إذا كان المغرب يكاد يتدحرج إلى مجموعة ال 27 بلدا الأكثر فقراً في العالم (إذ يحتل المرتبة 126 من 177)، فإن مَلِكَه، محمد السادس، من أغنى أغنياء العالم، حسب المجلة الأمريكية المتخصصة في الثروة ''فوربس ''؛ ففي جويلية ,2009 صنفت هذه المجلة الملك محمد السادس في المرتبة السابعة في ترتيب ثراء الملوك، بثروة مقدرة ب 5,2 مليار دولار، متقدما على أمير قطر أو أمير الكويت. ورغم أن العالم كان يمر بأزمة مالية أضرت بأكبر الاقتصاديات العالمية، إلا أن جلالته لم يتأثر بذلك، إذ لاحظت المجلة نفسها أن ملك المغرب كان على رأس الشخصيات التي ضخمت ثرواتها خلال سنة .2008 فكيف تحصل من يُسمي نفسه ''ملك الفقراء '' على هذه الثروة الطائلة وكيف نماها وزكَّاها ؟! هذا هو السؤال الذي سعى، ناجحاً، إلى الكشف عنه كتاب ''الملك النشَّال.. نهب المغرب '' الذي ألفه الصحفي الفرنسي المتخصص في الاقتصاد إيريك لوران، والصحفية الفرنسية كاترين غراسيي، التي عملت مدة في الرباط كمراسلة لعدة صحف، وصدر الكتاب، هذا الشهر، عن دار النشر الفرنسية ''لوسوي ''، وقد أودع الكتاب، كاملاً، على شبكة الأنترنت في عدة مواقع إلكترونية . وقبل التفصيل في محتواه، نفتح قوسين للإشارة إلى أن السلطات المغربية منعت صحيفة ال ''باييس'' الإسبانية من دخول المغرب، مؤخراً، لأنها عرضت للكتاب وقدمت فقرات منه. ويبدو أن هذا الكتاب سيعرف مصير الكتاب الشهير ''صديقنا الملك ''، الذي ألفه صحفي التحري الفرنسي المعروف جيل بيرو، في بداية تسعينيات القرن الماضي. وقد كشف فيه بيرو عن سجون الملك السرية (تازمامرت وقلعة ماقونة.. وغيرهما) التي كان يزج فيها المعارضين اليساريين والمدنيين والعسكريين الصحراويين وعائلة العسكريين الانقلابيين. وقد أثار الكتاب ضجة كبيرة كادت أن تعصف بالعلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية. وإذا كان جيل بيرو، مثلما قال في كتابه ''مذاق السرية ''، قد ألف كتابه اِستنادا إلى وثائق وتصريحات المعارضين المغاربة والمنظمات الحقوقية وشخصيات منفية، فإن تحقيق إيريك لوران وكاترين غراسيي يقوم على اِستجوابات لما يقارب الأربعين شخصية مقربة من القصر ومن عالم الأعمال في المغرب، إضافة إلى معرفة لا بأس بها بالمغرب، فالصحفي إيريك لوران هو صاحب كتاب صدر في 1993 بعنوان ''ذاكرة ملك لقاءات مع الحسن الثاني ''، وهو، تقريبا، مذكرات الملك الراحل. محمد السادس يتفوق على والده في اِستنزاف المغاربة بادئ ذي بدء، يلاحظ المؤلفان أن الحسن الثاني، الذي كان يقول ''بلدي ملْكٌ لي ''، وكان يأخذ 50 في المائة من عائدات الديوان المغربي للفوسفات، لم يُدْرَج، إطلاقاً، في ترتيب مجلة ''فوربس ''، وهو أمر حققه اِبنه محمد السادس ''في أقل من عشر سنوات من الحكم، وحقَّق هذه القفزة النوعية، لأنه شرَع في نوع من السطو على اِقتصاد بلاده ]...[ وقد أصبح الملك أول بنكي، ومُؤَمِّن، ومُصَدِّر، ومُزارع في بلده. وهو يتحكم، أيضا، في قطاع الصناعات الغذائية، والتوزيع الكبير والطاقة. إنه تحكم مُبَطَّن. رغم أن الثراء المحموم للملك وبعض الرجال الموجودين لخدمته قد تكون له نتائج سياسية لا يمكن حسابها، في وقت تعرّض فيه السكان لضربة قوية بسبب الأزمة التي تُفَقِّر الطبقات الوسطى وتضفي هشاشة عليها... (ص 11 و12)، وهذا أمر لمَّح له منظمو حركة ''20 فيفري'' عندما طالبوا بإبعاد بعض الشخصيات المحيطة بالملك، مثل منير الماجدي، سكرتير الملك الخاص. وفي توضيحهما لما وصفاه بال ''الاِنقلاب الاِقتصادي ''، الذي أقدمت عليه ''شُلَّة '' الملك ممن كانوا يدرسون معه في المعهد الملكي، بالرباط، مثل منير الماجدي السكرتير الخاص للملك، وفؤاد عالي الهمة وزير الداخلية ومؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، وآخرون لم يمروا بالمعهد المذكور مثل حسن بوحمو... وغيرهم. يسرد المؤلفان مختلف الأساليب والطرق التي اِنتهجت لكي يصبح الملك أحد أغنى أنداده، على حساب قوت المغاربة وسكنهم الاجتماعي وعلى المساعدات التي يتلقاها البلد من الخارج. وفي هذا التعداد، يتحدث الكتاب عن أخصب الأراضي الزراعية الخصبة التي تملكها العائلة الملكية، وفي هذا الصدد يشكك في التصريحات الرسمية التي تقول بأنها تقدر ب 000,12 هكتار، ويستند على تصريحات خبراء مغاربة ليقول