على هامش معرض اللوحات التشكيلية "الرمز" الذي احتضنه مركز التسلية العلمية بالجزائر الشهر الماضي، التقينا الخطاط والفنان التشكيلي اسماعيل مطماطي الذي قدّم عشر لوحات فنية تبدو مختلفة عن غيرها من اللوحات، ربما لأنها مكتظة بالرموز الأمازيغية التي تختلف عن الرموز التي استعملها بقية الفنانين تعتقد في الوهلة الأولى أن الفنان موهوب في تركيبة ودمج الألوان والرموز، لكنك عندما تتقدم من اللوحات تجد نفسك أمام أبجدية كاملة.. هي أبجدية التيفيناغ أو الحرف الأمازيغي. كل خطوط العالم تعيش بالتوازي حياتها الجمالية: أنت الآن أمام الحروف، حروف تتكلم بلغتك، قد لا تعرفها لكنها تعرف تاريخك جيدا وتنصت لكل الحكايات التي مرت من هنا، ربما تعرف تقاطيعها النسخية السريعة، لكن أن تعرف حساباتها الجمالية أو كما يقال بلغة الخطوط "القاعدة والميزان لكل حرف" فهذا يستعصي عليك وعلينا... لذا كانت البداية معه فقط كما عبرة صادقة استطاعت أن تخلق في داخله إصرارا وثقةً في تفصيل الخط على غرار قواعد ومبادئ الخطوط العالمية. البداية.. بدأت هذه الرحلة بمجهودي الخاص.. وبمقارنة بسيطة مفادها.. لماذا كل خطوط الدنيا لديها مبادئ وقواعد وأسس جمالية؟؟ الخط الصيني، اللاتيني وحتى العربي، بينما لا أحد يمنح هذه القيمة الهامة في اعتقادي للخط الأمازيغي.. القيمة التي تسمو على كل الاعتبارات الأخرى، من هنا بدأت رحلة التحدي والجهد والبحث.. درست في البداية بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة وتدرّجت في تخصصات عديدة كالرسم الزيتي وكذا النحت، درست أيضا الخط العربي والحقيقة أن دراسة الخط العربي أفادتني كثيرا في وضع الميزان الخاص بكل حرف أمازيغي.. مع احتساب خصوصية الحرف الأمازيعي ومختلف أشكاله التي لا تشبه بقية الخطوط العالمية، بدأت هذا في نهاية الثمانييات والحمد الله بعد هذه المسيرة توصلت إلى تحديد الهيكلة العامة للحروف، واعتمدت قواعد عمل الحروف بشكل نهائي.. هذا لأنني أرى الأشياء برؤية جمالية.. والجمال هو هوية أيضا من الضروري أن تعتني بالجماليات التي تسكن هوياتنا لأنها هي الأساس.. وقطعا لن ترقى إليها جميع المطالب السياسية. أجمع القصائد من الحروف.. والحروف من الهوية: اسماعيل مطماطي خطّاط متخصص في أبجدية التيفيناغ وستجد ذلك موثقا في بطاقة التعارف التي يوزعها على الصحفيين.. لكن نحن أمام لوحات تتداخل فيها الحروف والألوان كأنما نحن أمام تشكيلة رمزية يصعب فكها.. "بالتأكيد انتقلت من مرحلة الخط بأبجدية التيفيناغ إلى التشكيل والعرض الفني.. هذه التقنية معروفة في بلدان العالم.. يصلح الحرف أن يكون الجزء الأول لتراص حرفي متتابع من أجل تشكيل لوحة فنية متكاملة، ولكنني لا أقوم بذلك فقط وفق القيمة الفنية وإنما أنا أكتب الحروف وفق سيل خطابي معين.. كأن أجمع أشعاراً لآيت منڤلات أو مثل سي محند أومحند كي لا تضيع الحروف هكذا.. أعتقد أن كتابة الحروف بلا معنى تحدد العمل الإبداعي وتجعله عاديا لا يحمل مضموناً طالما أن مضمون الحروف هي الكلمات والمعاني، لذا أخذت على عاتقي تجميع هذه الأشعار.. وعليه أقدم العمل الفني بشقيه التشكيلي والضمني". اللون البركاني خاصية حرف التيفيناغ القادم من الطبيعة: في لوحات اسماعيل جانبين.. الحروف التي وضّح لنا سرها وجعلنا نؤمن بمدى هوية هذا الفنان وارتباطه بتاريخه وأرضه، ورغبته في خدمتها بمفهوم جمالي راق، إلا أننا نجد في الجانب الآخر تقنية استخدام الألوان الفريدة.. الألوان في هذه اللوحات حارقة..حارة.. وربما حاضنة أيضا لكل ما هو طبيعي. يقول الفنان اسماعيل مطماطي عن هذا الأمر:"أي فنان تشكيلي يعرف جيدا قيمة اللون خصوصا إذا كان واجهة للحرف، وأي حرف.. حرف ضارب في التاريخ وفي تربة هذه الأرض.. كان لا بد لي أن أجد تقنية لون منفردة.. تعبيرية ومترجمة لسيرة حرف مرتبط بالأساس في الأرض.. بالصحراء.. بالنقوش على الصخور البركانية.. لا أعرف مدى توفيقي في هذا الأمر لكني أشعر أن طبيعة هذا الحرف لا بد أن تكون على هذا الشكل.. المزيج بين الأصفر والأحمر والبرتقالي هي ترجمة حرف التيفيناغ في مخيلتي.. لقد بحثت طويلاً في أصول اللون المستعملة في الأدوات المنزلية وحتى في تلوين الصوف والخشب وكانت التربة هي المصدر الأول للون هذا الحرف.. لذا تجدني في كل اللوحات أصر على هذه التركيبة لما لها من بعد توفيقي بين الأرض والإنسان". أطمح أن يصير خط التيفيناغ خطا عالميا: من الواضح أيضا أن اسماعيل مطماطي حسم أمره.. ولا يريد رسم شيء غير حروف التيفيناغ. يقول إنه يريد التأسيس الفعلي لقواعد حرف التيفيناغ التي يريد أن يجعلها عالمية شأنها شأن بقية الحروف الأخرى.. فيؤكد قائلا:"هذا الحرف ملك هذه الأرض.. وأنا من هذه الأرض.. لا أريد لأية جهات أخرى العمل معي.. لقد أقمت معارض كثيرة في أوروبا لكني أريد أن يجد هذا الخط مستقبله هنا، أريد بالفعل توثيق مبادئ وقواعد كتابته.. أحتاج لمساعدة ما أكثر من حبي الشديد لهويتي الممتدة حتى أعماق الصحراء.. أقمت معارض في تمنراست ووجدت إقبالا منقطع النظير هناك.. حيث لا يزال الكثيرين يكتبون بهذه اللغة.. أريد أن أنشئ معرضا وورشة عمل دائمة هناك.. لا بد أن لا نتغافل عن هذه الهوية.. لأن الجمال والتوثيق للأبعاد الجمالية هو الأهم وهو الأمر الذي سيبقى.. أعرف جيدا أنه لا يمكن أن نُدخل لبيوتنا كتابا بلغة التيفيناغ.. الطبع بهذه اللغة محدود لكن يمكن أن نُدخل لبيوتنا لوحة تشكيلية تحتوى على أصالتنا وهويتنا.. أنا حاليا لا أقوم بشيء سوى رسم الخط الأمازيغي.. صارت رسالتي وهدفي"..