تظهر لوحات الفنان التشكيلي ''اسماعيل مطماطي''، التزامه بواجب البحث وتثمين خط التيفيناغ، بصفته شكلا فنيا وحضاريا. لهذا فهو لا يهاب أن يعرض رسمته بالقلم، كأول أداة أصلية حكت بها المجتمعات القديمة في الصحراء الشاسعة، قرونا من الإبداع والتواصل. لا تتعارض الألوان الترابية التي يستعملها مطماطي مع الأنوار المشعة، فهو بعودته إلى أصل الكتابة في شمال إفريقيا، عاد معها إلى الطين كمادة لا تفنى، ومن حبات التراب يمزج الخيال بقسوة الصخر الذي كتب التوارق تاريخهم عليه، قرون متتالية، دون أن يفكروا في محوها، مهما كانت مواضيعها تحكي تفصيل يومي أو حالة شعورية في تلك الآونة: ''هدفي الأول هو وضع الخط الأمازيغي في نفس مستوى الخطوط العالمية الأخرى، على غرار الخط العربي والصيني، اللذان يشكلان النموذج الأوحد في ذهنية غالبية الناس..''، يقول التشكيلي الذي وجدناه في رواق قصر الثقافة، يستقبل زواره، ويحاول تبليغ أهمية الحرف الأمازيغي كفكرة وشكل فني، يمكن أن يضاهي أي شكل آخر يمكن إبداعه''، ''حرف التيفيناغ له مميزاته الخاصة، فهو حرف يقدم لنا المثلث والمربع والدائرة، وهو أيضا خطا عموديا أو أفقيا..'' يردف شارحا. 59 لوحة... مشدودة بالطين تأخذك التيفيناغ إلى معاني كثيرة، ويمكنك أن تتعامل معها كعلامة للإستدلال بها، أو حرفا لتدوين الفكر والمعرفة والأدب، بمفهوم أشمل هو منظومة الحروف والعلامات التي تمثل أقدم كتابة عرفها التوارق في جنوبي وشمال وساحل إفريقيا، حاليا حوض نهر النيجر والتخوم الجزائرية الليبية وصحراء الهقار وشمالي نيجريا وفولتا العليا والنيجر ومالي. 95 لوحة، مختلفة الأحجام والمضامين، هي منطلق المعرض التشكيلي الذي يدوم إلى غاية 24 مارس ,2012 بعد أن انطلق في السابع من الشهر نفسه، رواق منح نوافذه الزجاجية متنفسا مناسبا للضوء المار إلى تفاصيل الحركة العفوية في لوحات مطماطي. فالحرف المكتوب عموديا بالدرجة الأولى، يذكرك بالطريقة التي كان الأجداد يكتبون بها، حين كانت تتم الكتابة على التراب، و يكون صاحبها جالسا القرفصاء أو منبطحا على جنبه ومتكئا على ذراعه. يقول الفنان: ''أجد نفسي حرا في تغيير تركيبة الحروف، وأميل إلى استعمال الألوان الحارة، التي أستخرجها من مواد طبيعية، مثل الحبر والتراب والطين أساسا، لأنهما يدلان على الصخرة التي ما زالت إلى اليوم تحفظ ما نقشه الأسلاف''. إلا أن مطماطي لا يغلق أفق اللون عنده: ''التيفيناغ لا تتعارض مع الألوان الأخرى، فهي تقبل البني والأصفر والبرتقالي والرمادي، كما يمكنها أن تتأقلم مع الأزرق البحري''. أرسم قصائد ''سي محند'' وحكمة ''آيت منقلات'' اللوحة عند اسماعيل هي ''آسيكل'' (السفر)، ''مرآة الرمل''، ''الحرية''، ''الشمس'' و''التراث'' وهي أيضا أبيات شعرية وفية للغة الأمازيغية، لرائدها ''سي محند'' أو''محند'' الذي قص على أقرانه رحلته الشاقة في الحياة، عن بحثه الدائم عن الأمن والإستقرار. يجدد التشكيلي وفائه للشاعر الحكيم الآخر، ''لونيس آيت منقلات''، معتبرا أن ما يرد من أغانيه يتجاوز المتعة الآنية، ويستقر في العقل حيث تترك الحكمة أثرها. يعتمد الفنان التشكيلي على بحوث أجراها بخصوص هذه الكتابة، ويحترم على ضوءها تنوع كتابتها التي تتوزع إلى ثلاث أبجديات: الأبجدية الأمازيغية الشرقية وتحتوي على 23 رمزا وتهم تونس وشرق الجزائر. الأبجدية الغربية وهي المعروفة ببلاد المور وتشمل 33 رمزا، تمتد من قسنطينة إلى المحيط الأطلسي وإلى هذه الابجدية تعود كل النقائش والحروف الصخرية في جبال الأطلس. لهذا ينتمي مطماطي إلى فئة الفنانين المعاصرين الذين استوحوا من الماضي، أشكالا حديثة، هي اليوم محل اهتمام مدارس الفنون الجميلة بفرنسا: ''في فرنسا فتحت ورشة رسم هناك، يحظى عملي باهتمام بالغ، وفضول العام والخاص، بينما ما تزال مدارس الفنون الجميلة الجزائرية بعيدة عن هذا الموروث الثقافي، في وقت يمكن الاستثمار فيه، كما هو حال دول مجاورة أخرى''.