على وقع فسيفساء من الإبداع السرمدي، اختلطت فيها روح العطاء بالعشق الصوفي والتهاليل الطيبة، انطلقت ليلة أول أمس بالمسرح الجهوي بقسنطينة فعاليات الطبعة الأولى للمهرجان الثقافي الدولي للإنشاد في جو ملأته الفرجة خاصة، والحضور الذي سجل تواجده بقوة يركب الرحلة التي قادته من بوسعادة التي مثلها برعمها الصغير بلقاسم الذي خطف الأضواء قبل أن يحط الجميع الرحال بتونس رفقة المطرب لطفي بوشناق الذي غنى فأبدع، عزف فأمتع، وتصوف فكان أروع. ''أحبك حين أحب الهوى.. وحبي لك لأنك أهل لذلك.. فأما الهوى الذي أنت أهل له.. فعشقي لك عمن سواك يا ألله''... هي الكلمات التي رددت والستار يرفع عن أول عرس إنشادي تحتضنه عاصمة الشرق قبل أن يفسح المجال للكمّ الطيب والبداية كانت مع فرقة الرسالة القادمة من ولاية المسيلة. وبالرغم من صغر سنه الذي لم يتجاوز ال 15 سنة، إلا أن قائدها البرعم بلقاسم أبدع وهو يقدم باقة من أجمل ما جادت به حنجرته، والبداية كانت مع أنشودة ''الله يالله يا مولانا'' التي رددها الجمهور كثيرا قبل أن يسترسل ابن بوسعادة في تقديم بقية برنامجه الذي ضم كذلك وصلات أخرى جاءت تحت عنوان ''لا إله إلا الله''، ''اللهم صلي وسلم على العربي النبي'' قبل أن يختار أنشودة ''لله يا جزائر يا وطني المخير'' لتوديع جمهور قسنطينة الذي سجل حضوره بقوة في سهرة أقل ما توصف به أنها كانت جد مميزة ورائعة، خاصة والقادم من تونس يعتلي ركح المنصة مطلقا العنان لبهجة من نوع آخر لم يسمع فيها إلا ما هو طيب وجميل ومادح للرسول وشاكر لله عز وجل، وحينها قدم بوشناق أربع مقطوعات أندلسية، أولها حملت عنوان ''الملائكة''. وفي جو روحاني وخشوع من الجمهور، واصل ابن تونس تقديم برنامجه الذي حملت عناوينه نغمات في طابع الإصبعين وأخرى من نوع الراصد قبل أن يختار نوبة سيدي بن عيسى المشهرة للإعلان عن نهاية برنامج السهرة الأولى التي جرت مراسيمها بحضور مكثف للسلطات المحلية وبعض الوفود المشاركة في تنشيط فعاليات التظاهرة التي تستمر فعالياتها إلى غاية ال 2 من شهر ديسمبر القادم. المنشد السوري منصور الزعيتر ل ''الجزائر نيوز'': الإنشاد الديني رسالة حب وثوابت ولا علاقة له بالعنف والتطرف ذكر المنشد السوري، منصور الزعيتر، أن الصورة الخاطئة التي تروج لها بعض الأوساط عن الإنشاد الديني الهدف منها القضاء على جميع سبل التمسك بالدين الحنيف وسنة المصطفى، مؤكدا بأن الدعوة للحب والترغيب في العمل الصالح لم يكن في يوم من الأيام نوع من التحريض أو دعوة للمغالاة والتطرف. المنشد السوري الذي حلّ بقسنطينة قبل يومين، وخلال الندوة الصحفية التي نشطها بنزل سيرتا، ذكر بأن الإنشاد في البلاد العربية يسير في الطريق الصحيح، خاصة وأنه صار تقليدا بات ينافس باقي المهرجانات الفنية الكبرى، موضحا بأنه يعد ضرورة حتمية