من المفيد جدا التذكير أن الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية مارست مع القاعدة لعبة تبادل الأدوار· لقد كانت ولا تزال حكومات هذه الأنظمة غير المنتخبة تماما أو تلك التي تم انتخابها بطريقة مزوّرة، تحتاج دائما لخصم دموي حتى تثبّت وتكرّس نظامها الأمني، ذلك أن المجتمعات العربية، عبر عقود طويلة، تم دفعها إلى تبني قناعة مفادها: ''العيش بسلام حتى ولو على حساب مطلب تحقيق الديمقراطية''· القاعدة منذ نشأتها ظلت تقتل وتدمر وتمارس الإرهاب بغاية الاستيلاء على الحكم، وحجتها أن نظام الحكم مستبد· بدوره نظام الحكم يستبد أكثر ويقمع الحريات، وحجته أن محاربة تنظيم القاعدة يقتضي ذلك· وهكذا فقد أصبحت المجتمعات العربية لقمة سائغة في فم تمساح، فكه السفلي نظام الحكم الديكتاتوري وفكه العلوي تنظيم القاعدة المدمر· في يناير الماضي، خرج التونسيون إلى الشارع وقالوا كلمتهم الأخيرة: ''نريد تغيير النظام''· لقد تحلوا بالشجاعة والإرادة وناضلوا سلميا إلى أن حققوا مطلبهم في ظرف وجيز وبأقل الخسائر· المصريون بدورهم استلهموا التجربة التونسية وذهبوا بالملايين إلى ميدان التحرير، وقالوا كلمتهم هم أيضا، وها هم بصدد تأسيس دولتهم المدنية· الليبيون لم يتأخروا في رفع شعار التغيير السلمي ضد أعتى الديكتاتوريات العربية، والمرجح أنهم سيطيحون بنظام العقيد القذافي، هذا النظام الذي لا يبدو مختلفا كثيرا عن تنظيم القاعدة إلا من حيث الشكل· لقد شاهده العالم وهو يطلق النار على المحتجين ويقصفهم بالطائرات، متهما إياهم بأنهم خارجون عن القانون· المجتمع الدولي اليوم يتعاطف مع الشعب الليبي ويحاول مساعدته بكل الوسائل المشروعة، بل إنه يكتشف مدى البشاعة التي كانت مخفية وراء وجه الديكتاتور الموشك نظامه على السقوط· لأول مرة في التاريخ تنظر العواصمالغربية إلى مطالب الشعوب العربية بقدر كبير من الإيجابية ولا تهتم بتلك الحجج الواهية التي تتذرع بها الأنظمة القمعية· وبالمقابل فإن هذه الشعوب تكتشف أن التغيير بالوسائل السلمية أكثر جدوى وأقل كلفة، وهذا لا يعني سوى أن الجيل الجديد سينظر إلى المستقبل معتبرا أن استبداد الأنظمة وإرهاب القاعدة وجهان لعملة واحدة، فما إن يتم القضاء على هذا حتى يتلاشى الآخر· ما حدث في تونس ومصر، وما سيحدث في ليبيا، من تغيير، سيكون السد المنيع الذي يغلق الطريق نهائيا أمام القاعدة؛ فتجد نفسها معزولة عن الشعوب، عاجزة عن اكتساب الدعم والتعاطف والولاء· وهكذا تصبح رسائل القاعدة مجرد صوت مندثر لا أثر له في الواقع، بل صوتا يذكر الجميع بتلك اللغة التي لا تجلب إلا الموت والخراب للجميع· فمزيدا من التغيير والحرية لتصبح القاعدة في ذمة النسيان·