إن طرح 92000 وثيقة سرية عبر الشبكة الإلكترونية عن الحرب في أفغانستان، التي ورد فيها أن الحرب في أفغانستان تسير من السيء إلى الأسوأ وتقدم العديد من المؤشرات، تؤكد الأخطاء العسكرية ضد المدنيين وممتلكاتهم تتكاثر وتتصاعد والخسائر البشرية نتيجة استخدام الطائرات من دون طيارين أيضا تتفاقم، وبعض القواعد العسكرية الأمريكية تقع في مناطق يصعب حمايتها من غازات طالبان وتحيط بها قبائل تكره الوجود العسكري الأمريكي· وردت في التسربات هذه أيضا معلومات عن انتشار الفساد الرهيب في أوساط البيروقراطية والحكم الأفغاني وتورط قادة عسكريين أو أمريكيين في هذا الفساد ومعلومات عن فرار جنود أفغان بعد تدريبهم على أيدي مدربين من قوات الحلفاء، وعن استخدام طالبان صواريخ أرض جو وتورط إيران في دعم القاعدة وتهريب أسحلة ومجاهدين إلى أفغانستان، كما أن وضع الأمريكيين لا يتحسن ووضع طالبان وقوى التمرد يتحسن بمعنى آخر توحي التسريبات أو تؤكد أن لا أمل على الإطلاق بنصر قاطع تحرزه القوات الأمريكية في أفغانستان· وإذا بسطنا الأمور كما يفعل بعض المعلقين في الغرب ونلقى باللائمة على إيران أو على الاستخبارات الباكستانية أو على الرئيس أوباما الوافد على حرب لا يدله فيها وفي شنها سهل أن نصدق أو تكذب الجنرال غول رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق، وهو الرجل المثير للجدل، حين يتهم أمريكا بأنها تحاول التخلص من مسؤوليتها بإلقاء تبعات هزيمتها على هذا الطرف أو ذاك إلى درجة أنها تتهمه هو شخصيا بالمسؤولية عن بعض خسائرها في أفغانستان ما لا يدركه الكثيرون في الغرب هو أن الشغل الشاغل لباكستان الآن لا يزيد عن تأمين مصالحها وأمنها في حال انسحبت أمريكا مبكرا من أفغانستان، والباكستانيون يعرفون أن أفغانستان لا تطمئن إلى باكستان، وقد عانت من تدخلها في الشؤون الداخلية لها، لكن أي انكسار في نفوذ باكستان يعني زيادة نفوذ الهند وإيران، ومع هذا يمكننا القول بأن: مما لا شك فيه هو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يفكر في سحب جيوش أمريكا من أفغانستان في عهده وعلى يده، وهذا بعد أن دخلت هذه الحرب عامها العاشر لتصبح أطول حرب دخلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإذا لم يفلح في وقفها خلال ولايته، فلن يكون لجائزة نوبل للسلام التي منحت له العام الماضي قيم أو مغزى، ولن يأخذ المؤرخون بدفاعه أنه ورث الحرب ولم يشنها، فالحرب استمرت في عهده وتصاعدت وتفاقمت الخسائر البشرية وبسببها لحق أذى كبير باقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية وسلامها الاجتماعي لإعذار مقبول حتى وإن كان يتعلق بجهود مارستها جماعة من اليمينيين أقنعوا الرئيس بوش بأهمية شن حرب ضد الإسلام في أفغانستان ثم في العراق، فقد قيل الكثير حول عملية طرح 92000 وثيقة سرية عبر الشبكة الإلكترونية عن الحرب في أفغانستان سمعنا مبالغات واستخدمتها جماعات لتصفية حسابات عالقة وصدرت تكهنات عن دول تقف وراء التسريبات، وقرأنا تخمينات عن نوايا أجهزة مسؤولة في هذه الدول ومنها أجهزة في الهند وباكستانوأفغانستانوالولاياتالمتحدة، كان التسريب على كل حال فرصة لا تعوض انتهزها ناشطون أمريكيون لإثبات أن حكومة أوباما تحض الرأي العام الأمريكي على ممارسة ضغط يستخدمه الرئيس يبرر الإسراع بسحب قواته من أفغانستان وإنهاء الحرب خاصة بعدما تردد من أن المزاج الليبرالي في أوساط الحزب الديمقراطي وداخل بعض تيارات الحزب الجمهوري يرفض الانسحاب المبكر إذا كان سيترتب عليه أيضا تولي طالبان مقاليد الحكم ومباشرة الانتقام من خصومها، فضلا عن أن كثيرين لا يستطيعون احتمال