لتقوية الروابط بين الشعوب العربية والإسلامية في ظل المبادئ الإسلامية، متحسرا في السياق ذاته عن انعدام فرص التبادل بين المنشدين، حيث تعد المهرجانات على قلتها الصرح الوحيد لاجتماعهم، وما عدا ذلك فالجميع يعيش في غربة والكل يعمل على حدة وفي صمت. الزعيتر، وفي إجابته على أسئلة الصحفيين، ذكر بأن الأغنية الصوفية في بلاد الشام تحتل مكانة مرموقة، واستطاعت أن تجد لها مكانا في جميع البيوت السورية التي أصبح أهلها يستهلكون المدائح الدينية أكثر من أي لون غنائي آخر حتى في الأعراس والولائم التي أصبحت كلها تقام بفرق الإنشاد، الشيء الذي يعكس -حسب المتحدث ذاته- درجة الوعي التي بلغها المواطن العربي الذي صار يبحث عن الطمأنينة النفسية أكثر من أي شيء آخر. وفي مقارنته للأغنية الصوفية في المشرق، وتلك التي تؤدى في المغرب العربي، ذكر المنشد ذاته بأن الجزائر تعتبر رائدة في هذا المجال، وأن الكثير من المنشدين في المشرق يقتدون بنظرائهم الجزائريين الذين يتميزون بتأدية هذا الطابع بالإيقاع الموسيقي واستعمال الآلات في تأدية المديح، الشيء الذي يعطي للوصلات الإنشادية مضمونا روحانيا ومزجا موسيقيا يحافظون من خلاله على التوازن بين الشكل والمضمون عكس ما هو متعارف عليه في المشرق، حيث أن المنشدين هناك يقتصرون في الإنشاد على الحالة السمعية التي تعتمد أكثر على الصوت وتكون خالية من الإيقاع. قالوا عن التظاهرة خليدة تومي (وزيرة الثقافة): ''هنيئا لقسنطينةوالجزائر على حد سواء بهذا المهرجان الذي يكتسي طابعا خاصا ومكانة مرموقة وجب الحفاظ عليها والعمل على ترقيتها لما فيها من خير للبلاد والعباد على حد سواء.. نحن كوزارة نعمل جاهدين من أجل ترقية الفعل الثقافي عبر الوطن. وإذ جددت قسنطينة الموعد مع مهرجان آخر يضاف لسجلاتها، فذلك لأننا نريدها أن تكون دائما هكذا سيرتا عاصمة العلم الفن والحضارة... الحراك الثقافي الذي تعرفه الجزائر هو مؤشر لا يعكس إلا شيء واحد هو الحرص الدائم على تفعيل النشاطات وتفعيل المبادرات وفتح المجال أمام الشباب والجمعيات للإبداع بهدف النهوض بالقطاع الثقافي ومنافسة الغير في ذلك''. نور الدين بدوي (والي قسنطينة): ''مرحبا بجميع من لبّوا الدعوة وحضروا إلى قسنطينة عاصمة التاريخ والحضارة.. نحن نؤسس لمستقبل نبنيه بالثقافة، وهذا لن يتأتى إلا إذا تضافرت الجهود..ئ وبتنظيمنا لهذا المهرجان أكدنا مرة أخرى مدى انفتاحنا على الفن ومختلف الحضارات.. أكيد التظاهرة في بداية طريقها، لكن أن تشاهد وفودا تحط رحالها من مختلف الأقطار العربية هو الأمر المحفز والمشجع الذي يدعو للطمأنينة والتفاؤل بمستقبل زاهر''. جمال فوغالي (مدير الثقافة): ''مهرجان الإنشاد هو بادرة جعل قسنطينة تواصل مسيرة أحلامها في عالم الفن والطرب على اختلاف مشاربه.. أن نستضيف فرقا من أنحاء