جميل جدا أن يسود الإنضباط في الوسط الكروي الجزائري الذي يعيش موسمه الإحترافي الثاني، لأن اللعبة تتطلب قدرا كبيرا من التقيد بالقوانين التي تسيرها· وجميل جدا أن نفكر مليا في نوعية العقوبات التي تراها مجدية وتفرز لنا نتائج إيجابية ودائمة، لأن ذلك من شأنه أن ينعكس على المستوى العام للعبة ويخلصها من السلوكات التي تحول دون تطورها· وجميل جدا أن نتخذ من العقوبات التي فرضناها على الأندية واللاعبين والمدربين والرؤساء معيارا لتقييم مدى جدواها وضرورتها، لأن ذلك سيسمح لنا كذلك بتطوير العقوبات والتدقيق فيها بما ينفع اللعبة ويدفع بها إلى الأمام· ولعل الأمر الذي جعلنا نسوق هذه الجماليات يكمن أساسا في وابل العقوبات المتشابهة والمتكررة التي دأبت الهيئات الكروية في بلادنا ممثلة في الرابطة الوطنية لكرة القدم والفاف تسليطها على أطراف اللعبة، والتي تختزل في حرمان الفريق من جمهوره لكذا مقابلة، بدعوى أن لقاءاته التي لعبها فوق ميدانه شهدت تجاوزات وانحرافات وخرجت كما يقول المصريون عن النص· ولا نظيف شيئا إن قلنا أن انفعالات الجماهير الكروية وجنوحها إلى السلوكات السلبية لا تقتصر فقط على الوسط الكروي الجزائري، بل هي ظاهرة عالمية انتشرت بل وتزامنت مع التطور الكمي والنوعي الذي عرفته اللعبة عبر العصور والأزمنة، فمن منا لا يتذكر موجة جماهير الهوليغانز التي ظهرت في الثمانينات والتسعينات وما تزال مستمرة في بعض مناطق العالم وفضاءاته الكروية، ومن منا لا يتذكر اليوم حوادث مؤلمة عرفتها ملاعب عالمية في مواعيد كروية هامة ومشهورة على منوال ما حدث ذات يوم من شهر ماي 1985 بملعب هيسل البلجيكي في إطار نهاية كأس أوربا للأندية البطلة بين العملاقين جوفنتيس وليفربول، عندما سقط ما لا يقل عن 39 ضحية قبيل بداية المقابلة، والأحداث المماثلة لما حصل عديدة ولا يسعنا المجال للتذكير بها، لكنها كانت مؤلمة واستدعت تدخل الهيآت الكروية والحكومات لوضع حد ما اصطلح على تسميته عملية إغيتال الكرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى· عقوبات أكل عليها الدهر وبالعودة إلى ما يحدث في بلادنا وبالتحديد في الوسط الكروي فإن أول ملاحظة يمكننا الإشارة إليها تتعلق بمدى نجاعة العقوبات التي سلطت على الأندية لحد الآن بمنعها من جماهيرها، حيث أثبت الواقع أن ذلك لم يحقق أي نتائج طيبة والدليل أن مسلسل الشغب والعنف والتكسير ما يزال هو العنوان المسيطر على حل المواجهات التي تشهد تجاوزات، وهو ما يجعلنا على يقين بأن محاربة الظاهرة بهذا النوع من العقوبات علاج تجاوزه الزمن، وأضر باللعبة أكثر مما ينفعها، ولا نعتقد أن هناك من يقول العكس، فاللقاءات التي تجري بمدرجات شاغرة تفقد نكهتها ويقل حماسها وتميل كثيرا إلى العبث الكروي منه إلى اللقطات الفنية، لأن الجمهور مهما كان نوعه يبقى اللاعب رقم 12 كما يقولون ووجوده في الملعب يضفي على المواجهات طابعا حماسيا منقطع النظير· وبعيدا عن الافرازات السلبية التي تتركها هذه العقوبات، علينا أن نجيب عن بعض الأسئلة التي نراها مهمة ومنطقية لتبيان مدى صواب القرارات التي تتخذ في حق الأندية بسبب تهور جماهيرها، وأول هذه الأسئلة هو هل يعود على عاتق هذه الأندية مهمة توفير الأمن في المدرجات؟ ماذا عسى أن يقوم به مسيرو الأندية لضمان السكينة والطمأنينة في المدرجات؟ ومن يثبت أن الجماهير المشاغبة تنتمي إلى الأندية المضيفة؟ وقبل الإجابة عن هذه الاستفهامات بودنا توضيح نقطة وهي أن القانون يقول أن الفرق المضيفة هي التي يقع على عاتقها توفير الأمن والتنظيم وكل ما يتعلق بالمقابلات، لكن ذلك لا يمكن أن يتم ما لم تشارك أطراف أخرى في العملية مثل حضور الأمن وعمال الملاعب وكل الجهات المعنية بالمنافسة الكروية والتي من المفروض أن تتولى مهمة المحافظة على أمن الملاعب، حتى تستطيع الأندية لعب مواجهاتها في ظروف حسنة، ومهما تكن شخصية أي مسير في الفريق فلا يمكنه أن يتحكم في مناصر وحركات الآلاف من الجماهير في المدرجات، ونحن نتحدث عن فوضى الملاعب تذكرت ما قاله رئيس شبيبة القبائل محمد الشريف حناشي قبيل لقاء ناديه مع شباب بلوزداد، حيث قال ''يمكنني أن أدفع الأموال لأحد مناصري لرشق ملعب 20 أوت بالحجارة وإثارة الفوضى وسيكون الخاصر الكبير شباب بلوزداد باعتباره الفريق المضيف''· وحتى إن كان حناشي لم يقدم على تنفيذ فكرته وجرت المواجهة في ظروف حسنة، إلا أن ما ذهب إليه يطرح أمرا آخرا وهو أن مصدر الشغب والفوضى لا يمكن تشخيصه في جمهور الأندية المضيفة وبالتالي فإن توجيه عقوبات ضدها قد لا يكون عادلا، ويبقى البحث عن وصفات أخرى للعلاج هي أحسن طريقة للابقاء على النكهة الكروية في الملاعب وعدم حرمان الجمهور من متابعه لقاءات ناديه·