عندما وصلنا إلى قصر الثقافة في حدود الساعة العاشرة صباحا، كانت أولى الورود قد وضعت على جثمان الراحلة وردة الجزائرية وسط جمع كبير من المواطنين والوجوه الفنية والسياسية التي جاءت لتلقي النظرة الأخيرة على فقيدة الأغنية العربية· لقد امتزجت الزغاريد التي كانت تطلق من حين إلى آخر وسط النسوة مع وقفات الترحم التي أقيمت على روح أميرة الطرب العربي الممزوجة بمسحة الحزن التي بدت على الوجوه· ووسط هذا الديكور كان الجميع يترقب وصول الشخصيات الوطنية والأجنبية التي توافدت تباعا، على منوال المطرب الخليجي حسين الجسمي الذي جلس قبالة جثمان الفقيدة إلى جانب نخبة من الفنانين الذين جاءوا لتوديع زميلتهم التي عشقوها واستمعوا إلى أغانيها واستلهموا من حنجرتها، على منوال المطربة فلة التي حدثتنا عن الراحلة والدموع تنهمر من عينيها ''ماذا عساني أن أقول ونحن نودع اسما كبيرا في سماء الأغنية النقية التي عمّرت لعشريات كاملة من الزمن وسمحت للمطربين برسم طريقهم وتجسيد أولى خطواتهم في عالم الفن، لقد ذهبت وردة إلى الأبد وستظل صورتها وصوتها وبساطتها عالقة بأذهاننا ما حيينا، لقد غادرتنا من غير رجعة وما عسانا سوى الترحم على روحها الطاهرة'' ، ولم تكن كلمات المطربة فلة الوحيدة التي قيلت في حق الراحلة، بل أبى كل من حضر من الوجوه الفنية أو السياسية أن يقول كلمة شكر وعرفان لما قدمته وردة من عطاءات على مدار مسيرتها الفنية التي تمتد إلى 50 سنة خلت· حسين الجسمي امتنع عن التصريح رغم الحشد الكبير من الفنانين الذين حضروا إلى قصر الثقافة، إلا أن الوجه الفني الخليجي حسين الجسمي جلب انتباه الإعلاميين كما المواطنين الذين التفوا حوله محاولين أخذ تصريح منه وهو الذي جاء خصيصا لتوديع فقيدة الجزائر والعالم العربي، غير أنه امتنع عن التصريح واعتذر لنا ولجميع من اقترب منه واكتفى بترديد عبارة ''الله يرحمها''، لقد بقي حسين الجسمي جالسا أمام جثمان وردة الجزائرية صامتا لمدة قاربت الساعتين قبل أن ينهض من مكانه ويلتحق ببعض الوجوه الفنية خارج القاعة الكبيرة التي وضعت بها جثمان الفقيدة، وهو ما سمح للمصورين بأخذ صور لنجم الأغنية الخليجية· ابن الفقيدة رياض التزم الصمت إذا كانت هناك شخصية جلبت إليها الفضول الكبير، فهو بدون شك إبن الراحلة وردة الجزائرية، حيث تلقى تعازي كل من صادفه في طريقه، وفضّل في الساعات الأولى التي أعقبت وصول جثمان والدته بالبقاء خارج القاعة، وهو ما استدعى انتباه كل من علم أنه ابن وردة الجزائرية، وعلى منوال الفنان حسين الجسمي لم يتفوه رياض بأي كلمة مكتفيا بترديد الشكر والعرفان لكل من تقدم إلى تعزيته، قبل أن يدخل إلى القاعة الكبيرة ويستمع إلى كلمة التأبين التي تلتها وزيرة الثقافة خليدة تومي ولم يكن رياض الوحيد الذي جلب فضول الحاضرين بل كذلك زوجته التي كانت متواجدة والتي تجاذبت الحديث وتبادلت بعض الكلمات مع المواطنين والفنانين، ولعل ما شدنا أكثر هو غياب ابنة الفقيدة وداد التي كثر عليها الكثير من التساؤل عنها، لكن الإجابة جاءت سريعة من طرف أحد أقرباء المرحومة عندما أخبرتنا بأن الابنة وداد مريضة وأصيبت بصدمة كبيرة، عقب سماع وفاة أمها، وبالتالي لم تستطع الحضور· الطاقم الحكومي كان حاضرا بغض النظر عن الوجوه الفنية العديدة التي انتقلت إلى قصر الثقافة لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان وردة الجزائرية، فإن وزراء الحكومة كانوا حاضرين كذلك في صورة وزير الخارجية مراد مدلسي، وزير الإعلام ناصر مهل، وزير الموارد المائية عبد المالك سلال، وكذا بعض الوجوه الوزارية السابقة في صورة عميمور، حبيب شوقي، عز الدين ميهوبي··· إلخ، حيث إلتحقوا جميعا بقصر الثقافة في حدود الساعة ال 11 صباحا وأدلوا بتصريحات لوسائل الإعلام تناولوا فيها خصال الفقيدة وعشقها للجزائر التي لم تتوان في تلبية كل الدعوات التي وجهت إليها، فكانت بحق بمثابة سفيرة للجزائر عبر كل العالم العربي· وبينما كان عدد الذين جاءوا إلى توديعها يتزايد مع مرور الوقت واقتراب ساعة الرحيل الحقيقية إلى مثواها الأخير، جلب إنتباهنا تداول بعض الشخصيات على سجل التعازي وأبرزهم على وجه الإطلاق كان مدير المتعامل نجمة جوزيف جاد الذي أبى إلا أن يشارك الجزائريين في مصابهم الجلل ويوقع على سجل التعازي· وما هي إلا لحظات حتى حلت ساعة المغادرة الأخيرة للراحلة التي نقلت على الأكتاف باتجاه مقبرة العالية، حيث ووريت التراب بحضور الوزير الأول أحمد أويحيى والسعيد بوتفليقة شقيق رئيس الجمهورية وسط حضور قوي للمواطنين الذين ألقوا النظرة الأخيرة على فقيدة الجزائر مرددين كلمات الرحمة على روحها الطاهرة·