بأن مساحة مزارع العائلة الملكية أحد الأسرار الكبرى في المغرب. وفي السياق نفسه، يكشف الكتاب عن كيفية قيام صندوق الودائع والضمان بتمويل مشاريع ملكية مثل مشاريع ''كلوب ميد '' و ''تول ''... وغيرها. رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي فقيرٌ مقارنة بمحمد السادس ومن الوقائع المثيرة التي يرويها الكتاب لتوضيح ''السيطرة الملكية على اِقتصاد البلاد ''، وقائع التركيبات المالية المدهشة المخالفة لقوانين الاقتصاد التي تعرّض لها مجمع شمال إفريقيا (أومنيوم نور أفريكان) أول مجموعة اقتصادية في المغرب وتملك فيها العائلة أسهما. ويصف المؤلفان هذه العمليات قائلين: ''إنه تركيب يتحدى قوانين الجاذبية الاقتصادية؛ ونتيجته: أن نسبة 13 في المائة التي كانت تملكها العائلة الملكية في مجمع شمال إفريقيا تحوّلت، من تلقاء نفسها، إلى أكثر من 60 في المائة بفعل سحر التركيبات المالية، دون ضخ أموال جديدة... (ص 90). ولم تسلم من أيادي القصر الملكي حتى صناديق المعاشات أو التقاعد التي ''تلقت الأمر ببيع بخس للأسهم التي تملكها، إلى الشركة القابضة الملكية ''سيجر ''، وهذا من هدف بسيط وهو تمكين الملك من إحكام سيطرته المالية على المجموعة '' (ص 91). وفي السجل نفسه، يُفَصِّل الكاتبان في كيفية اِمتصاص أموال دعم أسعار المواد الغذائية المتصاعدة بسرعة مذهلة من طرف الشركات التي يملكها الملك وتسيطر على قطاع التوزيع (64 في المائة). وفي هذا الصدد، يذكر الكتاب حالات شركات أجنبية شهيرة مثل ''كارفور '' و ''أكسا ''... وغيرها التي أرغمت على التخلي عن حقوقها لفائدة شركات الملك. ولم تنته قائمة أعمال النهب، حسب المؤلفان، إذ يستعرضان ظواهر التحكم والتلاعب البورصة المغربية وتحويل المساعدات والقروض الأجنبية، خاصة المقدمة من الإتحاد الأوروبي (الذي منح المغرب صفة المتعامل المتميز). وبطبيعة الحال، فإن التوصل إلى هذه المأثرة يقتضي التضحية والتنكيل بالمنافسين أو حتى أصحاب الفضل في هذه النتائج. وفي هذا الصدد، يورد الكاتبان قضية خالد الودغيري، الذي صحح وضع البنك التجاري المغربي ثم أزيح، وأحمد بن صديق الذي طرد من مديرية مؤسسة بعد أن اشتكى للملك العوائق في عمله، وثالث ذهب به الحال إلى إرسال رسالة للملك يعلن فيها الكف عن علاقة البيعة بينهما... وغيرهم. وإجمالا، وباِستثناء مجال التسليح الذي غفل عنه المؤلفان، (ربما لغياب معطيات أو لرغبتهما في إظهار بعض مؤشرات واقع أكثر من طموحهما في دراسة شاملة لحالة الظلم و التعسف الاِقتصادي في المغرب) فإنهما سلَّطا الضوء على هيمنة الملك على اِقتصاد المغرب، وهذا الظلم من الخطورة، حيث أن برقية ديبلوماسية أمريكية، كشف عنها موقع ''ويكيليكس ''، أشارت إلى هيمنة القصر على النشاط الاقتصادي في المغرب بالاعتماد على الإكراه والإبعاد، موضحة أنها أساليب ''تحطم بشكل جدي الحكم الراشد الذي تحاول الحكومة المغربية ترقيتهب (ص 148). أما عن صعود الإسلاميين إلى الحكم، فإن المؤلفين يشككان في جدواه، لأن عبد الله بنكيران، رئيس الحكومة التي يقودها حزب العدالة والديمقراطية الإسلامي، صاحب العلاقات المتميزة مع الجنرال حسني بنسليمان، ''رجل قضى كل مساره المهني منذ إثنى عشرة سنة في ظل القصر '' (ص 210). ومقابل أمريكا القلقة على النظام الملكي، فإن باريس تبقى ''عمياء، صماء وبكماء '' مثلما عنْوَن المؤلفان فقرة أخيرة من كتابهما. ويبدو أنها تكرر ما فعلته إزاء الرئيس التونسي المخلوع، رغم أن الرئيس بن علي يبدو فقيراً إزاء الملك محمد السادس!!!!. وقد خلص المؤلفان إلى القول: ''نادرون هم الديبلوماسيون الفرنسيون، في الكي دورسيه وفي الإليزيه الذين يتابعون، بعمق، الرجفات والثورات الجارية في العالم العربي، وفي المغرب فإن الوضع أكثر خطورة. وبينما يلتقي الدبلوماسيون الأمريكيون مع مجموع فعاليات المجتمع المدني، بما في ذلك الإسلاميين، وينسجون علاقات معهم، يفضل الفرنسيون محاكاة أسوأ ما في نظام المخزن: أي موقف الخادم الذي لا يحرك ساكناً ويبدي موافقته، على الدوام '' (ص 216). وفي هذا يتفق المؤلفان مع الصحفي المغربي علي عمار والفرنسي جون بيير تيكوا، في كتابهما الصادر في جانفي الماضي، عن دار النشر الفرنسية ''كالمان ليفيب ''، بعنوان: ''باريس مراكش: فخفخة، سلطة وشبكات ''.