ليس هو الممر العلوي الوحيد في الجزائر العاصمة الذي يتزاحم فيه المارة مع الباعة والزبائن، لكنه قد يكون أكثرهم ازدحاما مع أنه الأطول على الإطلاق، إنه الممر الذي يربط محطة 2 ماي 1962 بالشارع الصغير المؤدي إلى شارع حسيبة بن بوعلي بالجزائر العاصمة· حتى ولو كانت لك سيارة وتركتها هربا من زحمة المواصلات التي تخنق شوارع الجزائر العاصمة، فإنك ستضطر عند مدخل الممر العلوي للراجلين الواصل بين محطة 2 ماي 1962 البرية وشارع حسيبة بن بوعلي، أو العكس، للوقوف بعض الوقت حتى يتسنى لك المرور وأنت على رجليك، ليس لأن الممر ضيق وسط زحمة لا تهدأ وإنما بسبب تحول أجزاء كبيرة منه إلى سوق لكل أنواع السلع من الملابس الداخلية إلى شرائح الهواتف النقالة مرورا بالحلويات وأدوات الزينة وغيرها· ويحدث أن تتعطل حركة المرور بالكامل، ويضطر العابرون لتغيير المسار وقطع مسافة طويلة من أجل العبور إلى الضفة الأخرى، بسبب المناوشات التي تحدث أحيانا بين هذا البائع أو ذاك من أجل مكان بسط السلعة والكل يدّعي أن المكان مكانه· إنه الممر الأكثر طولا ويتجاوز السكك الحديدية القريبة من محطة آغا، ليعبر فوق الطريق المزدوج الذي يؤدي من جهة إلى قلب العاصمة ومن جهة أخرى إلى ضاحيتها الشرقية ليتفرع إلى عدة طرق تؤدي إلى شرق وغرب البلاد· ولأنه يقع في تلك المنطقة الاستراتيجية، فإن الزحمة فيه لا تهدأ، لكنه بالمقابل تحول إلى مكان مثالي للباعة المتجولين الذين أصبحوا بمرور الوقت مقيمين والكل يدّعي أن المكان مكانه· كل شيء يباع هنا تحول الشارع الصغير المؤدي من شارع حسيبة بن بوعلي من جهة والممر المؤدي إلى محطة 2 ماي 1962 من جهة أخرى إلى سوق كبيرة للخضر والفواكه ومختلف السلع الأخرى، وتوسع السوق الفوضوي ليلتهم الممر العلوي نفسه، ولا تكاد بداية الممر تبدو للراجلين مع الخضر والفواكه المعروضة للبيع على الجانبين، وبينهما مختلف الأفلام السينمائية والأغاني المصورة والقديمة المعروضة على شكل ''سي دي'' أو ''دي في دي'' أو ''دي في إكس''، ليضطر العابر للتوقف اضطراريا، بسبب الزحمة الكبيرة في الاتجاه المعاكس لأناس جاءوا من ضواحي الجزائر العاصمة عبر حافلات النقل الحضري التي لا تتوقف حركتها· ووسط تلك الزحمة يجد الكثير من المتسولين المكان ملائما لجمع أكبر عدد من النقود، وبعضهم يبدو في شكل رجل مشلول فقد ساقه وبعضهن تضع مولودا حديثا في حجرها وهي تستعطف الناس دنانير من أجل حليب الوليد أو الدواء الضروري لإنقاذ حياته، وعند المدخل مباشرة يقابلنا أحدهم الذي لا يكترث بأمواج العابرين من الناس ولا يهدأ وهو ينادي بأعلى صوته أنه مسكين وفي حاجة لمساعدة المؤمنين من الناس· وبالكاد ترى بضاعة بائع الخواتم والحلي البسيطة من المعادن الرخيصة، والممر الذي وضع فوق سكك حديد القطارات التي تراها من الأعلى، حيث تجد من يبيع الأحزمة الجلدية وشبه الجلدية بمبالغ مغرية لا يمكن مقارنتها بتلك التي في المحلات، غير أنك في هذا الحال لا تسأل عن النوعية فأنت كالمقامر، تماما مثلما هو الأمر مع الجوارب التي تباع بثمن بخس إلا أن الصالح منها لا تكاد تعثر عليه· وحتى شرائح الهاتف النقال التي كانت في سنين ماضية تعرض للبيع بالاكوام، وشددت معها