في كل مرة نفاجأ بتقارير دولية تشير إلينا بالبنان، فبعد ترتيب الجزائر ما قبل الأخير في مجال محو الأمية، هأنذا اليوم نرتب في مجال الصحافة والحريات بشكل مثير·· فتصنيف الجزائر في التقرير السنوي الجديد لمنظمة ''مراسلون بلا حدود'' حتى وإن أشار للسبق الوطني والعربي الذي تحققه بعض الجرائد اليومية الخاصة من حيث رقم السحب اليومي، واعتبار غزارة السحب مع كثرة عدد الصحف والمجلات التي تصدر كأحد معايير قياس حرية التعبير، إلا أنها انتقدت الجزائر إذ قالت: ''لو اكتفينا بالنظر إلى عدد الصحف المتواجدة في الأكشاك، سنلحظ غزارة الكتابة الصحافية وبالتالي وجود حرية تعبير حقيقية في الجزائر''، خاصة وأن أكشاك العاصمة تغصّ بما يناهز 80 صحيفة يومية يصدر معظمها باللغة العربية·· وأظهر التقرير السنوي الجديد لمنظمة ''مراسلون بلا حدود'' وضع حرية الصحافة في العالم واستمرار تدهور وضع حرية الصحافة في العالم العربي باستثناء بعض الدول التي حققت تحسنا نسبيا، بحيث تذيلت ثلاث دول عربية قائمة المنظمة، ويتعلق الأمر بسوريا والسودان واليمن، في حين تذيلت كوريا الشمالية وتركمنستان وإيران وبورما والصين ورواندا، الترتيب العالمي، واحتلت أريتيريا المركز الأخير للمرة الرابعة على التوالي·· لكن هذا الاعتراف بنقلة الجزائر إلى مرتبة جديدة، لا يعني بالنسبة لمنظمة ''مراسلين بلا حدود'' إنجازا لحرية تعبير حقيقية·· لأن انخفاض عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحافيين في المحاكم الجزائرية -حسبها- وإن أكسب الجزائر ثماني نقاط جديدة، بترتيبها في المرتبة ال 141 عالميا من أصل 175 دولة، وإن كان تطورا ملموسا بالنسبة للسنة الفارطة، إلا أنه لا يعني تغيرا ملموسا في واقع الصحافة والصحافيين·· لأن وضع الصحافة والصحافيين وحرية التعبير -حسب المنظمة- لا يقاسان بعدد الصحف المصفوفة على الأكشاك·· وتعترف المنظمة بأن حالة الصحافة الجزائرية معقدة ودقيقة، لأنها عاشت صعوبات كبيرة مازال الصحافيون يواجهونها إلى اليوم·· وتضيف: ''حتى وإن تطورت الصحافة الجزائرية نوعا ما عبر تطور الحالة السياسية في البلاد، خاصة بعد أن تجاوز الصحافيون فترة الخوف على حياتهما··· إن المتتبع للحركة الإعلامية في الجزائر، حتى وإن اتفق مع المنظمة في تقييمها الأولي هذا، فإنه يستغرب من قولها، أي المنظمة: ''إن هامش تحرّك الصحافيين في مجال التعبير بات محدوداً، انطلاقا من تواجد غالبية الصحف بدار الصحافة··؟؟'' فهل يعقل مثل هذا القول، فهل الدولة هي التي أجبرت الصحافيين على ذلك أم أن المؤسسات الصحافية هي التي اختارت ذلك··؟ هذا الأمر لا يعرفه إلا نحن المؤسسات الإعلامية الذين كنا من أوائل من سكن دار الصحافة في العام 1990؟ ثم كيف تفسر بعض المؤسسات الصحفية التي أوجدت لنفسها مقرات خاصة خارج دار الصحافة، لأسباب مختلفة، التي اعتنت، والتي لم تجد لها مكانا، لأنه لم يعد فيها مكان·· وإذا كان الأمر في التسعينيات قد ساهم في حماية الصحافيين من القتل فإنه يعتبر اليوم عند البعض مشكلة اكتظاظ يريد التخلص منها···؟؟ من جهة أخرى، تعتبر المنظمة أن التهديد بالسجن يبقى سيفاً مسلطاً على كل الصحافيين الجزائريين، ما دامت الدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم ومديريهم قائمة، وهنا نقول: إنه وإن كان الأمر فيه كثير من الحقيقة، إلا أن استشهادها بعدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحف المستقلة الخاصة بالانتخابات الرئاسية، غير ذي مصداقية، ما دام تقريرها خاص بسنة ·.2010 وأكد محتوى التقرير أيضا، على أن عقوبات السجن والغرامات ما زالت تفرض على كل من يرتكب جنحا صحافية، طبقا للمادة 144 مكرر من قانون العقوبات الجزائري المعدل في العام ,2001 التي تنص على عقوبات بالسجن تتراوح بين عامين وإثني عشر عاماً وغرامات لكل تصريح يعتبر تشهيرياً·· وهنا أيضا لابد من القول إنه حتى وإن اتفقنا على رفض عقوبة الصحفي بالسجن، إلا أن التشهير أمر يعاقب صاحبه حتى في أكبر ديموقراطيات العالم·· وتنتقد المنظمة، الجزائر باستمرارها في الاحتفاظ بسيطرتها على الطباعة والنشر، بالرغم من نهاية احتكارها لقطاع الصحافة، ما جعل الصحف في تبعية دائمة للدولة في هذين المجالين·· وهنا أيضا يمكن الرد عليه، كون الصحف التي أرادت لنفسها أكبر حرية، أنشأت مطابعها ولم تجبرها الحكومة على البقاء معها·· لذلك فإن الطرح الصحيح هو قدرة الصحف على التكتل لخلق قوة ضاربة، لأن القضية تختزل في أن من يملك المال، يملك الاستقلالية··؟ وتخص المنظمة الجزائر بانتقاد هام لاحتكارها القطاع الإعلاني، والتحكم في توزيع إعلانات الإدارات والشركات العمومية، لكنها لا تعرف أن كثيرا من الجرائد المعارضة كانت مستفيدة، لأن القطاع الإعلاني كان يسير بمفهوم الأحباب والصحاب· وحسب مقولة ''من يدهن السير يسير··'' إلخ··؟