المتأمل في العلاقات التي تفرزها المنافسات الرياضية بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة يستطيع دون عناء اكتشافس ذلك الإحترام المتبادل بين المنافسين والتقاليد العريقة التي يحاول كل طرف التمسك بها، والمحافظة عليها بعد أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من الممارسة عبر العصور والأجيال وتبقى علاقات رؤساء الأندية، فيما بينهم تنفرد بخصوصيات ومميزات تختلف بالتأكيد عن العلاقات التي تربط بين اللاعبين فيما بينهم· وكذا المدربين، وإذا وقعنا جانبا قضية عدم تدخل رؤساء الأندية في الأمور التقنية للفريق وعدم إقحام أنفسهم في الجوانب التي ليست من اختصاصهم، فإن ما يستوقفنا عند هؤلاء الرؤساء وطبعا هنا نقصد الأجانب، هو بالدرجة الأولى مدى الاحترام المتبادل بينهم، ومشاهدة لقاءات أنديتهم خلال كامل الموسم، وتبقى الأعراف الكروية في إسبانيا متميزة نوعا ما عن باقي الدول الأخرى، من خلال جلوس رئيسي الفريقين جنبا إلى جنب ومشاهدة المواجهات فوق أرضية الميدان، في هدوء يتخلله من حين إلى آخر بعض الدردشة، بينهما في مشهد قل ما نعثر عليه خارج إسبانيا· ولا تنغص المواجهات الكبيرة والمحلية على منوال الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة على الجلسات الحميمية بين رئيسي الفريقين المتنافسين، رغم الصخب الإعلامي الذي يسبق عادة مثل هذه المقابلات المثيرة والهامة، وكذا التصريحات النارية التي يطلقها اللاعبون أو المدربون في إطار الحرب النفسية التي تخيم على ''الداربيات''، فكم من مرة شاهدنا مناوشات بين اللاعبين فوق المستطيل الأخضر، لكن ذلك لا يؤثر على شخصية رؤساء الأندية الذين يلتزمون الصمت وعدم استعمال إشارات الرضى أو الرفض· والواقع أن مثل هذه التصرفات والسلوكات بل والقناعات التي ينتهجها رؤساء الأندية المعترفة في العالم، تعطي لنا صورة حضارية عن مدى التعاطي الرفيع مع اللعبة والرفع من شأنها، وهو ما جعل العديد من الأنصار يكنون الإحترام لرؤساء أنديتهك ولا يتهجمون عليهم مهما بلغت وضعية الفريق، لأنهم على يقين أنهم بعيدون كل العبد عن كل ما يتعلق بالجوانب الفنية والتقنية، وفي المشهد الذي لا تكاد تجد له أثرا خلال المواجهات الكروية في بلادنا، التي تعرف عادة غياب رؤساء الأندية في أحيان كثيرة، وتدخلهم السافر في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك النواحي التقنية، وهو في الحقيقة مظهر يعكس بشكل كبير الواقع الحالي لكرتنا المسكينة·