هاهو عام، أجل عام بكامله مرّ على رحيلك أيها الصديق·· أدري أنك هناك·· تنظر إلينا في عزلتك، تتابع بصمتك المريب ما يحدث على الساحة·· أكيد أنك الآن تشعر بحالة من الاستنفار والشوق إلى العودة إلى حياتنا وأنت تتابع من هناك ما حدث ويحدث على الساحة العربية من حراك قلب الأوضاع رأسا على عقب، وجعل من الأسئلة ساحة وغى مليئة بالغبار الملتحف ببريق الأمل وعامرة في الوقت ذاته بالتململ والحيرة وبشيء من التفاؤل الحذر·· لم يعد في مصر مبارك لكن نظام مبارك برغم صعود الإسلاميين لا زال لم يلفظ أنفاسه··· أما القذافي الذي كان مثار تفكهك فكانت نهايته مثل حكمه الغريب تتراوح بين التراجيديا والكوميديا المتفهة لكل الأشياء والكلمات·· في سوريا حمام دم ملعون·· ثمة إرادة حرية، شيء من الصخب، وكثير من الجنون والدم·· هل تذكر يا صديقي؟! تلك الأيام التي كان الإسلاميون الجزائريون فيها قاب قوسين من الحكم، أو هكذا كان الكل يتصور، ماذا كنت تقول لي، وأنا أتابع أخبارهم وتقلبات مسارهم؟! كنت تسميني بالمشعوذ·· لأنك كنت حزينا على الطريق الذي انتهجوه، أو دفعوا إليه دفعا، أحيانا بسبب الغرور، وأحيانا أخرى بسبب قلة الزاد والتجربة وشيطانية المؤامرة·· كان حكمك على تجربة الإسلاميين يبدو لي قاسيا، لكنني كنت أتفهمه، لما عاشه الناس من رعب وفزع وجنون كاد يأتي علينا جميعا كجزائريات وجزائريين، وكمجتمع ودولة وأمة··· كانت صداقتنا متينة وصمدت لرياح التناقضات والإختلافات التي عصرتنا وكادت تمزقنا·· كنت يساريا، وكنت قوميا·· ثم كلانا تحوّل لينفتح على الآخر·· أصبحت أكثر تريثا وابتعادا عن الأضواء، أضواء المواجهة، بينما بقيت أنا مشدودا إلى الإعلان الصاخب عن الذات وإلى العراك المعلن·· ومع ذلك، كنا نلتقي وإلى أن باعدت بيننا الظروف والأحوال·· غادرت أنا الخبر، بينما بقيت أنت تشتغل في صمت وكأنك في صومعة أو محراب··· أصبحت أكثر ابتعادا عن الجماعة لتنفرد بنفسك وتفتح الباب على عالم آخر، هو عالم محاورة الذات الباحثة عن نفسها في حميمية الإنساني، ودفء الديني·· وكنت من حين إلى آخر، أكلمك وتكلمني في التلفيون أو تبعث لي بميساج بمناسبة الأعياد·· وكل مرة كنت أسألك مازحا، هل تريد الإنسحاب من الحياة العامة؟! وكنت تجيبني بضحكتك الغامضة·· تعبت يا احميدة·· لكنني سأبقى مقاوما على طريقتك ولم تكن طريقتك سوى ذلك الإنصهار من الصباح إلى آخر المساء في صناعة الجريدة·· وكنت أعاتبك يا عثمان غادر قليلا محرابك الخبري·· لكنك كنت تضحك، دائما نفس ضحتك الغامضة·· وتقول لي، إن شاء الله·· إن شاء الله·· والآن، ماذا عساك تقول وعالمك العربي الذي طالما عشت له بالفكر والروح وهو يدخل مغامرة لم يعشها من قبل بقدر هذا الصمود والرغبة المجنونة في إنجاز الحرية والحيرة ؟!·