أن المسرح العربي بخير؟
لا والله، ومع الأسف، المسرح بدأ يتراجع لأسباب مختلفة من جملتها تأثير التلفزيون، وهنا أريد أن أستذكر ما قاله، جيزل روتوفسكي، في هذا الأمر ''المسرح إذا أراد أن يبقى حيا عليه أن يبتعد عن ما يقدمه التلفزيون''، لأن هذا الأخير يقدم أحداثا يومية، واقعية ·· المسرح يجب أن يسمو عن هذا ويقدم شيئا مختلفا حتى وإن كان مرتبطا بالواقع، لكن لا بد أن يتميز بالعمق وببعد النظر·· لا بد أن يتميز العمل المسرحي بقوة التنبؤ·
في الأخير، لو سألنا بعد هذه الرحلة الطويلة والحافلة، سامي عبد الحميد، ما هو المسرح بالنسبة لكم؟
المسرح بيتي الثاني، لا أستطيع أن أتخلى عنه، أجد فيه متعة لا أجدها حتى في بيتي، فهذا الأخير أجد فيه النوم والطعام ·· وغيرها من الحاجيات المادية، لكن المتعة الحقيقية أجدها في بيتي الثاني، عندما أقف على خشبة المسرح أو عندما أقف في الصالة وأُخرج أشعر بمتعة فائقة لا حدود لها ·· نشوة حقيقية تنسيني كل هموم الحياة·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.