صدر عن منشورات القصبة كتاب ''حرب التحرير وثورة ديمقراطية: نصوص الأمس واليوم''، للمناضل رضا مالك عبارة عن مجموعة من المقالات التي كتبها في الخمسينيات ونشرها بجريدة المجاهد عن حرب التحرير الجزائرية بالإضافة لنصوص أخرى كتبها بعد استقلال الجزائر. يشير رضا مالك في مقدمة كتابه الموسوم ''حرب التحرير وثورة ديمقراطية: نصوص الأمس واليوم'' أن النصوص الواردة في الكتاب تتمحور حول ما سمّاه المفكر المعاصر فرانسيس فوكوياما ''الصراع من أجل الاعتراف'' (هذا المفهوم يعتبر جوهر الديالكتيك الهيغلي المتعلق بالسيد العبد، إنه محرك تاريخ إنسانية تحرر نفسها تدريجيا من كل أشكال الضغط، وتمنح للتاريخ معنى واتجاها في طريق التطور، وبالنسبة لفرانسيس فوكوياما، فإن هذا التطور يتحقق في المجتمعات الليبرالية المستقرة). ويقول رضا مالك أنه في حالتنا (أي الجزائر) وبتطبيق هذا المفهوم، فإن هذا يعني الاعتراف بالاستقلال المثالي للجزائر، باعتبارها أمة وبالاعتراف بكرامة الإنسانية لكل مواطن جزائري. ويذكر رضا مالك في مقدمة الكتاب أن بعض المقالات المنشورة في هذا الكتاب ''حرب التحرير وثورة ديمقراطية'' قد نشرها خلال حرب تحرير الجزائر، في جريدة المجاهد، وهي الجريدة التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني، تحت اسم مستعار، وعن تلك المقالات كتب يقول ''كنت أريد التذكير ببعض المواضيع التي كانت محور اهتماماتنا، وأيضا الحديث عن الجو الخاص الذي كنا نعمل فيه كصحفيين. لقد كان المرحوم عبد الحميد بن زين هو من اقترح علي الفكرة. فبعد أن نشرت مقالا في جريدة الجزائر الجمهورية، تحت عنوان ''ثورة ديمقراطية'' ولم يكن يعلم أنني صاحب المقال، وحين أخبرته بذلك، شجعني على مواصلة كتابة هذا النوع من المقالات ولكن ليس تحت اسم مستعار، وهذا ليكون لتلك المقالات حسبه قوة وتأثير على الأجيال الجديدة''. ويشير إلى أن مقالاته ذات صبغة نضالية، مواصلا الحديث عن مساهمة جريدة ''المجاهد في نشر ودعم إيديولوجية الثورة. ويعتقد المناضل رضا مالك، في مقدمة كتابه دائما، أن عبان رمضان اتخذ بعض القرارات التي لم تنفذ، وكانت متناقضة مع وثيقة الصومام التي صاغها مع العربي بن مهيدي، ويذكر حادثة وقعت في أكتوبر 1957 بتونس، بعد عودة عبان رمضان من القاهرة، وهذا بعد أول اجتماع للمجلس الوطني للثورة الجزائرية (C.N.R.A) منذ انعقاد مؤتمر الصومام في أوت ,1956 حيث استدعى عبان رمضان -الذي كان مكلفا بالاتصال- بعثة المجاهد ليعلمها بالقرارات المتخذة في مؤتمر القاهرة، ويضيف رضا مالك قائلا: إن عبان رمضان أعلم البعثة، التي كان هو أحد أعضائها، بتعليمة أدهشت الجميع، هو وزملاؤه من الصحفيين بما في ذلك الطبيب فرانز فانون، وهي تعليمة اتخذها عبان رمضان حسب رضا مالك بتحريض من الدكتور لامين دباغين الذي رقي إلى عضو في لجنة التنسيق والتنفيذ، وجاء في التعليمة حذف الشعار: ''من الشعب وإلى الشعب'' وهو الشعار الذي كان يظهر تحت عنوان الجريدة. ويورد رضا مالك حجة عبان رمضان وهي ''أننا نخوض حرب استقلال ضد مستعمر أجنبي وأننا لا نخوض ثورة تقتضي تغييرات داخلية''، مشيرا إلى