نشوب حرب أهلية على نطاق واسع بين شعوب أفغانستان وطوائفها، على كل حال يصعب القبول بالرأي القائل بأن إدارة أوباما وراء التسريبات، فالرئيس أوباما كان قد قرر بالفعل الانسحاب وحدد موعدا على رغم أنه يعلم أن المؤسسة العسكرية ستعترض على الانسحاب المبكر أو أي انسحاب آخر في ظل ظروف غير ملائمة أو في وجود ملامح انكسار عسكري على الجانب الأمريكي وملامح تقدم وانتصار على جانب طالبانو ولا يشك عاقل يفهم النظام الأمريكي في أن المؤسسة العسكرية لن تكسب رهانا إذا قررت الدخول في مواجهة مع الرئيس إلا إذا كانت شعبية الرئيس مثل الوضع العسكري في حالج تدهور، إلا أن الخبراء والمطلعين على تفاصيل الحرب الأفغانية، يؤكدون أنه لم يوجد في الوثائق المتسربة ما يستحق اهتماما شديدا· ويشهد الواقع على أن التسريبات على رغم الطريقة التي وصلت بها إلى ثلاث صحف عالمية وما أحاط بها من حملة إعلانية لم تثر اهتماما فائق الحد كالاهتمام القوي الذي أثاره نشر وثائق البنتاغون في نهاية الحرب الفيتنامية، يقول الخبراء إن عدم الاهتمام الشعبي بالوثائق السرية المنشورة ربما يعود إلى أنها لم تكشف عن مفاجآت أو أسرار لم تكن معروفة، فمعظم ما ورد كان في الحسبان منه على سبيل المثال: لقد جاءت في الترسبات معلومات وفيرة عن الدور المزدوج الذي تقوم به الاستخبارات الباكستانية في الحرب الدائرة في أفغانستان، فهي تتحالف مع قوات التحالف وجهاز الاستخبارات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تتآمر -حسب الوثائق المتسربة- لقتل حميد قرضاي وتدرب انتحاريين على تفجير أنفسهم في صفوق قوات الناتو· ولا تنكر باكستان أن لها أدوار تلعبها في أفغانستان وإن رفضت الاعتراف بنشاطات تخريب واغتيالات الأدوار ذاتها لعبتها بتنسيق كامل مع الاستخبارات الأمريكية C.I.A في الحرب التي شنت ضد القوات السوفياتية في نهاية الحرب الباردة وتؤكد قيادات باكستان أن الاستخبارات الأمريكية ما كان يمكن أن تحقق هدفها ضد السوفيات في أفغانستان في ذلك الحين ما لم تعتمد على الاستخبارات الباكستانية، ولن تحقق أي تقدم يذكر في الحرب القائمة إلا بالتنسيق مع إسلام آباد يعترف بعض القادة الأمريكيين أن باكستان حررت بالفعل مناطق واسعة من إقليمي وزيرستان وسوات من قواعد المتمردين الأفغان ويتهم قادة باكستان الاستخبارات الأفغانية بأنها تقف وراء التسريبات بسبب كراهيتها التقليدية للاستخبارات الباكستانية، وأن الاستخبارات الباكستانية مكروهة في باكستان بقدر كراهية الأفغان لها، يتهمها الرأي العام الباكستاني خاصة دوائر النخبة من المثقفين والأكاديميين ورجال القضاء ونقابات المحامين بأنها المسؤولة عن إثارة النعرات الطائفية ونشر الفتن بين الحين وآخر لخدمة أهداف سياسية وأمنية، ومتهمة بأنها تغتال معارضين سياسيين أو تشوّه صورتهم وأنها تعذب المعتقلين بالتنسيق مع أجهزة استخبارات أوروبية وأمريكية وتزور الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمصلحة اختياراتها الخاصة، بينما يقول باكستانيون آخرون بأن الاستخبارات الباكستانية تستحق الاعتراف بفضلها في الحفاظ على ما تبقى من الكيان الباكستاني، لأنها تمثل الوطنية الباكستانية، وهو تعبير يجد ترجمته الفعلية في شعار حماية الإسلام والمسلمين من الزحف الهندي، هذا في وقت سابق كان الصراع على أشده بين باكستان والهند وإيران على قواعد النفوذ في أفغانسان تضمن لكل منها دورا في صنع مستقبل أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية· وعلى مرمى غير بعيد تستعد كل من الصين وروسيا لاحتمالات فوضى ضارية في وسط آسيا في حال خرجت قوات الناتو من أفغانستان منكسرة.