غدا يأتينا نوفمبر العظيم·· وبعده بستة أيام يأتي عيد ميلادي الذي لست أدري كيف أصفه·· ونوفمبر يأتينا كل سنة ومعه تأتي عطلة مدفوعة الأجر (هذه السنة لم يصادف عطلة نهاية الأسبوع، فالبشرى للعمال والموظفين وتلاميذ المدارس الذين سينامون حتى منتصف النهار)·· لا أذكر من نوفمبر العظيم غير صور طفولية مازالت تترى في شاشة الذاكرة كل نوفمبر·· الطفل الذي كنت يحمل علما صغيرا وهو سعيد به يلوح به مع أترابه وهو يصيح (تحيا) المهم تحيا أي شيء·· اسم الرئيس أو نوفمبر أو الثورة أو الشهداء أو حزب جبهة التحرير الوطني·· في طفولتي كنت سعيدا بنوفمبر وبكل النوفمبرات الأخرى·· المهم أنهم يعطوني علما لألعب به أياما ولا إذهب إلى المدرسة. لم يعد للفاتح نوفمبر فينا ذلك الوهج القديم وتلك الرمزية التي تغذت طويلا من خطاب سياسي اهتأ الآن، لأن العالم تغير ولم يعد هناك معسكر شرقي ومعسكر غربي، ولم تعد هناك دول عدم الانحياز ومجموعة ال ,77 لم يعد هناك أي شيء من زمن السبعينيات·· العالم تغير ومازالت طريقة الاحتفال بنوفمبر عندنا لم تتغير·· مازالت الاستعراضات في الشوارع والأعلام الكثيرة المرفوفة وصور الرئيس وشعارات المجد والخلود لشهدائنا الأبرار·· مازال كل هذا وأكثر. لكن يبقى الفاتح من نوفمبر 1954 لحظة تاريخية مفصلية في تاريخنا المعاصر، ويبقى بيانه التاريخي وثيقة تاريخية مهمة ومرجعا أساسيا للدولة الجزائرية تم نكرانه والدوس عليه، وفي كل مرة يتم الاستشهاد به في كل انزلاقات الدولة الوطنية دون أن يعمل بروحه أحد. يأتي نوفمبر العظيم كل سنة وحيدا ويتيما في ظل كل الخيانات التي حدثت وفي ظل كل الفساد الذي مازال المفسدون يتجرأون للحديث فيه عن المآثر والمناقب·· يأتي ويمضي.. ومع الوقت سيصبح مجرد عطلة يومية مدفوعة الأجر.