طرحت وزيرة الثقافة خليدة تومي، لدى مناقشتها إشكالية ''الأيام الدراسية حول فرانتز فانون: خمسون سنة من بعد ,''2011-1961 المنظمة صبيحة أمس الثلاثاء بالمكتبة الوطنية، أن الجزائر تحتاج إلى مثل فانون كطبيب نفساني ليحلل ما يقع في العالم العربي اليوم، ويشرح طبيعة سلوك قوات استعمارية جديدة على شاكلة حلف الناتو، وما تقترفه في حق مفاهيم سامية مثل ''الثورة'' و''التحرر''· المشاركون من جهتهم، اعتبروا أن نصوص المناضل المارتينيكي خصبة تحتمل أكثر من دراسة، في وقت رأى آخرون أن خطابه ينطبق على قضايا راهنة مثل فلسطين، ويصلح أيضا لفهم نفسية العنف الرمزي المتولد عن مشكلة الهوية· طلبت وزيرة الثقافة خليدة تومي، من المتدخلين في اليوم الأول من الأيام الدراسية (6 - 7 ديسمبر)، حول المناضل والطبيب فرانتز فانون ، أن يوضحوا ما إذا كان فانون قد قدم مساعدة للمناضلين والمجاهدين، وهم في غمرة الضغط الاستعماري؟ معتبرة أن البعد الثاني لهذه الشخصية لا يقل أهمية عن كونه مفكرا ومناضلا وسياسيا مناهضا لقوى الاستعمار· وقد لخصت تومي في تدخلها، إشكالية اللقاء المنظم من قبل إحدى هيئاتها، ممثلة في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلمك الإنسان والتاريخ، فقالت: ''الجزائر تحتاج إلى مثل فانون كمفكر وكطبيب نفساني أيضا، لننظر إلى القوات الاستعمارية الجديدة كالناتو التي باتت تنظم وتسطو على مفاهيم مثل الثورة والتحرر''، مردفة: ''نريد أن نعرف هل الفكر التحرري اليوم مصدوم أو لا؟''· بالمناسبة اقترحت الوزيرة، على الجهة المركز الوطني، أن ينطلق في تسجيل شهادات حية مع كل من عايش فانون المناضل والطبيب، مؤكدة لسليمان حاشي، الحاضرة بالقاعة، أنها مستعدة لتمويل المشروع، في إطار احتفالات الجزائر بالذكرى الخمسين للاستقلال· وفي مداخلته اعترف الأستاذ المصري يوسف شعبان، أن جيل الخمسينيات في مصر، من العاملين في السياسية سرا، اتخذوا من كتاب ''معذبو الأرض'' بمثابة ''دستور أو برنامج لنا، ترجمناه في خطة محاربتنا لأشكال الطغيان التي كنا نعاني منها''، ويقول أيضا: ''تحدث فانون عن العنف الممارس على الشعوب، والنتيجة التي ستؤول إليها تلك التصرفات، ونحن في مصر رأينا تنبؤات فانون تصدق على أرض الواقع، عندما ثرنا على النظام في 25 يناير''· يعتبر فانون كاتبا غير عادٍ بالنسبة للمصريين، وقد حققت أعماله المترجمة إلى العربية في لبنان انتشارا كبيرا، عن طريق إعادة نسخها، وتوزيعها بين القراء· من جهته قال لمين بشيشي، في شهادته حول فرانتز فانون الكاتب الصحفي، في الطبعة السرية لجريدة ''المجاهد'': ''لم تكن لي علاقات شخصية مع فانون، فقد كان ضمن فريق التحرير بالفرنسية، وكنت أنا في الفريق المعرب، لكنه كان دائم السؤال عن مشاعرنا وأحاسيسنا، كان يسألني عن مشاريعي المستقبلية، كان يحب التدقيق في نفسية كل واحد منا·· أعتقد أنه كان نفساني صعب جدا، ومتعطش للعلم''· من جهته، تحدث بيار شولي عن موقع فكر فانون في تحرير مقالات ''المجاهد'' التي لم تكن موقعة بأسماء أصحابها: ''كانت كتاباته متأثرة بالفريق، كان يعمل وفق توجيهات علي بومنجل، وكذا عبان رمضان، لذلك أعتقد أن مقالاته كانت تعرض فكرة الجماعة وليس فكرته الخاصة''، وبتعبير آخر يعقب قائلا: ''فانون كان مثقفا من بين مجموعة من المثقفين الجزائريين، ومن الخطأ القول إنه كان منظر الثورة الجزائرية''· يؤمن الابن أوليفييه فانون، أن خطاب والده فرانتز فانون، كان يحمل رسالة تحريرية، لصالح الشعوب المقهورة، وما تزال هذه الرسالة تصلح لهذا الزمن، تحاكي الراهن وتقدم أدوات تساعد على فهم ما يحدث في أرض الواقع· كما أشار أوليفييه، في معرض حديثه، إلى المجادلات والنقاشات التي حدثت بين فانون المناضل والملتزم بقضايا التحرر، والروائي السينغالي سينغور، حول قضية الزنوجية، إذ لم يكن سينغور يقاسم فانون رؤيته للاستقلال، ومرد ذلك الخلاف يعود إلى الستينيات، في فترة ''استقلالات'' دول إفريقية كثيرة، في المقابل ثمة دول لم تقبل الاستقلال الممنوح لها، وقد كان سينغور من بين هؤلاء · إن التغييرات السريعة في العالم العربي، من خلال الثورات والانتفاضات، تجد تفسيرها في فكر المناضل والنفساني فانون، الذي كان السباق إلى الحديث عن مناهضة الاستعمار بكل أشكاله، بما فيه استبداد الأنظمة الحاكمة· يمارس الأخصائيون النفسانيون الجزائريون، في نظر الدكتور عبد الحق بن نونيش، سلوكا باتجاه النسيان وتجاهل الفكر الفانوني، الذي نجح في إرسائه، طيلة مجابهته للنظرية الكولونيالية النفسانية، التي كانت تفسر سلوك الجزائريين، من وجهة نظر حيوانية محضة، وتنزع عنه بعده الإنساني· أما ماتيو رونو من فرنسا، فتوصل بعد دراسة لأعمال فانون، أن فكر هذا الأخير يتسم بالعالمية والخصوصية المحلية في آن واحد، ولا يجوز حصره في فلسفة الأنوار أو غيرها· بينما أكد مصطفى حداب، أن نصوص فانون ''خصبة تكشف في كل مرة عن ممرات جديدة جديرة بالدراسة، وأن انشغاله بالأفكار السياسية لم ينسه المسائل الابستمولوجية'' · من جهته فتح الاجتماعي عبد القادر زغال من تونس، صفحة حميمة رفقة فانون، يوم فسر له المشكلة التي يعاني منها المجتمع التونسي، وعلى ضوء حالة مرضية لأحد التونسيين، أبلغه فانون بالقول: ''مشكلتكم تكمن في المسافة المناسبة التي تمنع العنف الرمزي·· وهي مشكلة كل المجتمعات المستقلة حديثا، وكانت تونس قد استقلت حديثا أيضا·· وخرجت من عنف مادي إلى عنف نفسي''، ويشرح زغال مقاله بالتأكيد على أن ''الإشكالية الآن هي كيف نجعل من المواطن رغم التباين الديني، العرقي، اللغوي والجهوي، مواطنا غير قابل للعنف الرمزي''، أي بين القبطي والمسلم، وبين الإسلامي والعلماني·