على الدوام، تلصق الخطيئة في هذا العالم بحواء، تلك المرأة التي كلما تقدمت وتطورت العصور، لا بد أن تظل مقهورة في مجتمعها، هذا ما قدمته مسرحية ''احتراق'' من السودان، مساء أول أمس الإثنين، بالمسرح الجهوي لعنابة، فكانت آخر ما يقدم للعنابيين ضمن عروض خارج المنافسة لمهرجان الإنتاج المسرحي النسوي· إعتمدت المسرحية المنتجة عن المسرح القومي السوداني، على سينوغرافيا متعددة، أبرزها البقاء قريبا من الجمهور، للحديث عن هموم المرأة، فتحوّلت إلى حديث صامت مطبق، يحكي لغة مخصصة لمعاناة المرأة في طريقة حديثها عن جسدها وآلامها وقهرها في المجتمع، الذي رسم لها صورة محددة ينبغي أن تظل داخل إطارها· إلا أن المرأة، رغم كل ما تكابده من عناء البحث عن ذاتها، لا بد أن تصطدم بالكثير من البوح المؤلم، فتجدها ترقص بعنفوان وهذيان يشير إلى الصراعات النفسية والجسدية كافة التي تواجهها· ذهبت المخرجة هدى مأمون في عملها هذا، إلى أبعد نقطة في الحديث عن المرأة، لهذا لم يشعر المتفرج أنها تحكي همّ المرأة السودانية وحدها، وإنما كل النساء العربيات، بل امتدت لتحاكي قضايا المرأة بشكل عام عبر جسد منتفض بآلامه· بادل الجمهور العنابي، هدى مأمون، الاهتمام والجدية في العمل، الذي أظهرته على الخشبة، خاصة وأن العرض السوداني كان آخر ما قدم في إطار الطبعة الأولى للمهرجان· ولم يخف الحضور انبهاره بالمسرحية، مستعدا لتلقي الرسائل المتعددة المنبعثة من كلام هدى عن نفسها وعن الرجل، و في قبولها للصمت والعيش في ما يريده الآخرون لها· وتعمّقت المسرحية عبر رقصات وهذيان الممثلة، في حديثها عن الصمت المجتمعي والنظرة الذكورية التي تحكمه، بحيث يضع المرأة في إطار المتعة والتسلية· جدير بالذكر أن نص ''احتراق'' كتبه فرحان الخليل، وأخرجته دراميا ومثلته هدى مأمون، إلى جانب الممثلين كامل رحمة وهشام صلاح، إذ كان يسيرا أن نلاحظ القوة الجسدية للممثلة، طيلة ساعة العرض، لدرجة أنها تقدر على حمل رجل على أكتافها، وقد أجابت معلقة على ذلك الموقف: ''المرأة التي حملت الرجل تسعة أشهر في بطنها كيف لا تحمله على كتفها''· لهذا لم يختلف إثنان في القول إن الطاقة المبذولة صوتاً وتعبيراً وأداء من طرف بطلة المسرحية، كان هو سبب قوتها وصلابتها، وبذكاء اختيار فكرة الصندوق كخزانة للعب والدلالة·