أن عبان بصفته مناضلا منضبطا تقبل الموضوع دون الاقتناع به. وبالنسبة لرضا مالك فإن المشكل المطروح هنا ليس صغيرا ولا يتعلق بشجار بالكلمات، إنما يشكك في الأرضية الأساسية لمؤتمر الصومام التي صاغها عبان رمضان والعربي بن مهيدي. ويذكر مالك ما جاء في معنون وثيقة الصومام ''لضمان نجاح الثورة الجزائرية في النضال من أجل الاستقلال الوطني''. وكتب قائلا في ص 10: ''شرحت لعبان أن حرب التحرير لبلد مثل الجزائر وفي أوضاعها تتطلب بالضرورة ثورة شاملة، تكون في نفس الوقت: سياسية، اجتماعية اقتصادية، فكرية''، وأشار إلى أنه اقترح تحرير مقال يشرح وجهة نظره، ونشر في جريدة المجاهد يوم 15 نوفمبر 1957 تحت عنوان ''ثورة ديمقراطية''، وقد حافظت المجاهد حسب رضا مالك على شعاره، الذي ما يزال ينشر حاليا في الجريدة. ويشبه في مقدمة كتابه التعليمة التي أصدرها عبان رمضان بشأن التخلي عن شعار جريدة المجاهد ''من الشعب وإلى الشعب بمحاولة الفيس (FIS) إطلاق شعار ''بلدية إسلامية'' بدل شعار ''من الشعب إلى الشعب''. يقع كتاب رضا مالك في 758 صفحة، قسمه إلى جانب المقدمة، إلى ثمانية فصول، ويحتوي الفصل الأول والمعنون ''ثورة'' على 20 مقالا من بينها: ''رغبتنا في العيش: ثقافة وضغط'' ''الشخصية الجزائرية''.. ------------------------------------------------------------------------ المثقفون الجزائريون أثناء الثورة أما الفصل الثاني فعنونه ''عودة إلى الوراء''.. ويحوي ثمانية مقالات منها: ''المثقفون والثورة الجزائرية'' وهي محاضرة ألقاها في أفريل 1986 بالمركز الثقافي الجزائري بباريس، في بداية مقاله يحدد رضا مالك مفهومي المثقف والثورة، ويقول إن العلاقة بينهما جدلية. ويشير في مقاله إلى أن الثورة الفرنسية في 1789 كانت سبقتها ظهور تيارات فكرية انبثقت من فلسفة الأنوار وحتى الثورة البلشفية التي قامت عام 1917 بالاتحاد السوفياني سابقا، قامت هي الأخرى على فكر سيطر على روسيا في منتصف القرن الواحد والعشرين، وهذا دليل على الدور الأساسي للمثقفين، وقد أشار ليون تورتسكي إلى هذا في كتابه بقوله: ''الثورة الروسية جرت في المصانع، الثكنات، ولكن أيضا في مختبر دماغ لينين''. وفي حالة الثورة الجزائرية يعتقد رضا مالك أن المثقفين الجزائريين كانوا يتمتعون بمستوى من التعليم، فكان من بينهم الطبيب والمحامي والمعلم، كما اكتسبوا قدرات تتجاوز الحقل الضيق لنشاطاتهم المهنية، فكان ينظر إلى المثقف في تلك الفترة أنه دليل مزود بسلطة ذهنية تجعل منه الناطق باسم الآخرين (المواطنين)، مشيرا إلى أن المثقف في الخيال الشعبي كان يمثل طبقة اجتماعية تؤدي وظيفة خاصة أطلقت عليهم تسمية ''المتطورون''. ويرى الكاتب أن المجتمع كان يطلب من المثقفين تحقيق الكثير من الأشياء أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولم يكن المثقفون أمثال بن جلول، فرحات عباس، عبد الحميد بن باديس، يطالبون فرنسا سوى بالمساواة في الحقوق، لقد قبلوا لعب دور الإندماج بشرط أن يحفظ كرامة الشعب الجزائري، ويقول رضا مالك ''في وقت كان الاستعمار الفرنسي في بدايته قويا من السيء اتهام هؤلاء