أعلنت جبهة القوى الاشتراكية عدم مشاركتها في المسيرة التي قررتها مجموعة من النقابات وتنظيمات المجتمع المدني نهاية الأسبوع الماضي· كما انتقد بيان أمضاه السكرتير الأول للحزب، بشدة، تحركات حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ومع ذلك فلا تكاد الخطابات بين هؤلاء جميعا، تختلف في شيء· وإذا كانت الخصومة بين تنظيمي حسين آيت أحمد والسعيد سعدي معروفة، وتكاد تكون تاريخية، فإن الحراك السياسي، هذه الأيام، كشف عن خصومات كانت معروفة للرأي العام، كما أن تطور العلاقات بين الأشخاص والتنظيمات التي ينتمون إليها، يحتم رسم خارطة جديدة لشبكة هذه العلاقات· لنتذكر أن الانسجام بين رجل مثل الأستاذ علي يحيى عبد النور وحسين آيت أحمد كان تاما إلى درجة ظن معها الكثيرون أن المحامي المشهور ليس سوى مناضلا في جبهة القوى الاشتراكية· وحدث الطلاق، إلى درجة أن أحدا منهما لم يعد يطيق رؤية الآخر، وأصبح الصلح مستحيلا حتى في الحالات التي يتلاقى فيها الخطابان· وشبيه بذلك الطلاق بين علي يحيى وحسين زهوان، ليس فقط بسبب قيادة الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، وإنما لأسباب أخرى أشبه بالشخصية· وكانت لويزة حنون، هي الأخرى، من الشخصيات السياسية التي تدور في فلك القوى الاشتراكية، وكان الانسجام تاما من أكتوبر 1988 إلى عقد روما· ثم انقطع حبل الوصال، وذهب كل إلى غايته: حنون في مشاركتها في السجال ومعاركها، واختلافها مع الحكومة مع اتفاقها مع رئيس الجمهورية، ثم في بقائها بالبرلمان مع الدعوة إلى حله· ومن الجهة المقابلة شكل آيت أحمد وعبد الحميد مهري ومولود حمروش، ثلاثيا سياسيا، يسير على خط واحد، منذ توقيف المسار الانتخابي إلى وقت قريب قبل انتخابات العهدة الثالثة· ولم نسمع شيئا عن هذا الثلاثي منذ أكثر من سنتين، بعدما كان وعد بمبادرات ومبادرات· وفي الوقت الذي انسحب مولود حمروش، تماما، من المشاركة في الحياة السياسية، فلم تصدر عنه كلمة واحدة ولا تصريح ولا لقاء صحفي ولا تعليق، منذ مدة طويلة، بقي عبد الحميد مهري وحده، ينشط بطريقته الخاصة وبأسلوبه المعهود، ولكن خارج أي إطار تنظيمي· وانسحب طالب الإبراهيمي بعد إبعاده من الترشح إلى انتخابات ,2004 ورفض ملف اعتماد حزبه، ولا نعرف شيئا عن تطور العلاقة السياسية بينه وبين رفيقه محمد السعيد·· ومن جهة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لا تخفى على أحد تلك الانقسامات التي عرفها الحزب، وكيف أن عددا كبيرا من الإطارات التقليدية للحزب تحولت إلى أحزاب أخرى أو إلى مساندة الرئيس، أو إلى نوع آخر من المعارضة أو انطفأت إلى الأبد· وبعدما كان الانسجام تاما بين رضا مالك وسليم سعدي وعلي هارون، انقطع الحبل، واختفى علي هارون وسليم سعدي، وفشل ما يسمى بالتحالف الديمقراطي· ويمكن الاستمرار في الحديث عن الانقسامات والانسحابات والبطالة السياسية إلى ما لا نهاية·· يمكن تذكر علي راشدي وسوفيان جيلالي ونور الدين بوكروح وارزقي فراد وجماعة تيزي وزو المنشقة عن الأفافاس، وعدد كبير من المنسحبين من عدد كبير من الأحزاب السياسية· وهذا يكفي· هذا يكفي للتدليل على معارضة مشتتة وعلى غياب الشروط الدنيا للاتفاق على مشروع سياسي بديل، معارض، بما تحمله الكلمة من معنى تقليدي· وتأتي البيانات، مما تبقى من الأحزاب، لتفسر انهيار المعارضة السياسية بغياب الديمقراطية والدولة البوليسية وحالة الطوارئ· وأسباب لا تفسر واقع المعارضة الجزائرية، من جهة، ولكنها أنتجت في الجزائر عكس ما كان منتظرا منها وعكس ما يحدث في بلاد أخرى· فقد أدى تكبيل الحريات في مصر إلى الزيادة في صلابة المعارضة، وانسجام خطابها، وأدى الاضطهاد في تونس إلى إجماع المعارضة وتشابك التحالفات وتقارب الرؤى إلى النتيجة التي نعرفها·