قالها دحو ولد قابلية، في حوار له مع أحد المواقع الإلكترونية: ليس في الإمكان أحسن مما كان· الحكومة الحالية لم تخطئ في شيء، وإنما هي هكذا طبيعة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لا تحل بالعصا السحرية· وكل الكلام الذي قيل، هنا وهناك، عن الطبيعة السياسية للمشكلة، لا أساس له من الصحة، وهي محاولة من بعض الأطراف المغرضة لاستغلال غضب الشارع لمصالحها· كلام لا يختلف كثيرا عما قاله الناطق الرسمي باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو يصف المعارضين ب ''الذين يصطادون في المياه العكرة''· الحقيقة أن هذا الكلام يعكس بطريقته النتيجة النهائية التي وصل إليها الوضع منذ الاضطرابات التي عرفتها الجزائر في بداية التسعينيات، ابتداء بالإضراب السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ، الفيس المحل، وما عرفته الجزائر لأكثر من عشرية كاملة من الزمن· ومؤدى هذا التحليل أن الانفتاح الديمقراطي خطأ وأن الجزائر ليست مهيأة للتعددية السياسية والإعلامية، ومن ثم وجب التراجع عنها· وبالتعبير السياسي فليست الجماعات المسلحة هي المسؤولة عن عشرية الدماء، وليست بارونات المال، ولا الرشوة هي المسؤولة عن الفساد الاقتصادي وإنما المسؤول: الاختيار التعددي الذي اختاره الشاذلي بن جديد استجابة لمطالب المجتمع بعد أحداث أكتوبر .1988 وعلى هذا الأساس، أعلنت حالة الطوارئ وغلق التلفزيون أبوابه على الرأي السياسي المعارض، ورفضت وزارة الداخلية كل طلبات اعتماد الأحزاب الجديدة· من جهتها، تلقت المعارضة السياسية هذه الرسالة مائة في المائة· فمنها من ساعد السلطة على الاستمرار في هذا النوع من التفكير ومنها من اعترف أن التحول الحقيقي للديمقراطية لا يزال بعيدا ويحتاج أول ما يحتاج إليه اقتناع مختلف مراكز القرار في الجزائر وإجماعها على أن الديمقراطية هي الحل وأنه لا يمكن أن تكون مسؤولة عن أخطاء الأشخاص والمؤسسات· واقتنع الكثير من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية التي تمارس السياسة بصفة مستقلة عن الأحزاب أن التغيير الفعلي لا يأتي إلا من داخل النظام· ومنهم من عبر عن قناعته بالطريقة التالية: ما دام النظام مصرا على غلق المجال السياسي، وما دامت نتائج اللعبة محسومة مسبقا بالطريقة التي يريدها النظام، فلا داعي لممارسة السياسة ولا داعي لإضاعة الوقت في محاولة إقناع النظام بأنه يسير في الطريق الخطأ· والمضحك في كل ذلك أن المعارضة السياسية في الجزائر آمنت بالديمقراطية وتلقفت قوانين الانفتاح عندما قررت السلطة ثم توقفت عن الإيمان بها بعدما قررت السلطة أنها غير صالحة، لا يستثنى من ذلك إلا بعض البيانات القليلة بين لحظة ولحظة للإعلان عن بقائها على قيد الحياة، ثم ينتهي الأمر· وبعبارة أخرى أن الديمقراطية الجزائرية أعلنت بقرار ثم جاء قرار آخر ليلغيها· ولا يكاد أحد من السياسيين يبرهن أن العمل السياسي معاناة ونضال وتحمل مسؤولية وصراع من أجل الفكرة والرأي بغض النظر عن فحوى المراسيم وقرارات السلطة· وإذا من الصحيح أن يقال إن السلطة استهدفت إبعاد السياسة عن المجتمع وعملت على هيكلته بطرائق أخرى في شكل تنظيمات غير سياسية لا هدف لها سوى الاستفادة من الريع البترولي، فإن الطبقة السياسية مسؤولة هي الأخرى عن الهروب من المعركة، في أحسن الأحوال، ومد اليد إلى الريع في غالب الأحيان· والوضعية التي توجد عليها الغالبية الساحقة للأحزاب السياسية: من كان يتوقع أن ينضوي حزب مثل حركة مجتمع السلم إلى التجمع الرئاسي ويصر على البقاء فيه على الرغم من أنه فقد بسبب ذلك آلاف المناضلين، وعلى الرغم من أن وجوده في التجمع الرئاسي حوله إلى حزيب صغير· ومن كان يتوقع أن يتحول العديد من مناضلي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى وزراء في الحكومة بتزكية من الحزب، وعندما تراجع الحزب عن تأييد رئيس الجمهورية، فضل الوزراء الانسحاب من الحزب والبقاء في الحكومة· ومن كان يتوقع أن يكتفي رئيس حزب معروف بمنصب وزاري لمدة سنوات، وينسحب من الحزب ومن العمل السياسي ومن المعارضة كلها· ومن الصعب اليوم إقناع شباب غير مسيس بل ويكره السياسة، لأنه لا يعرف الأحزاب ولا تعرفه الأحزاب، بأن يقف على أبواب هذه الأحزاب ليدفع الاشتراكات وينتضم في صفوفها ثم يعود إلى الشارع في شكل سلمي·