المثقفين بأنهم حلفاء مع فرنسا''. ويشير إلى أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية أصبح حزب مصالي الحاج يضم في صفوفه مثقفين ثوريين، متشبعين بفكرة الاستقلال والفعل المباشر، ويورد ما كتبه بن يوسف بن خدة عن المثقفين الجزائريين الذين التحقوا بحزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية (PPA - MTLD) أنهم لم يكونوا مفكرين، كما يعترف بن يوسف بن خدة أن أغلبهم لم يكونوا مؤمنين بفكرة الاستقلال أما حركة (UDMA) والتي كان عدد مثقفيها أقل من حزب الشعب، كانت تدافع عن فكرة الاستقلال الذاتي في الاتحاد الفرنسي، إلا أنهم مثل مثقفي حزب الشعب لم ينتجوا أي كتاب نظري. وحتى جمعية العلماء المسلمين حسب بن يوسف بن خدة اقتصرت أفعال مثقفيها على تكريس تعليم اللغة العربية ومبادئ الإسلام. ويرى رضا مالك أن ميزة مثقفينا أثناء تلك الفترة من تاريخ الجزائر، أنهم كانوا يتمتعون بتوجه ايديولوجي لكن ينقصهم فعل المثقف أي إنتاج فكر نظري، كما يتحدث مؤلف كتاب ''حرب التحرير وثورة ديمقراطية'' عن عائق آخر واجهه الجزائريون المثقفون المنضوون تحت لواء حزب الشعب، وهو تسلط مصالي الحاج. ويشير المؤلف إلى أن نسبة المثقفين الجزائريين، وصل في 1954 وكان قليلا جدا، فغداة اندلاع الثورة أقل من 14٪ من مجموع الشعب الجزائري، كانوا يعرفون القراءة والكتابة، وكان يوجد 165 طبيب، 354 محامي، 350 عامل، ومئة ضابط التحقوا بالجيش الفرنسي، و30 مهندسا وأقل من 50 طالبا مسجل في جامعة الجزائر، ومليون طالب سافروا للدراسة في فرنسا والشرق الأوسط. ويضيف أن هذا العدد القليل من المثقفين دليل على أن تأثيرهم على سير الأحداث سيكون ضعيفا. ولكن هذا لا يعني حسبه أن عدد الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال الجزائر في صفوفهم كان قليلا بل بالعكس، ويسأل: ''لكن من هم هؤلاء الفاعلون'' صانعو الثورة؟ ويقول إنهم كانوا من أعضاء المنظمة السرية، وأنهم كانوا مناضلين في حزب (PPA- MTLD) وتربوا في الحزب وتشبعوا بأفكاره، منهم مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، بوضياف.. ولم يكونوا أشخاصا فظين لقد كانوا مسؤولين، فبعضهم تقلد مناصب داخلية وخارجية وكانوا محترفين في أفعالهم السرية ومنظمين ثوريين، يحملون من جهة شعبيتهم السياسية ومن جهة أخرى إيديولوجية متجذرة: استقلال، عدالة اجتماعية. ويتحدث رضا مالك عن عبان رمضان باعتباره مثقفا كان له الفضل في تأسيس تصور وطني جمع حوله كل الفعاليات السياسية. ثم يتطرق لدور المثقفين الجزائريين أثناء اندلاع الثورة ويتحدث عن مؤتمر الصومام وتأثيره الكبير على المثقفين الجزائريين ثم عن اضراب الطلبة في 1956 حيث التحق بعدها العديد منهم بالكفاح المسلح. وفي مقاله يعطي حصيلة 27 سنة من استقلال الجزائر وينتقد مثلا الثورة الزراعية، ويقول أيعقل أن نعلن عن تطبيق مشروع الثورة الزراعية دون أن نحضر الفلاحين لهذا المشروع؟! الأمر الثاني متعلق بفعل النضال، فالمناضل في حزب متشبع بأفكار لم يستدخلها شيئا فشيئا. فبالتجربة تتطور هذه الأفكار وبالممارسة على أرض الواقع وبالنقاش أيضا.