السلطات بمنع أي شريحة غير مسجلة، فقد عادت للسوق من جديد، والشريحة التي تباع ب500 أو 600 دينار في المحلات العادية تشتريها من الممر ب100 دينار فقط، وعندما تسأل البائع عن صلاحيتها ومطابقتها للقانون، يجيبك على الفور وبيقين أنه يمنحك مع الشريحة مشروع العقد مع شركة الهاتف النقال وما عليك إلا الذهاب إلى نقطة بيع معتمدة من أجل إتمام الخطوات القانونية الأخرى· تجارة·· وشطارة أيضا يعرض بائع آخر لوازم واكسسوارات الهواتف النقالة، بينما يعرض زميله مواد التجميل وسط زحمة وإقبال النساء الذين ربما يكون السعر قد أغراهن، وبعضهن سبق وأن جربن تلك السلعة من قبل وثبت صلاحيتها· وتتنوع السلع المعروضة من تلك المواد إلى لعب أطفال وكتب الطبخ بمختلف أنواعها وبأسعار معقولة جدا، وكتب الأطفال المختلفة، إضافة إلى أجهزة التحكم عن بعد لمختلف أنواع أجهزة استقبال الفضائيات وحتى أجهزة التحكم في التلفزيونات· إنها السلع التي تأخذ في العادة نصف عرض الممر، ليبقى النصف الآخر من نصيب المارة من الجهتين وحتى المتسولين والمتسولات· ويحرص مختلف الباعة على الحفاظ على سلعهم من الخاطفين المحتملين، وكل بائع من أولئك الشباب متأهب في كل وقت لمواجهة أي طارئ، فقد يأتي بعض أفراد الشرطة وحينها يحمل كل واحد سلعتهم ويلوذ بالفرار، كما قد يصطدم ببعض السارقين وساعتها تحدث معارك تجعل مرور الراجلين مستحيلا لبعض الوقت· ''اخطيني راك تجيب لي في البلاء'' وسط هذا الجو المشحون، لا تجد بائعا يفتح لك قلبه للحديث عن هموم المهنة وظروفها، والكل متوجس من القادم، بعضهم يقول بأنه غير مستعد للحديث بسبب وجع في الرأس، ويرشدك آخر إلى زميله له، أما ذلك الزميل فيتجاهل طلبك وكأنه لم يسمعه وينخرط في مراقبة سلعته تارة ومراقبة عيون وأيدي العابرين، وعندما نلح في السؤال، يجيبنا أحد البائعين قائلا: ''أنت تخدم خدمتك، وأنا اسمحلي اني نخدم''، ويعتذر بشدة عن الحديث ويمنع بشكل قطعي أخذ أي صورة، ويرشدنا إلى الباعة المتواجدين على حافة المحطة البرية 2 ماي المجاورة، وعندما نقول له أن الموضوع أصلا ينحصر في الممر، يقول بأنه لو تكلم أو سمح بالتصوير، فإن المؤكد هو أن عناصر الشرطة بعد صدور الموضوع في الجريدة سيقومون بمنع أي نشاط تجاري، وأقول أن الأمر سبق وأن حدث عندما كتبت إحدى الجرائد عن الموضوع وتمت مطاردة البائعين، ويضيف أحدهم بالقول: ''لقد خسرت مليون و800 ألف سنتيم قيمة السلعة التي صادروها لي ووجدت صعوبة بالغة من أجل جمع المال لشراء سلعة أخرى''، ويقول أن المعاناة لم تبدأ اليوم، وكل الممرات ممنوع عليها البيع والأمر ينطبق على ذلك الممر الذي يخشى باعته من المداهمة في أية لحظة، ويقول آخر: ''الله غالب الخبزة جات هكذا، كنا نتمنى أن نعمل في ظروف أفضل، كان يمكن أن نمتلك محلات ندفع الضرائب، لكننا حُرمنا من ذلك ونحن مضطرون لجلب قوت يومنا في إطار الحلال''· ويترجانا أن نتركه في حاله، ويعتذر عن منع تصوير الممر حتى لا يجلب له ذلك المشاكل، لكن ''أمين'' المصور يضطر للمغامرة بعد ذهاب وإياب فيستعمل كاميراته خفية ولا يدري إن كانت الصور التي التقطها صالحة للنشر، إنها المغامرة التي انتهت ببعض الصور الفوتوغرافية وهذه الصور المكتوبة·