مختلف الوطن العربي وتقبل دعوتنا لمشاركتنا فرحتنا، ونحن نشعل شمعة المهرجان الأولى، هو شرف عظيم، وإذ لا نستثني أيا كان من الشكر نحمد الله على توفيقه لنا لبلوغ ما طمحنا إليه.. هدفنا واحد ووحيد هو إعطاء دفع قوي للمشهد الثقافي بسيرتا عاصمة الشرق، وسنعمل جاهدين على النجاح في ذلك''. بلقاسم سراي قائد فرقة الرسالة ل ''الجزائر نيوز'': النجاح في الجزائر أمر صعب في حوار مقتضب أجرته معه ''الجزائر نيوز'' على هامش مشاركته في أول طبعة من المهرجان الثقافي الدولي للإنشاد، ذكر البرعم بلقسام سراي، قائد فرقة الرسالة من ولاية المسيلة، الذي لم يتجاوز عمره سن ال 15 سنة، بأن النجاح في الجزائر أمر صعب، لأن لا أحد يهتم بالمواهب والفرص لا تمنح لهم إلا نادرا، الأمر الذي جعله يفكر جديا في الهروب إلى المشرق لتحقيق ما يطمح إليه، موضحا بأن تعلمه للمديح والإنشاد كان عن طريق السمع فقط. هي أول مشاركة لك في مهرجانات من هذا النوع خارج منطقة إقامتك، ما هو شعورك وأنت تلتقي بأسماء من الوزن الثقيل في عالم الإنشاد؟ هو شعور جد رائع وفرصة مميزة كنت أحلم بها منذ زمن، والحمد لله لقد تحققت في أول مهرجان إنشادي تحتضنه مدينة قسنطينة، وأنا جد مسرور خاصة وأنني التقيت ببعض المنشدين الذين اتخذهم قدوة على غرار الشيخ الترميذي، وأتمنى أن لا تكون هذه هي الفرصة الأخيرة. استدعاؤك للمشاركة في هذا المهرجان أكيد جاء من إمكانياتك التي يقال عنها إنها مميزة وتؤهلك لأن تكون منشدا له وزن مستقبلا، أين تعلمت هذا؟ أنا عصامي التكوين، وقد تعلمت الإنشاد بالسمع فقط داخل المساجد والزوايا الموجودة بمنطقة المسيلة قبل أن أفكر في إنشاء الفرقة التي أعمل مع عناصرها في الوقت الحالي، والحمد لله لقد بلغنا ولو الجزء البسيط مما نطمح إليه. إذن، أنت عصامي التكوين، ولم تدخل المعهد، ألا تفكر في التكوين الاحترافي ودخول مدرسة مختصة؟ أتمنى ذلك، لكن أين لي بفرصة مثل هذه خاصة في بلادنا التي لا تمنح فيها الفرص إلا نادرا، لكني أفكر في الانتقال إلى المشرق، إن وجدت العون والدعم. بخصوص كلمات الأناشيد التي تؤديها، هل تكتبها أنت أم تتعامل مع جهات أخرى؟ أنا أتعامل مع بعض الكتّاب والشعراء الذين ينحدرون من المنطقة نفسها التي أسكنها، والحمد لله لقد نجحت لحد الآن، وما تلقته فرقتي من أصداء تفيد بأن جميع المهرجانات التي شاركنا فيها بولايات الجلفةالمسيلة وبوسعادة نجحنا فيها. وهل لفرقتك تسجيلات؟ ولا واحد، والسبب معروف هو قلة الإمكانيات بالرغم من أن مثل هذا النوع يعرف تطورا ملحوظا. كلمة أخيرة ... أشكر محافظة المهرجان التي أتاحت لي فرصة المشاركة في هذه التظاهرة، وعبر جريدتكم أوجه رسالة إلى الجهات القائمة على قطاع الثقافة في البلاد كي توفر لنا الإعانة والإمكانيات للعمل في ظروف أحسن وتفتح لنا فرص تكوين أفضل.