تابعت، صبيحة يوم الإثنين، مائدة الحوار بين الفرقاء العراقيين التي استضافتها حكومة إقليم ''كوردستان'' العراق، لمساعدة العرب العراقيين على التفاهم والاتفاق من أجل إطلاق الحكومة العراقية التي تأخر إعلانها لمدة ثمانية أشهر بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة·· واستمعت لكلمات كل فريق وتوصلت في النهاية إلى نتيجة واحدة، وهي أنهم كلهم متفقون في المضمون·· فكلهم يحبون العراق، وكلهم يريدون تنمية العراق والقضاء على الإرهاب ومحاسبة المفسدين، لكن اختلافهم الوحيد يكمن في من يصل إلى الكرسي ويستولي على السلطة، لأنه بدون السلطة لا يحسب له أي حساب··؟ وأنا كذلك، وإذا بي أسترجع شريط الانتخابات الأمريكية في النصفية البرلمانية الأخيرة، التي فاز بها الجمهوريون، والتي اعتبرت تصويتا على نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور، وسياسة معالجتها من طرف الرئيس ''أوباما''، وكيف وجب على هذا الرئيس أن يعترف بفشله، وأن يمد يده لخصومه من أجل التعاون في بناء أمريكا·· أمريكا هذه، التي أتت بغالبية هؤلاء العراقيين بل وهيأت لهم أرضية الحكم في العراق، مع مفارقة غريبة هي أنهم لم يستفيدوا من نظام حكم أمريكا شيئا، ولا حتى من كيفية التعامل مع الأحداث والنتائج الانتخابية· عجيبة هي تلك المفارقة، التي تجعل من أحدهم يريد البقاء في الحكم بشتى الوسائل رغم أنه أعدم من سبقه لتفرده في الحكم وديكتاتوريته في تسييره، وتلغي دور صاحب أغلبية انتخابية، حتى وإن كان من أوائل من نصبتهم أمريكا أثناء الاحتلال·· مفارقة فشلت أمريكا في أن تجعل من صاحب الأغلبية حاكما، لأن هناك من هو أوفى لأمريكا·· وهكذا تكون أمريكا قد فشلت في فرض الديموقراطية في العراق، وهي التي حطمت العراق وقتلت آلاف العراقيين باسمها·· حوار وأنا أتابعه كنت أشعر بالأسى، كتل بشرية تتودد فيه لبعضها البعض، وكتل بشرية أخرى تتآكل في الكواليس وفي الشوارع، وكلما كبر نفاق السياسيين، كلما تراكمت مشاكل الشعب العراقي وازداد ضحاياه·· هي حقيقة مرة يعيشها السياسيون في المنطقة العربية، سياسيون يريدون الحكم ويا ليتهم يعرفون فنونه ويقدرون مسالكه··؟ المؤكد أننا في عالمنا العربي لم نرتق بعد إلى الإحساس بقيمة الفعل من أجل الكل، حتى لو كان الكل مخالف لما نعتقده·· ولا يخدم مصالحنا الخاصة·· لقد تعودنا أن يختلف ما نصرح به علنا على ما نكنه ونضمره، مجتمع ينتهج المجاملات ويداري الحقيقة بل ويخاف قولها·· أين رؤساؤنا من الرئيس الأمريكي الذي فور ظهور النتائج سلط الضوء على نقائص سياسته وهو صاغر، وهو يعد بنهج جديد، رغم أنه مغاير لقناعاته ولبرنامجه السياسي·· بل ويلفت إلى توجه مرحلته المقبلة حسب ما اختاره الشعب المنتخب·· لشيء وحيد، هو أن حزبه لم يعد صاحب الأغلبية، وبالتالي عليه أن لا يبقى وحده اللاعب في صياغة استراتيجية البلاد·· هو أدرك ذلك، أدرك أن الشعب قد عاقبه على سوء اختياراته وأنه أصبح ممنوعا بحكم الصندوق أن يستمر في ذلك في ممارسة صلاحياته دون المعارضين··؟ وهو حتى وإن كان يدرك تماما، بأن دوره كرئيس أمريكي سيبقى متحكما فيه من الشركات الأمريكية الكبرى، التي تقر الحرب والسلم، لكنه أدرك أيضا أنها الشركات التي تنمي الاقتصاد وتحتوي البطالة، البطالة التي أسقطت حزبه، فكم من أحزاب وسياسات ورؤساء تم إسقاطهم من ملايين البطالين في الوطن العربي؟ ومتى يستطيع البطال عندنا، أن يفهم بأنه يستطيع عن يعبّر عن رأيه في سياسة بلاده بالانتخاب··؟ لكن مع الأسف، بطالونا ومفكرونا ومثقفونا، اختاروا طرقا أخرى للتعبير إما بالحرق والتكسير، أو بالتقرب والشيتة والتكبير، أو بالعنف والقتل والتنظير·· ربما لأن ذلك مرتبط بتزوير الانتخابات وتزييف الحقائق وعدم احترام قرارات المنتخبين·· ربما لو أن الشفافية انتشرت بين كل الناس وأصبحت المعيار الحقيقي في الأسرة والعمل والمجتمع، ستكون قاعدة للعمل السياسي·· الخيوط متشابكة والمصالح مترابطة، وهي جسور العمل السياسي، لكنها عندهم تنتهج بالديموقراطية والوضوح، وعندنا بالمحسوبية والغموض..